الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تقدم لخطبتي من يبيع الدخان ويتهاون بالصلاة، فهل أقبل به؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تقدم لي خاطب، تم مدح أخلاقه، وقد تحدثت إليه عدة مرات، وبدا لي أنه شخص صريح، لين، ومتفهم، واتفقنا فكريًا في أغلب أمور الحياة، إلا أن لديه محلاً لبيع التبغ ومشتقاته، وأشياء أخرى كالعطور، والشوكولا، يعمل به منذ خمس سنوات، وكما هو معلوم أن بيع التبغ حرام، وقد اعترف بأنه شخص غير محافظ على صلاة الفجر في وقتها، كما أنه أثناء حديثنا إذا رفع الأذان، واقترب وقت الصلاة من الخروج لا ينتبه إلا إذا نبهته.

يقول بأنه واعٍ بأخطائه، ويتمنى أن تساعده زوجته على الالتزام بالصلاة أكثر، ويعلم أن مجال عمله فيه تحريم، ويريد التغيير؛ فهو يعزم على تركه بعد شهرين أو 3 أشهر، وتارةً أخرى يقول: بأنه يريد تغيير مجال العمل؛ لأن الدخل فيه ضعيف.

ما يشغل فكري الآن أن هذا الشخص استطاع أن يبقى في نفس العمل لمدة خمس سنوات بدون أدنى محاولة تغيير، رغم علمه بأن في ماله جزء من الحرام، كما أفكر بأنه أخذ بيته وسيارته بمال حرام، فهل في رأيكم أن كلامه وصراحته لا تنطبق مع أفعاله، أم أن كل بني آدم خطاء، ويجب الحكم على المستقبل، وليس الماضي؟

كما أفكر بأنه شخص اتكالي؛ لأنه ينتظر المساعدة على الالتزام بالصلاة من زوجته، وينوي ترك التدخين أيضًا بمساعدة زوجته، أم أن الرجال حقًا قبل استقرارهم يكونون هكذا كما يقول هو؟

تحدثت معه أيضًا عن حفل الزفاف، وقال بأنها ليلة العمر، وفكرة الغناء والموسيقى ضرورة للفرح، مع أن أعراسنا غير مختلطة، ولكن مع ذلك يحرص على الحجاب، وعلى طاعة الزوج فيما يرضي الله، ولكن لم يحرص على المال الحلال في كسبه!

أنا أريد شخصًا يساعدني على الالتزام، وأخاف أن أضيع ديني، وفي نفس الوقت قد يكون شخصًا جيدًا ما دام أنه معترف، ويعزم على التغيير.

أنا محتارة حقًا، أرجو نصيحتكم، وبارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سلمى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لكِ اهتمامك وحرصك على السؤال، ونسأل الله أن يُقدِّر لكِ الخير، وأن يُصلح الأحوال.

لا شك أن النظر للخاطب ينبغي أن يكون بطريقة شاملة، ولكنَّ الشريعة تركز على الدين والأخلاق، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أتاكُم مَنْ تَرضَوَنَ دِينَهُ وًخُلقَهُ فزَوِّجوهُ".

ودور المحارم من أهلكِ كبير في البحث عن هذه المسألة، غير أن أساس الدين هو المحافظة على الصلاة؛ فهي أظهر شعائر الإسلام، وأهم أركان الدين بعد كلمة التوحيد، وهي الميزان والمعيار للإنسان في الدنيا والآخرة، وكان سلفنا إذا أرادوا أن ينظروا إلى دين إنسان نظروا إلى صلاته، وفي الآخرة أول ما يُحاسب عليه الإنسان من عمله الصلاة.

ولذلك، أرجو أن تتأكدوا من ذلك، بل يبدأ التصحيح من ذلك، بأن يحافظ على الصلاة، ليس بعد الزواج، ولكن من الآن يبدأ في المحافظة على صلاته.

وسعدنا أيضًا لحرصكِ على أن يكون الكسب حلالًا، وهذا أيضًا من الأمور الممكنة؛ بحيث يُغيّر الأشياء التي يتاجر فيها، وحبذا لو اكتفى ببيع العطور، وأدخل أشياء أخرى إذا كان ذلك ممكنًا، ويتخلص من التبغ؛ لأن الإشكال فيه واضح.

كذلك ينبغي أن يحرص على أن يقترب من الله -تبارك وتعالى-، وأنتم بحاجة إلى النظر في رفقته، وهل هو برفقة الأخيار؟ لأن الإنسان يتأثر بأصدقائه، وبمن حوله.

وتغيير العمل، والسعي فيه ينبغي أن يكون مبكرًا، والإنسان لا ينبغي له أن ينتظر طويلًا، والرزق الذي قدره الله للإنسان موجود في أي مكان؛ فأرزاقنا كتبت ونحن في بطون أمهاتنا، وهذه الأعمال والوظائف ما هي إلَّا بذل للأسباب، ونسأل الله أن يعينه على الخير.

كونه أيضًا اتكاليًا، وينتظر المساعدة من الآخرين، ويطلب الإعانة على الصلاة من زوجته، طبعًا الزوجة عونٌ لزوجها على الطاعة، والزوج يعين زوجته على الطاعة، ولا مانع من أن تكون الزوجة عونًا لزوجها في الصلاة، وفي ترك التدخين، ومثل هذه الأمور.

وأيضًا حرصه على وجود غناء وموسيقى، وأنه يرى أنها ضرورية في الأفراح، فهذا أيضًا نحتاج أن ننظر فيه إلى ثقافة المجتمع، وإذا كانت الأعراس غير مختلطة، فالنساء مسموح لهنَّ بالدُّف والغناء، كما هو ظاهر في سيرة النبي -عليه صلاة الله وسلامه-.

وسعدنا أيضًا لحرصه على الحجاب، وأن طاعة الزوج فيما يرضي الله فقط، أمَّا إذا أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة.

كذلك أيضًا نُقدّر رغبتكِ في أن تبحثي عن إنسان يعينكِ على الالتزام، وعليه فنحن نقترح عليك أن يبدأ هو من الآن بإظهار الالتزام، وتغيير ما يمكن تغييره، وعند ذلك يمكنكِ القبول به، وخاصةً بأنه طرق الباب، وأنه ممدوح في أخلاقه.

نريده الآن أن يتحسَّن في الجوانب الدينية، وبعد ذلك لا مانع من أن تقبلي به إذا تحسَّن في دينه، وشعرتِ أنه قابل فعلاً للتغيير والتصحيح، فإذا كان يحبكِ فمهْر هذا الحب، ومهر هذا الزواج، ينبغي أن يكون الالتزام بالطاعة، وكوني كأم سليم التي قالت لمن خطبها من الأغنياء: "مهري الإسلام، فإذا أسلمت فذلك مهري"، فكانت من أكثر النساء مهرًا.

ويمكن أن تقولي له: "أهم ما أحتاجه في مهري؛ هو أن تلتزم بهذا الدين، وأن تتدارك مسألة الصلاة، وتترك المعاصي، وأن تسعى في تغيير مصدر الرزق؛ يعني الانتقال من العمل المشبوه إلى العمل الحلال، وأن اللهَ -تبارك وتعالى- متكفّل برزقك".

ومن المهم أيضًا أن تنظري في الفرص المتاحة؛ لأننا نعتقد أن مَن يأتي، ويطرق الباب، ويبحث عن الزواج في زماننا أعدادهم محدودةً، ومن هنا نحن فعلًا بحاجة إلى أن لا نفوّت الفرص.

نسأل الله أن يُقدّر لكِ الخير، وأن يلهمكِ السداد والرشاد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً