الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتعامل مع الوساوس الكثيرة التي تحيط بي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا أعاني من وسواس قد يبدو غريبًا، وهو تحت مسمّى "أقداركم تؤخذ من أفواهكم"، حيث إنني أخاف من التحدّث عن كثير من الأمور، ومن ذلك عندما أرى في مواقع التواصل الاجتماعي شخصًا يكتب منشورًا يقول فيه: "أنا فعلت كذا"، فأقرأه وأشعر بخوف شديد، كأنني أنا التي نطقت بما كتب، وأخاف أن يحدث ما قيل بسبب هذا الوسواس، تحت فكرة "أقداركم تؤخذ من أفواهكم"، حتى لو كنت في الحقيقة لم أنطقها بلساني، وإنما قرأتها فقط في نفسي.

كذلك لديّ وسواس عند الدعاء؛ فعندما أدعو بشيء معين، يدور في خاطري وسواس بأنني قلتُ شيئًا آخر، غير الذي أريده تمامًا، فأسأل نفسي: هل ما يجول في خاطري يتحقق، حتى لو لم أنطق به؟ أم يكفي فقط أن أتلفظ بالدعاء، حتى لو لم يكن ما في قلبي مطابقًا تمامًا لما نطقت به؟ وأحيانًا عندما يخطر في قلبي دعاء بشيء لا أريده ولا أقصده أبدًا، أخاف أن يتحقق، فهل يُعتبر ذلك دعاءً يُستجاب أم لا؟

هناك أيضًا وسواس آخر، يُلازمني عندما أسمع شخصًا يتحدث بعبارات دارجة في العامية مثل: "يخرب بيتك"، وهذه الكلمة منتشرة جدًا في كلام الناس، لكنني أخاف أن تتحقق هذه الكلمة عليّ، ويزيد خوفي أكثر عندما أسمعها من أحد والديّ، لأنني أعلم أن دعوة الوالد على ولده لا تُرد، حتى لو لم يقصدها دعاءً، وكان يقولها من باب الدهشة أو المزاح، فماذا أفعل مع هذا الشعور؟

أيضًا أعاني من وسواس عند قراءة التشهد في الصلاة، فعندما أقرؤه يجول في خاطري معناه بالعكس (وساوس سب أو كفر)، فأضطر لتكرار التشهد كثيرًا، حتى أشعر أنني قلته بشكل صحيح وخالٍ من الوسواس، وهذا يجعلني أبتعد عن كثير من الأذكار، خوفًا من الوقوع في هذه الدائرة.

كذلك كلما حدث لشخص شيء سيئ أو أصابه مكروه، تأتيني وساوس بأنني قد أتعرض لنفس الموقف، أو أنني المستقبل ستحصل لي مثل هذه المصائب، فأعيش في قلق مستمر من المستقبل.

فما الذي ينبغي عليّ فعله مع كل هذه الوساوس التي تأتيني، وهل يُمكن أن تتحقق في الواقع؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بكِ في إسلام ويب، وقد اطّلعنا على رسالتك، وهي رسالة واضحة جدًّا، ونود أن نبدأ حديثنا معكِ بقولنا: الوساوس لها عدة أنواع؛ فهناك وساوس فكرية، ووساوس أفعال، وهناك طقوس، ومخاوف وسواسية، وشكوك وسواسية، وأفعال قهرية كثيرة ونوعية الوسواس الذي تعانين منه، هو وسواس يتعلق بالأفكار أكثر منه بالأفعال، وهذا النوع سهل العلاج، لكنه يتطلب التزامًا وصرامة.

خط العلاج الأول في حالتكِ هو الدواء، قد تستغربين من ذلك، لكن الواقع يقول إن الوساوس القهرية مرتبطة ارتباطًا تامًّا بتغيرات كيميائية معينة في الدماغ، وحتى إن كان هذا الأمر من فعل الشيطان أو غيره، إلا أنها حقيقة علمية مثبتة، لا نشك فيها أبدًا؛ لذا الأدوية المضادة للوساوس، ذات نفع عظيم في مثل حالتكِ هذه، والجانب الآخر من العلاج هو ما يُسمّى بالعلاج السلوكي، ونحن دائمًا ننصح الناس ببرنامج مبسط جدًا، وهو:

- لا تحاوري الوسواس، لا تناقشيه، بل يجب عليكِ أن تتجاهليه وتحتقريه، هذه هي نقطة البداية، وأنصحكِ بـ:
• أن تكتبي هذه الوساوس في مجموعات، تبدأين بأضعفها وتنتهين بأشدها.
• ثم طبقي التمرين الأول وهو التحقير التام، بأن تخاطبي الوسواس بعبارات مثل: "أنتَ وسواس حقير، لن أهتم بكَ، أنتَ لست جزءًا من حياتي"، وهكذا، وتكررين هذا لمدة دقيقتين.

• طبقي تمرينًا آخر يُعرف بـ "صرف الانتباه"، بمعنى: أن تشغلي نفسكِ بشيء أفضل من الوسواس، ليصرف انتباهكِ عنه، كأن تُفكري في حادث سعيد حدث لكِ، أو سوف يحدث لكِ، كزواج أو نجاح، بحيث تبدئين في الفكرة الوسواسية، ثم تنتقلين فجأة إلى فكرة جميلة وإيجابية جديدة، وقطعًا الفكرة الجديدة سوف تكون هي المهيمنة والمسيطرة، مما يجعل الوسواس ينتقل إلى درجات دنيا في سُلَّم الأفكار، وهو تمرين ممتاز.

• التمرين الثالث يُعرف بـ "التنفير"، وهو تمرين بسيط لكنه فعّال جدًّا: اجلسي أمام طاولة وأنتِ في حالة هدوء داخل غرفة هادئة ليس بها ضوضاء، ثم استحضري الفكرة الوسواسية الأولى، واضربي على يدكِ بقوة حتى تشعري بالألم، واربطي بين الألم والفكرة الوسواسية، كرري هذا التمرين لمدة 20 مرة.

يمكنكِ أيضًا أن تتخيلي مشهدًا مؤلمًا أو منظرًا بشعًا، كحادث اصطدام سيارة، أو سقوط طائرة، فعندما تطرأ الفكرة الوسواسية على ذهنكِ، استحضري هذا المشهد البشع فورًا، وتخيلي مثلًا طائرة مشتعلة، أو استجلبِي في خيالكِ رائحة كريهة، واربطيها بتلك الفكرة الوسواسية، فهذا الربط الذهني يساعد في تقليل أثر الوسواس تدريجيًا، هذه التمارين جيدة جدًّا، طبقيها يوميًّا بهذه الكيفية، وإن شاء الله تعالى سوف تجدين تحسنًا كبيرًا.

أمَّا بالنسبة للدواء المناسب لحالتكِ، فهو عقار (فافرين Faverin)، واسمه العلمي (فلوفوكسامين Fluvoxamine). تبدئين بتناوله بجرعة 50 ملغ ليلاً لمدة عشرة أيام، ثم ترفعين الجرعة إلى 100 ملغ ليلاً لمدة أسبوعين، ثم إلى 200 ملغ ليلاً لمدة شهر، ثم ترفعينها إلى 250 ملغ يوميًّا (50 ملغ صباحًا و200 ملغ ليلاً) لمدة ثلاثة أشهر، بعدها تخفضين الجرعة إلى 200 ملغ ليلاً لمدة شهرين، ثم إلى 100 ملغ ليلاً لمدة ستة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة أبدًا. ثم اجعليها 50 ملغ ليلاً لمدة شهر، ثم 50 ملغ يومًا بعد يومٍ لمدة شهر آخر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

هناك أدوية أخرى فعّالة أيضًا مثل عقار (فلوكستين Fluoxetine) أو عقار (سيرترالين Sertraline)، لكنها ليست الخيار الأول في حالتكِ، فالفافرين هو الدواء الأمثل للوساوس الفكرية، وهو دواء آمن وغير إدماني.

بصفة عامة -أختي الكريمة- حاولي أيضًا أن تديري وقتكِ بصورة جيدة، تجنبي السهر، مارسي الرياضة، لا تتركي لنفسكِ مجالًا للفراغ، فهذا له عائد إيجابي كبير في علاج الوسواس.

بارك الله فيكِ، وجزاكِ الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً