الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفكر في الطلاق لأن زوجي يخونني ويقارنني بغيري!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا متزوجة منذ عشر سنوات، ولم يرزقني الله ذرية من زوجي الحالي، وكلما طلبت منه أن نقوم بعملية طفل أنابيب، رفض ذلك بحجة أنه لا يجوز شرعًا، مع أنني أوضحت له أن الأمر جائز شرعًا بشروطه، لكنه لا يزال يرفض.

ومع مرور الوقت، بدأ يعايرني دائمًا بأني لا أنجب، رغم أنني كنت متزوجة من قبل، ولدي أطفال من زواجي السابق.

كما أنه دائم التذمر من كل ما أقوم به، سواء في الطبخ أو التنظيف، ويقارنني بأخواته، ويقول: "أنتِ لا تطبخين مثل أخواتي"، وعندما أرد عليه بأن لكل شخص ذوقه وأسلوبه في الطبخ، يعود ويقول: "الطعام مالح، أو ماسخ، أو محترق".

ومع الأيام صار يكرر: "لماذا لا تصبحين متألقة مثل أخواتي؟" فقلت له: "أنت لا تعطيني مصروفًا لأهتم بمظهري أو أذهب إلى الكوافير، ثم إنني لا أقوم بعمليات تجميل لأنها محرّمة، ومع ذلك أنا أحرص على الاهتمام بمنظري وأعرف متطلبات الزوج"، لكنه لا يراني جميلة؛ لأنه يقارنني دائمًا بغيري، وينظر إلى الخارج.

تأثرت نفسيًّا من معاملته، حتى أصبت بمرض نفسي أثّر على أعصابي، فلم أعد أستطيع تحريك يديّ جيدًا، ومع ذلك لم يهتم، أو يسأل عني، ثم بدأت ألاحظ أنه يقضي وقتًا طويلاً على الهاتف، حتى رأيته يراسل فتاة متبرجة، ويقول لها: "صباح الخير".

وعندما واجهته، قال: "عادي، كل الرجال لديهم شخص يفضفضون له!"، ولما أخبرته أن هذا لا يجوز، قال: "هذا بيني وبين ربي، لا دخل لك"، حتى إنه يفكر في الزواج عليّ.

أنا الآن في دوّامة من الحيرة: هل أطلب الطلاق، أم أتحمل؟ أخشى أن أكون آثمة إن طلبت الانفصال، لكن زواجي هذا لا أجد فيه نفعًا ولا سكنًا، بل أشعر أنه يريدني خادمة فقط.

وزيادة على ذلك، أنا أسكن مع أهله، وليس عليه أي التزامات، وهو لا يعطيني مصروفًا شهريًا، فقط يعطيني مبلغاً زهيداً مرتين في السنة (في العيد)، وحتى عندما ذهبت لاستشارة أسرية دون علمه، نصحوني بأن أطالب بالنفقة، لكنه حين علم بالأمر تهجم عليّ وقال: "لا تحتاجين شيئًا، أنا أوفر الطعام واللباس، وليس أكثر من ذلك"، بل إنه يريد من أبنائي أن يصرفوا عليّ لأنهم توظفوا الآن.

أعيش في قلق دائم وخوف وتشتت، لا أعرف كيف أتصرف! أهله يؤثّرون عليه سلبيًا، وهم غير ملتزمين دينيًا، بينما أنا محافظة على ديني ولباسي الشرعي، ولذلك لا يحبون تواجدي.

أرجو منكم المساعدة، والنصيحة الشرعية والنفسية، فقد ضاقت بي السبل.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختنا الفاضلة- في موقعنا، ونشكر لك اهتمامك وحسن عرض سؤالك، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يهدي هذا الزوج لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو.

كنا بحاجة إلى أن نعرف إيجابيات هذا الرجل التي جعلتكِ تستمرين معه هذه السنوات، بعد أن عرفنا ووقفنا على هذه السلبيات، وهي بلا شك كبيرة، خاصة الخيانة؛ لأننا حتى نوازن نحتاج إلى أن ننظر في الإيجابيات، ونضعها إلى جوار السلبيات، ثم نعرف الفرص المتاحة أمامكِ في هذه الحياة، ونسأل الله أن يعينكِ على الصبر.

ونحن لا نستعجل فكرة طلب الطلاق أو الخروج من حياته قبل أن ندرس المسألة دراسة كاملة، والحمد لله أنت أنجبتِ أطفالاً، وواضح أن الإشكال عنده في عدم الإنجاب، وبعض الرجال إذا فشل في هذا الجانب فإنه يسقط هذا الفشل على زوجته بمثل هذه الاتهامات وبمثل هذه المواقف.

ونحن نوصيكِ الآن بأن تقومي بما عليكِ كاملًا كزوجة، وتؤدي ما عليك من حقوق؛ لأن العلاقة الزوجية هي عبادة لرب البريّة، الذي يُحسن من الزوجين يجازيه الله، والذي يُقصِّر يحاسبه الله -تبارك وتعالى- القائل: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.

فاستمري على القيام بما أنت عليه، ودعينا ندرس هذه المسألة دراسة شاملة، ومن المهم في هذه الدراسة أن تنظروا في عواقب الأمور ومآلاتها، فأنتِ أشرتِ إلى أن هذه هي الفرصة الثانية في الزواج، ونعتقد أن وجود المرأة في بيت فيه زوج خير لها غالبًا، وأنت أعلم بحالك وبمجتمعك، والفرص المتاحة أمامك.

أيضًا فكرة الانفصال نحن لا نؤيدها، إلَّا بعد أن تبذلي سبل الهداية والنصح له، فدعوة الزوج وحضه على الخير، وتشجيعه على الطاعات، وإبعاده عن المعاصي والمنكرات هدف شرعي كبير، وبشارة النبي ﷺ لمن يقوم بهذا العمل «لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ»، فكيف إذا كان الرجل هو هذا الزوج؟

ونؤكد أن المقارنات سالبة، وأنها مرفوضة، ولكن هل هذه المقارنات لأنكِ تقارنينه بغيره وتواجهينه بذلك، أم الأصل أنه كثير النقد كما ذكرتِ بالطريقة المذكورة؟ وعليك أن تعلمي أن المقارنة مع الأخريات ما ينبغي أن تفقدك الثقة بنفسك، لأن الله ميّزكِ، والحمد لله أنتِ أشرتِ إلى أنكِ متدينة، وأي نعمة، وأي فضل أعظم من نعمة الدين؟

والمقارنات في كل أحوالها ظالمة؛ لأن الله أعطى هذه ما حُرمت منه هذه، والعظيم سبحانه وزّع نعمه بين عباده، حتى مسألة الجمال موزعة، فهذه قد تكون جميلة في وجهها، وأخرى في عينيها، وأخرى في عقلها، وثالثة في جسدها، وهكذا، لكن العظيم وزّع هذه النعم، فاشكري نعمة الله عليكِ، واجتهدي فيما عليكِ، واهتمي بالسعي في هدايته.

واكتبي لنا لاحقًا بما يستجد حتى نضع الخطة الدعوية لإصلاحه، وسنعتبر الإيجابيات التي عنده مداخل إلى نفسه، واجتهدي على أهله أيضًا بدعوتهم إلى الله ودعوتهم إلى سبل الهداية، ونسأل الله أن يجعلكِ مصدر خير له ولأسرته، وأن يُلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

أمَّا مسألة النفقة التي أشار إليها الاستشاري؛ نحن حقيقة لا نؤيد أن تُطلب دفعة واحدة، ولكن بالتدرج، وقد أشار أنها عند الضرورة، فاجتهدي في أن يصرف عليك، في أن يعطيك أموالًا، واعلمي أن المرأة العاقلة الفاضلة تعرف متى تطلب، وكيف تطلب من زوجها، فكوني حصيفة، وحكيمة، واختاري الأوقات المناسبة لنصحه، والفرص المناسبة للطلبات، وقومي بما عليكِ كزوجة، واجتهدي في النصح له، وتواصلي مع موقعك، وبعدها، بعد أن ندرس هذه الأمور دراسة كاملة يمكن أن يتخذ القرار الصحيح، الذي يُنظر فيه إلى عواقب الأمور ومآلاتها.

ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يهديه، وأن يصلح لنا ولكِ النية والذرية، ونكرر شكرنا لكِ على تواصلك مع الموقع، ونسأل الله لنا ولكِ التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً