الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ارتكبت أخطاء فادحة في مراهقتي وأخشى انكشاف أمري

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة شابّة، وقد ارتكبتُ أخطاءً فادحة في فترة مراهقتي، بسبب تأثري بالثقافة الغربية وأفكار التحرر، كأن أتعَرّى أمام الكاميرا وأُرسل صوري، لكنني توقّفت عن تلك الأفعال منذ سنوات، وبدأت أراجع نفسي، وقرّرت أن أتغيّر، أشعر بندمٍ عميق ومرارة لا تُحتمل، حتى إنني أصبحتُ مكتئبة.

لا أستطيع نسيان ما فعلت، ولا مسامحة نفسي، رغم مرور السنوات، -والحمد لله- الذي سترني، لكنني أخشى أن يأتي يوم يُكشَف فيه ما فعلت أو تُنشر صوري.

أُحاول التقرب إلى الله بالصلاة والدعاء، راجيةً ستره وثبات ديني، لكنني ما زلتُ غارقةً في الهموم، حتى إنها تؤثر على حياتي اليومية، وأتذكّر تلك الذنوب أحيانًا وأنا في الصلاة، فهل يجب أن أُخبر أمي بما أمرّ به كي تُساندني؟ وماذا أفعل كي أتخلص من هذه الأفكار؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب.

في البداية: بارك الله فيكِ على توبتك الصادقة، ونسأل الله أن يُثبتك على الخير ويُلهمك الرُّشد، ونُبشرك بأن الله عز وجل رحيم بعباده، ويُحب التائبين ويقبل توبتهم مهما كان ماضيهم إذا صدقوا وأخلصوا لله تعالى، يقول سبحانه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

أما الشعور بالخوف والقلق من الماضي، فهو أمر طبيعي، وهو دليل على الندم، وكما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الندم توبة)، لكن تذكري دائماً أن الله سبحانه وتعالى هو "الستّير" الذي يُحب الستر، وقد أمرنا بحفظ سترنا، وعدم فضح أنفسنا، ولو إلى أقرب الأقربين.

فما دام أن الله سترك أثناء فعلك هذه الذنوب، فهذه رحمة من الله تعالى بك، ومن فضل الله أن جعل التوبة بين العبد وبين الله، ولا يشترط لصحتها علم أحد من البشر، أو أن يفضح الإنسان نفسه بين الناس؛ لذلك لا تُخبري أحداً بماضيك ولا بما حدث معك، واجتهدي أشد الاجتهاد في تحقيق التوبة النصوح والإكثار من الأعمال الصالحة، وتطهير نفسك وحياتك من كل ما يتعلق بالماضي السيئ، وحتى تتخلصي من هذه الأفكار نقدم لك بعض النصائح، ونسأل الله أن ينفعك بها:

أولاً: التخلص من كل ما يذكرك بالماضي، سواء صديقات السوء أو وسائل المعصية، أو الأماكن، أو أي شيء يعيد إلى عقلك تذكر ذلك الماضي، وفي هذه المرحلة من المهم ترك كل وسائل التواصل الاجتماعي والمدخل الذي تسبب لك بالوقوع في هذه المعاصي؛ فالقلب بحاجة للتعافي بالتعلق بالله، والإكثار من الصالحات حتى يزول ما علق به من ران المعاصي والذنوب.

ثانيًا: عُمران الوقت بالطاعات والانشغال بكل مفيد؛ وذلك من خلال مزاحمة وقتك بقدر ما تستطيعين بما يُقربك إلى الله ويُنمي مهاراتك، كحفظ القرآن والاستماع له، وحضور المحاضرات الدينية ومجالس العلم الشرعي، وكذلك المشاركة في الفعاليات التي تنمي مهاراتك المختلفة؛ وكل هذا يساهم بشكل كبير في إزاحة الأفكار السلبية عن عقلك، والانشغال ببناء الذات.

ثالثًا: الاستعاذة بالله من الشيطان ووساوسه؛ فهذه الأفكار المقلقة التي تشعرين بها هي من الشيطان ليعيدكِ إلى الحزن والقلق، وليبعدكِ عن الاستمتاع بحياتكِ الجديدة، كلما شعرتِ بالقلق أو الخوف، استعيذي بالله من الشيطان الرجيم، وذكري نفسكِ برحمة الله وسعة مغفرته، وبادري إلى ذكر الله تعالى والانشغال بالطاعات.

أخيراً -أختي الفاضلة- بادري إلى الإكثار من الدعاء، والاستغفار، وذكر الله تعالى، ونوافل العبادات، وكل ما يقربك من الله تعالى؛ فهذه الأمور تُشعرك بالإنجاز، وتريحك نفسياً وتعزز فيك الثقة بالله تعالى، وتُذهب مخاوفك -بإذن الله-، وتذكري أن أعظم داعم لك هو الله، والبوح له بكل ما في قلبك وكل ما يقلقك يحقق لك الأمان والاطمئنان، فهو السند العظيم لقلب المؤمن، والمزيل لمخاوفه قال تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون).

وفقك الله، ويسر أمرك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً