الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كثرة المشاكل العائلية أفقدتني التركيز في دراستي، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة في الثامنة عشرة من عمري، أواجه ضغوطًا نفسية كبيرة بسبب كثرة المشاكل العائلية، مما يؤثر سلبًا على دراستي، خصوصًا أنني طالبة بكالوريا هذا العام، وهي سنة مصيرية بالنسبة لي.

بسبب الأجواء المتوترة في المنزل، قررت الانتقال مؤقتًا إلى بيت جدي وجدتي (من جهة والدتي)؛ لأحظى بشيء من الهدوء والتركيز، لكنني أعلم أنني سأضطر للعودة مجددًا إلى نفس البيئة المليئة بالتوتر والمشاكل.

أعيش مع جدتي (والدة أبي) المصابة بشلل نصفي، وتُخصَّص لها خادمة يومية، لكنها مقصّرة بشكل كبير في أداء واجباتها، فتضطر والدتي لتحمّل العبء وحدها، خاصة أن عمّاتي لا يقدمن المساعدة المطلوبة، رغم أن والدتهن بحاجة ماسة إليها!

أمي تعيش منذ أكثر من عشر سنوات في وضع مجهد وظالم، وصبرت من أجلنا نحن -أبناءها الخمسة-، وإلا فهي كانت على وشك طلب الطلاق بسبب هذا الضغط المستمر، تحدثت ذات يوم بحسرة عن الفارق الكبير بين حياتها في بيت أهلها الميسورين، وبين ما تعيشه الآن من تعب ومهانة دون تقدير.

سؤالي الآن: كيف يمكننا التعامل مع هذه الخادمة المقصّرة، ومع الجدّة ومع عمّاتي؟ وهل من الحكمة أن ننتقل -أنا وأمي وإخوتي- للعيش في بيت أصغر وأهدأ بعيدًا عن هذا الجو المليء بالمشاحنات؟

أرجو منكم النصح والتوجيه، جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زينة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكِ لصالح القول والعمل.

أختي الفاضلة: أعانكِ الله، وشرح صدرك، وأبدلكِ خيرًا مما أنتِ فيه، ما تعيشينه من ضغط نفسي داخل بيتٍ مليء بالمشاكل هو وضع مؤلم، ويستحق أن يُفهَم ويُقدَّر.

أعلمي -وفقك الله- أنه لا بد للمؤمن أن يصبر مع كل بلاء وامتحان حتى يقطف ثمرة هذا البلاء بالفرج والتوفيق، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما يصيب المسلم، من نَصبٍ ولا وَصَب، ولا همٍّ ولا حَزَنٍ ولا أذىً ولا غَمّ، حتى الشوكة يُشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه)، فليكن قلبك مطمئنًا أن بعد الشدة لا بد من الفرج والتيسير والخير -بإذن الله تعالى-.

أختي الفاضلة: ابتعادكِ المؤقت عن البيت، وذهابكِ إلى بيت جدتكِ، خطوة جيدة لتحمي بها نفسكِ وتنجحي في دراستكِ، خاصةً أن سنة البكالوريا سنة مفصلية، المهم أن لا يكون هذا الابتعاد سببًا في زيادة المشكلة، أو في الوقوع في مخالفة شرعية، أو تقصير في حق الوالدين، لذلك تذكّري أن هذا البُعد لا يعني القطيعة، بل هو فترة للاستراحة والتقوية حتى تعودي أكثر وعيًا وقدرة.

أما بالنسبة لتقصير الخادمة، فالأفضل أولًا أن تُواجَه "بشكل شخصي" بتذكير لطيف وحازم بواجباتها ومسؤولياتها، وإذا استمر التقصير، فليكن التدخل من شخص مسؤول كوالدكِ.

أما مع أبيكِ، -فلا بد من تقدير حق الوالدين العظيم- فإن نصيحة هادئة، أو رسالة مكتوبة، قد تكون أنفع من المواجهة المباشرة التي ربما تزيد من المشكلة، ذكِّريه فيها بالرحمة، والرفق بأمكِ، والإحسان إليها، وخوِّفيه بالله تعالى، وذكِّريه بوجوب العدل، وأن هذا الواقع يؤثر عليكم وعلى مستقبلكم كأبناء.

أختي الفاضلة: حاولي الخروج من دائرة الانفعال العاطفي الزائد، والتفكير في هذه المشاكل بشكل مفرط؛ لأن ذلك يتسبب في تشتيت ذهنك، ويمنعك من التركيز في دراستك، خصوصًا أنكِ في السنة الأخيرة، التي تحتاج إلى اجتهاد وهدوء لتتفوقي دراسيًا، وحتى تلتفتي إلى صناعة مستقبلكِ بشكل أفضل.

أنتِ في مقتبل العمر، لذلك، ركّزي على ما تستطيعين فعله دون أن تتأذي نفسيًا، وابتعدي عن مواطن العجز والمواجهة التي تعجزين فيها عن التغيير.

أما عن فكرة الانتقال إلى بيت مستقل، فهي خيار يحتاج إلى دراسة واقعية -دون انفعال لحظي- حتى يكون القرار صائبًا، وأول الأمور التي ينبغي أن تفكّري فيها: هل هذا القرار سيحل المشكلة أم سيزيدها؟ وهل هناك موافقة إيجابية من الوالدين؟ وهل تملكون القدرة المادية؟ وهل والدتكِ مستعدة لأعباء جديدة؟ لذلك، ينبغي أن يُدرَس هذا القرار من كل النواحي، وأن يكون آخر الوسائل، لا أولها.

أخيرًا: تذكّري أن لوالدكِ عليكِ حقًّا، مهما صدر منه، فحق البر والإحسان لا يسقط، ولا بأس بأن تقدّمي له النصح والتوجيه بالمعروف والكلمة الطيبة، ولا تنسي أن بناء نفسكِ وتعليمكِ هو أقوى ما يمكنكِ تقديمه الآن، لأمكِ، ولإخوتكِ، ولنفسكِ، فركّزي على النجاح، واستعيني بالله، وأكثري من الالتجاء إليه بالدعاء والتضرع أن يوفقكِ للخير، ويصرف عنكِ السوء، وتذكّري أن الفرج قريب لمن صبر، وأحسن التوكل على الله.

وفقكِ الله، ويسّر أمركِ، وأعانكِ على الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً