الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرهقتني الوساوس وأوصلتني إلى الفتور، فكيف أتخلص منها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بلغت عندما كنت في الثانية عشرة من عمري -قبل أربع سنوات- وقد كنت أصلي -ولله الحمد-، ولكنني كنت أمارس العادة السرية لمدة سنتين، وبصراحة كنت أشعر في نفسي أنها محرمة، ثم في إحدى الأيام شعرت أنني أمام الناس فتاة ملتزمة وذات أخلاق جيدة، فشعرت بالخزي من نفسي وتوقفت عن ممارستها.

الآن أنا أقضي صلوات تلك السنتين؛ لأنني لم أكن أعلم شيئًا عن المني، ولا الجنابة، ولا وجوب الاغتسال كذلك، عليَّ قضاء صيام شهرين؛ لأنني كنت أمارسها حتى في رمضان.


المشكلة أنني تأتيني وساوس تخبرني أنني كنت أعلم بحكم نزول المني في رمضان، وأنه يبطل الصيام، وأن عليّ كفارة كبرى، ولكنني لا أتذكر أن كان هذا صحيحًا، والتفكير في قضاء هذه الصلوات يذكرني بالماضي، وهو أسوأ ماضٍ بالنسبة لي، وتذكره يسبب لي ضيقًا نفسيًا شديدًا، ويجعلني أتمنى الموت، وأحسد أخواتي؛ لأنهن لم يبلغن بعد.

فما توجيهكم؟ هل أنسى هذه الأوهام التي لا أعلم إن كانت صحيحة أصلاً، أم ماذا؟

لا أعلم ما الذي يحدث لي، في كل مرة أكتشف أن صلواتي كان بها خطأ، فأصححه في الصلوات القادمة، صرت لا مبالية وكثيرة الحزن، ولم أعد أسعى لتحقيق حلمي.

أشعر أنني صرت بعيدة عن الله، وكل ما أخشاه أن يصيبني القنوط بسبب هذا الفتور، أعلم يقينًا أن رحمة الله واسعة، ولا أزال أنتظر تحسن وضعي، رغم علمي أن الله -سبحانه وتعالى- لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، لكنني لا أعرف كيف أبدأ هذا التغيير.

وأريد أن أضيف أنني أعاني من وسواس النجاسة، وأخشى أحيانًا من الكفر -والعياذ بالله-، ولا أعلم أيضًا كيف أداوم على أذكار الصباح والمساء، ولا أعرف كيف أنظم وقتي.

والحمد لله على كل حال.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ علياء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يصرف عنك كل سوء ومكروه، وأن يعينك على شكره وذكره وحسن عبادته.

أولاً: نهنئكِ بتوفيق الله تعالى لكِ وإعانته على ترك هذه العادة القبيحة، فإنها عادة متضمنة لأضرار كبيرة عليكِ، فترككِ لها توفيق من الله تعالى، ونسأل الله أن يثبتكِ على ذلك.

ثانيًا: ننصحكِ ألا تشتغلي بالوساوس، وأن تجاهدي نفسكِ للتخلص منها، فإنها شر مستطير تُفسد عليكِ حياتكِ وتوقعكِ في أنواع من الحرج والضيق لا يُحبه الله تعالى ولا يُريده منك؛ فالوساوس مصدرها الشيطان، والله تعالى ينهانا عن اتباع خطوات الشيطان في كتابه العزيز فيقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ". فينبغي أن تتخذي الأسباب المعينة لك على هجر هذه الوساوس والإقلاع عنها:

وأهمها اللجوء إلى الله تعالى بالاستعاذة حين تداهمكِ الأفكار الوسواسية.

وثانيًا: تحقير هذه الوساوس ومعرفة مصدرها، وأنها من الشيطان، وأن الله تعالى لا يريدها منك ولا يحبها، وأن العمل بمقتضاها لا يزيدكِ حرصًا على الدين؛ ولا يرفعك في درجاته، بل على العكس من ذلك، والإعراض الكامل عن هذه الوساوس، وعدم البحث عن إجابات لأسئلتها أو العمل بمقتضاها، فإذا فعلتِ هذا فإنكِ ستتخلصين منها عن قريب -بإذن الله-.

وبخصوص المسائل التي ذكرتها بهذه الاستشارة: إن كنتِ قد استيقنتِ فعلًا يقينًا جازمًا أنكِ أنزلتِ المني، فقد وجب عليكِ الاغتسال من الجنابة بنزول هذا المني، وإذا لم تغتسلي فواجب عليكِ أن تقضي الصلوات التي صليتها بدون اغتسال؛ لأنكِ كنتِ قادرة على التعلّم والسؤال عن حكم هذه المسألة ولم تفعلي، فلستِ معذورة في هذا الجهل؛ لأنه قد حصل منكِ التقصير في البحث والسؤال.

ولا ينبغي أن يكون قضاء هذه الصلوات سببًا للضيق، فتقضين من الصلوات ما تقدرين على قضائه وما لا يشغلكِ عن مصالحكِ ومنافعكِ الحالية؛ وأقل ما قيل في كيفية القضاء أن تقضي صلاة يومين في يوم واحد، وتذكركِ للماضي لا يفيد، ولا ينفع، بل على العكس يوقعكِ في أنواع من الإحباط واليأس، فينبغي أن تتركي ورقة هذا الماضي، وتعلمي أن الله سبحانه وتعالى يُكفّر ما مضى بالتوبة ويمحوه، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، وأخبر الله في كتابه أنه يُبدّل سيئات التائب حسنات.

فالاشتغال بالماضي على طريقة تورث اليأس وتجلب الإحباط هي من الحيل الشيطانية، والكيد الشيطاني يريد أن يصرفكِ عن طاعة الله تعالى، ويُزهّدكِ في اتباع مرضاته، فلا تلتفتي لذلك.

وأما قضاء رمضان فإن كنتِ قد تيقنتِ أيضًا أنكِ فعلتِ تلك العادة وأنزلتِ المني في شهر رمضان، فالواجب قضاء الأيام فقط، ولا تلزمكِ الكفارة الكبرى، وهذا مذهب أكثر علماء المسلمين، ويجوز لكِ أن تعملي بهذا القول، وهو أن تقضي الصيام فقط دون كفارة كبرى، نسأل الله تعالى أن يُيسر لكِ الأمر ويُعينكِ على الخير ويُثبتكِ على دينكِ.

أما أذكار الصباح والمساء، فإنها حرز وأمان من الشرور والآثام والأضرار، فينبغي أن تحافظي عليها بقدر استطاعتكِ؛ وأن تقتصري ولو على شيء يسير منها، كأن تقولي: "سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته" ثلاث مرات، أو تقولي: "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيئًا في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم" ثلاث مرات، وتقولي سيد الاستغفار مرة وهكذا؛ فحاولي أن تقللي الكمية من الأذكار بحيث تستطيعين قولها في دقيقة، وإذا وجدتِ في نفسكِ نشاطًا وسعة وقتٍ فأكملي ما يزيد عليها، وبهذه الطريقة تضمنين -بإذن الله تعالى- المحافظة على الأذكار على الدوام.

نسأل الله تعالى لكِ مزيدًا من التوفيق والهداية والصلاح.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً