الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدتي تغضب مني فكيف أبرها وأقنعها بارتدائي للخمار؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بارك الله فيكم شيوخنا الأفاضل، وجزاكم الله خيرًا.

أعاني من ضعف عام في الذكاء العاطفي والاجتماعي، وأكثر مَن يتضرر من هذا الأمر هم أفراد عائلتي، وبالأخص والداي؛ فبرهما يُشكل عبئًا نفسيًا كبيرًا عليّ، لكنني أُرغم نفسي على القيام به، ومع ذلك أشعر أنني مقصّرة جدًّا في حقهما، والله المستعان.

أنا الآن في سنتي الجامعية الثانية، وفي منتصفها تقدم لخطبتي أحد الأشخاص، وقالت عائلتي عنه وعن عائلته إنه لا يُرفض، فوافقت على رأيهم، لا سيما أن لدي رغبة عامة في الزواج المبكر، رغم شعوري بعدم الاستعداد الكامل له، ومع مرور الأيام، ازدادت العلاقة توترًا بيني وبين أهلي، وازداد شعورهم بعدم الرضا عني، حتى وقعت نوبة غضب شديدة من والدي، لم يشهد البيت مثلها من قبل، علمًا بأن والدي لا يسكن معنا بسبب طبيعة عمله، ثم بعد فترة تمت الخطبة الرسمية والإعلان عنها، لكن بعد الخطبة، صدر مني تصرّف غير حسن، إذ شعرت بشيء من الفتور المؤقت بسبب ما سبق، وأظن أن والدتي غاضبة مني لهذا السبب تحديدًا، وحين تغضب والدتي فإنها تقاطعني ولا تكلّمني، ولا تنظر إليّ.

من البرّ أن أفهم فورًا سبب غضبها وأبادر لإصلاح الأمر ومصالحتها، لكنني لم أتمكن من ذلك بسبب جهلي، وخوفي من طريقة التعامل معها.

استمر الوضع على هذا الحال لمدة شهر أو يزيد قليلاً، إلى أن جاء عيد الأضحى، وحينها طرأ في نفسي فجأة أنني أرغب في ارتداء اللثام (النقاب).

عندما فاتحت والدتي بذلك، رفضت الأمر رفضًا قاطعًا لأسباب تتعلّق بالوضع الأمني، وحتى إنها ترفض أن أخرج معها إذا كنت ملثمة، مع العلم أننا – أنا ووالدتي – كنا نرتدي الخمار ونلثم وجوهنا قبل أن نغترب إلى تركيا، كما أن الخمار واللثام بدأ ينتشران بشكل أوسع في مدينتي، وهذا مما شجّعني على الفكرة.

الآن، عندما أخبر الآخرين برغبتي في الالتزام، يسألونني: "ما رأي خطيبك؟" ولكنني لم أسأله بعد. فهل ينبغي أن أستأذنه أو أستشيره في هذا الأمر؟

أيضًا: والدتي تخبرني بين الحين والآخر بأنني غير صالحة للزواج، وتقول لي: إنني لن أستمر في هذا الزواج، بل قد أعود إلى البيت بعد يوم أو يومين – ولا أعلم إن كانت تقصد أنني سأُطلّق –.

كل هذا يؤلمني جدًّا، رغم أنني أجتهد بصدق في تحسين نفسي، إلَّا أنني أشعر بفتور واستنزاف شديد في طاقتي بشكل غير طبيعي؛ ممَّا يجعلني أفكر أحيانًا في اللجوء إلى الأدوية أو المكملات، رغم أن جميع فحوصاتي سليمة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيناس حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لكِ اهتمامك، وحُسن العرض للسؤال، ونُبشّرك أن معرفة الإنسان بالنقص الذي عنده وبالخلل الذي فيه، هي البداية الصحيحة للتصحيح، والخطوة الأولى لتجاوز ذلك الخلل، فإنه إذا عرف السبب بَطل العجب، وسهل بتوفيق الله إصلاح الخلل والعطب.

وعليه، أرجو أن تُوسّعي اهتماماتك في العلاقات بين الزميلات وبين أفراد الأسرة، وسعدنا أنك تهتمين ببرّ الوالدين، وتشعرين أيضًا بالتقصير، والشعور بالتقصير ينبغي أن يدفعنا نحو الكمال والاجتهاد في الإحسان إليهم.

وعليك أن تُدرِكي أن الوالد والوالدة قد يغضبون، لكن إرضاءهم من السهولة بمكان، والفتاة العاقلة تحرص دائمًا على برّ والديها؛ لأن ذلك ينعكس عليها توفيقًا في دراستها، وفي حياتها، وفي مستقبل أيّامها، وفي أبنائها أيضًا؛ فإن البرّ يُورث البرّ.

ولهذا أرجو أن تهتمي بهذا الجانب، وتقتربي من والديك أكثر، ولا تتأثري طويلًا بكلمات الوالدة، ولكن حاولي أن تتفادي الأمور التي تُزعجها، والتي تدفعها لقول ما يؤلمك، فغالبًا ما تقول الأم مثل هذه العبارات؛ لأنها تريد ابنتها أفضل بنت في الدنيا، تريد لها الكمال، وقد تتسامح مع نقصٍ عند الآخرين، لكنها لا تقبل هذا النقص عند ابنتها، لا كُرهًا لها، ولكن حبًّا وخوفًا عليها، وتريد ابنتها أن تكون في قمة القمّة، وتكون متميزة جدًّا.

وأيضًا تفهّمي غضب الوالدة مما تَشعر به من الفتور بعد الخِطبة الرسمية؛ ولكن هذا الفتور أحيانًا يكون سببه الشعور بالمسؤولية، أو التفكير في الواقع المقبل، لكن في كل الأحوال، لا ينبغي أن تُظهري ما يُزعج الوالدة، وكوني متفهّمة أيضًا لاحتياجات الوالد، واعتذري له إذا غضب أو إذا قصّرتِ في حقّه.

أما مسألة اللثام ومسألة الحجاب ومسألة النقاب؛ فهذه من الأمور الشرعية التي ينبغي لكل مسلمة أن تُجاهد في التمسك بها، لا لأنها فُرضت من والدٍ أو والدة أو خاطب؛ بل لأنها شريعة الله تبارك وتعالى، الذي قال لنبيه ولنا جميعًا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59].

فالحجاب هويةٌ راسخة للمرأة المسلمة، وجزءٌ من دينها وعقيدتها، لا يُنتظر فيه إذنٌ من أحد، ولا يُطلب فيه رضا خاطبٍ أو غيره، بل هو التزام شرعي تُؤجرين عليه، وكذلك بالنسبة للثام، فهو صورة من صور الستر لما أمر الله -تبارك وتعالى- بسترِه، ولا حاجة لك بسؤال أحد عنه، إنما عليكِ التمسك بما شرع الله، وحينها سيفرح الخاطب بدينك واستقامتك، وإن كان له رأي في الأمر، فاطلبي منه أن يسأل أهل العلم الثقات، أو أن يُراسلنا أو يراسل جهة شرعية مختصة ليعرف الحكم على وجهه الصحيح.

ولا تتأثري بكلمات الوالدة السالبة أحيانًا، مثل قولها: "أنتِ غير صالحة"، فمستقبلك بيدك أنت، وأنت من تُحدّدين طريقك، فاعملي على تطوير مهاراتك، وتعلُّم كثير من الأمور الحياتية، وفهم ما تحتاجه الزوجة الناجحة، وكل ذلك متاح في العطل، من خلال الاقتراب من الوالدين، ومن خلال الدخول إلى المواقع المتخصصة، ويمكنك حتى تعلُّم أنواع الطبخ، وترتيب المنزل، ومعرفة الأساسيات، فكل هذا سهلٌ يسيرٌ لمن أراد التعلُّم.

كما نوصيك بترتيب جدولك؛ حتى لا تُستنزف طاقتك، وتجنّبي الإكثار من استخدام الأدوية أو المكمّلات، وعيشي دائمًا مع الطعام الطبيعي، والنوم الكافي، والنشاط المعتدل، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُعينك على الخير، وأن يجمع بينك وبين هذا الخاطب المذكور على خير، وأن يُعينك على النجاح والفلاح، واعملي أن النجاح هبة من الكريم الفتاح، ومن أهم أسبابه: التوكل على الله، والعمل بطاعته، والتعاون على البرّ والتقوى، قال العظيم جل وعلا: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} مَا سبب صلاحهم؟ قال العظيم سبحانه: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90].

نسأل الله أن يجمع بينكما في الخير، وعلى الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً