الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس الصلاة والطهارة عكرت علي حياتي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بدأت عندي الوساوس منذ سنتين تقريبًا، وكنت أوسوس فقط في عدد السجدات، ثم بدأ الوسواس يزداد شيئًا فشيئًا حتى كرهت حياتي، فلا أفعل شيئًا إلا وأوسوس فيه، أصبحت أغتسل لساعتين، وعندما أتوضأ أجلس أكثر من عشر دقائق بسبب الوسوسة في جريان الماء على الأعضاء.

وفي الصلاة أشك في قراءة الفاتحة، ونطق الحروف، وفي النية، وفي عدد الركعات والسجدات، وفي التشهد الأخير ونطق حروفه، وآخر شيء وأكثر ما كدّر عليّ حياتي هو وسواس النجاسات؛ فكلما دخلت الحمام، انتهى بي الأمر إلى غسل أغلب الحمام وإسراف الماء.

بسبب كثرة الشك، إذا لمست نجاسة جافة ويدي جافة، أوسوس بأنها تعرّقت وأصبحت رطبة وانتقلت إليها النجاسة، حتى أصبحت أشك في خروج البول بعد التبول، مع أنني لم أكن أشك في أيٍّ من هذه الأمور سابقًا!

أيضًا يخرج مني المذي بعد القذف لمدة أكثر من نصف ساعة، وأبقى مرتبكًا؛ أخاف أنه إذا خرج المذي وأنا واضع طبقات من المحارم على العضو، أن ينتقل بين الطبقات ثم إلى ملابسي الداخلية، وعندما أنظر إلى الملابس، أجدها رطبة، ولكن لا يوجد عليها شيء يمكنني الجزم بأنه مذي، بل تكون هناك بقعة لا أدري هل هي من تباين الضوء أم من نسيج الملابس نفسه!

وحتى الطبقة الأخيرة من المحارم، عندما أتفقدها، لا أجد أثرًا واضحًا للمذي، وكلما رأيت شيئًا على المحارم – وغالبًا يكون تباينًا في الضوء – أشك أنه مذي.

لقد تعكرت حياتي، فلا أفعل شيئًا إلا وبعده أريد أن أبكي من شدة القهر والتعب، أرجوكم أن تساعدوني، فأنا لا أستطيع زيارة طبيب نفسي، وأتمنى ألّا تحيلوني إلى استشارات أخرى، أرجوكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هاشم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في إسلام ويب.

لا شك أنّ هذه وساوس قهرية، ووساوس العبادات أو الوساوس ذات الطابع الدينيّ كثيرة ومنتشرة، وفي مثل عمرك في أغلب الأحيان تكون عارضةً، وسوف تختفي تلقائيًّا، لكن بما أنّ هذه الأعراض لديك منذ سنتين، فيجب أن تخضع لخطة علاجية، والخطة العلاجية سهلة التطبيق، ممتازة المآلات، بمعنى أنّ نسبة النجاح فيها عالية جدًّا إذا طبّقها الإنسان.

ونصيحتي الأولى لك هي: ألَّا تعيش مع الوساوس؛ يجب أن يكون لديك العزم والقصد والنّيّة الصادقة بأن الوسواس يجب ألَّا يكون جزءًا من حياتك، هذا هو القرار الأول.

القرار الثاني: أن تطبق التدريبات السلوكية، والتي تقوم على ثلاثة مبادئ:
1. يجب أن تحقر الوسواس، تحقره وتتجاهله ولا تتبعه.
2. أن تلفت انتباهك وتصرفه عن الوسواس من خلال الإتيان بفعلٍ أو فكرةٍ جميلة وطيبة ومحببة إلى نفسك، لتكون في مكان الوسواس.
3. التمرين الثالث هو ما نسميه التنفير، وهو أن تربط الوسواس بشيء لا تحبه نفسك، هذا عكس التمرين الثاني تمامًا، مثلًا: تفكّر في الوسواس الذي يأتيك في الصلاة، وفجأة تقوم بالضرب على يدك بقوة على سطح الطاولة، ويجب أن تحس بالألم من خلال هذه الضربة، وتربط هذا الألم مع الفكرة أو الفعل الوسواسي.

هذا التمرين يكرّر 20 مرة متتالية بمعدل مرتين في اليوم، وكذلك تمرين رفض الوساوس وتحقيرها وتجاهلها، وكذلك تمرين صرف الانتباه.

هذه التمارين تتطلب منك أن تجلس داخل الغرفة وفي مكان هادئ، وفي ذات الوقت أيضًا تقوم بتحديد هذه الوساوس وتكتبها في ورقة، تبدأ بأضعفها وتنتهِي بأشدها، وإن كانت الوساوس كثيرة - كما في حالتك - فقم بتقسيمها في مجموعات، مثلًا: (وساوس النجاسات - وساوس الشك في الصلاة - وساوس التأخير...ووساوس من هذا القبيل) كل هذا يفيد.

وهناك تمرين رائع جدًّا وجدناه مفيدًا جدًّا، وهو أن تقوم بالوضوء مثلًا، وتصوّر نفسك عن طريق الفيديو، أولًا: حضّر نفسك للوضوء بأن تحدد كمية الماء في إبريق، أو قِنينة، ويجب ألّا يزيد كميته عن لتر، الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ بِمُدٍّ من الماء، والمُدّ يساوي لترًا إلّا ربع.

فحضّر الماء في إبريق أو إناءٍ كما ذكرتُ لك، واجلس، وافتح كاميرا الهاتف، وابدأ التصوير، وقل: "بسم الله، أنا أريد أن أتوضأ"، واغسل يديك ثلاث مرات، لا تزد عن ثلاث مرات أبدًا، ثم تمضمض وانظر إلى الكاميرا، ثم استنشق واستنثر الماء، وانظر إلى الكاميرا، ثم اغسل وجهك، ثم يديك إلى المرفقين، وهكذا إلى أن تتم وضوءك.

بعد ذلك، قم بمشاهدة الفيديو، سوف تجد أنّ وضوءك – الحمد لله تعالى – قد نُفِّذ بصورة ممتازة جدًّا، وهذا التمرين يُكرّر أيضًا.

وبالنسبة للصلاة: حاول أن تصلي السنن أو النافلة داخل البيت، والفرض قم بأدائه في المسجد، وقم أيضًا بفتح كاميرا الهاتف وسجّل صلاتك التي تكون في البيت (السنن أو النافلة)، وسوف تجد أنّ أداءك أفضل ممَّا كنت تتصور، وكل العثرات والشكوك التي تحدثت عنها في الصلاة، سوف تجدها قليلة جدًا.

طبعًا حين تدخل في الوضوء أو في الصلاة؛ يجب أن تعزم على الوقت الذي ستستغرقه، خمس دقائق يعني خمس دقائق، وهذا الأمر ينطبق أيضًا على موضوع الحمام، والاستنجاء، والاستبراء، والغسل، ويجب ألّا تستخدم ماء الصنبور في الأسبوع الأول، حدد كمية الماء حتى وإن أردت أن تغتسل، ضعه في إناء وحدد الزمن واستعمله، لا تستعمل ماء الصنبور.

هذه تمارين رائعة وممتازة، لو طبّقتها بجدّية سوف تستفيد منها كثيرًا.

العلاجات الأخرى هي العلاجات العامة، والتي تتمثل في:
- تجنّب السهر.
- ممارسة الرياضة.
- تطبيق تمارين الاسترخاء مثل التنفس التدريجي.
- الاجتهاد في الدراسة.
- الاجتهاد في العبادة.
- أن تجعل نمط حياتك إيجابيًا من جميع النواحي.

العلاج الثالث هو الدواء، ومن أفضل الأدوية التي تناسب عمرك دواء يُسمّى (فافرين) هذا هو اسمه التجاري، واسمه العلمي (فلوفوكسامين)، والجرعة هي 50 ملغ ليلاً لمدة عشرة أيام، ثم تجعلها 100 ملغ ليلاً لمدة أسبوعين، ثم تجعلها 200 ملغ ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفّف إلى 100 ملغ ليلاً لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم 50 ملغ ليلاً لمدة أسبوعين، ثم تتوقف عن تناول الدواء، وتوجد أدوية أخرى فعّالة، لكن الفافرين متميز جدًّا، وسليم وفاعل، ويناسب عمرك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
----------------------------------------------------------
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-،
وتليها إجابة د. أحمد الفودعي -المستشار التربوي-.
-----------------------------------------------------------
مرحبًا بك -ولدَنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك بالموقع، ونسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُليا أن يُنَجِّيك من شرّ الوساوس، وأن يشفيك منها ويطردها عنك.

وقد أحسنتَ بالسؤال –أيها الحبيب– عمَّا ينبغي أن تفعله، ولكن يبقى بعد هذا أن تُجاهد نفسك لتكون جادًّا في العمل بالنصائح التي تُسدى لك، والتوجيهات التي تُقدَّم وتُوضَع بين يديك للتخلّص من هذا الشرّ المستطير، فالوساوس عبء ثقيل، وسبب في تكدير الحياة وإدخال المشقّة على الإنسان، وهي بلا شك، وإن كانت لها أسباب كثيرة، هي لا شك أُمنية الشيطان وبُغيته؛ لأنّه يتمنّى أن يقع الإنسان المؤمن في ضيقٍ وحُزنٍ وحرج، كما قال الله في كتابه: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾.

وواضح جدًّا أثر هذه الوساوس عليك، وما أوقعتك فيه من المشقّة والضيق، ولهذا نتمنّى أن يكون هذا الحال الذي أنت فيه من المشقّة باعثًا لك على الجِدّية بالأخذ بالأسباب التي تُنجي بها نفسك من كلّ هذا القلق، وكلّ هذا الضيق.

والوسوسة مرض – أيها الحبيب – من جملة الأمراض التي تَعرِض لهذا الإنسان، والله تعالى ما أنزل داءً إلّا وأنزل له الدواء، فهي – إن نظرنا إليها من جانب أنّها ألم ومشقّة ومصيبة – فإنّها –إن شاء الله– رِفعة للدرجات وكفّارة للسيئات، فينبغي للإنسان أن يحتسب أجره على الله تعالى، ولكن بالمقابل ينبغي أن ننظر إليها من جانب آخر، وهي أنّها بلاء وشرّ، على الإنسان أن يأخذ بالأسباب، وأن يكون جادًّا في دفعها عن نفسه.

وإذا علمت – أيها الحبيب – أنّها مرض من الأمراض، فينبغي أن تُدرك أنّ الله تعالى في شرعه الحكيم شرعَ للمرضى أحكامًا خاصّة تتناسب مع حالتهم التي هم فيها، فلا يكلّفهم في مرضهم ما يُكلِّف به الإنسان الصحيح، فإنّ هذا هو مقتضى الرحمة الإلهيّة، ومقتضى الحكمة، فليس من المناسب أبدًا أن يُكلَّف الإنسان المريض ويُطلب منه ما يُطلب من الإنسان الصحيح.

ومن جملة التخفيفات التي خفّف الله تعالى بها للمريض بمرض الوسوسة: أنّ النبي ﷺ أمره بألّا يفعل ما تُمليه عليه الوساوس، فيتعامل معها بالتجاهل ويتغافلها تمامًا، ولذلك قال ﷺ عمّن وجد في نفسه شكًّا وهو في صلاته هل خرج منه شيء أو لا؟ قال: «لا يَنصرف»؛ يعني إذًا لا يتعامل مع هذا الوسواس، ومع هذا الوارد الذي ورد عليه، وهذا الفكر الذي هجم عليه في صلاته، لا يَنصرف.

فهذه هي القاعدة في التعامل مع الوساوس: أن تتجاهلها، ولا تعمل بمقتضاها، فكلّ ما ذكرته في سؤالك من أنواع الممارسات التي تفعلها في كيفية اغتسالك، وبقائك ساعتين، أو كيفيّة وُضُوئك، أو نَحو ذلك؛ كلّها في حقيقتها استجابة منك لهذه الوسوسة، وهذه الاستجابة مكروهة عند الله تعالى، فإنّ الله تعالى لا يُحبّ منك أبدًا أن تُتابع الشيطان فيما يُمليه عليك، قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾.

ويُحبّ منك أن تعمل بما شرع الله، والله تعالى شرع ألّا تلتفت إلى الوساوس، وكلّما وسوست أنّك لم تغسل عضوًا لا تلتفت إليه، امضِ وأكمل وضوءك، وعلى فَرض أنّه حصل نوع من القصور في طهارتك، فإنّ هذا القصور الله تعالى يريده منك، ويقبل منك هذا العمل؛ لأنّك عملت بشرعه، فجاهِد نفسك على العمل بهذا، وليس هناك علاج أحسن ولا أمثل من هذا العلاج، وهو التجاهل للوسوسة، والمضيّ في أعمالك دون التفات إليها.

ومع هذا كلّه: ننصحك أيضًا بضرورة عرض نفسك على مَن يُعينك في الجانب الطبي، فإنّ الجسم قد يحتاج إلى بعض الأدوية التي تُعيد إليه اتّزانه وتُعيد إليه مزاجه، والإخوة الأفاضل المستشارون في قسم الاستشارات هنا لدينا في الشبكة الإسلامية سيُعينونك –بإذن الله تعالى– بوصف ما يُفيدك وينفعك من الأدوية، وبحرصك على الجانبين: الجانب الطبي والجانب الروحي المعنوي؛ بهذا الذي ذكرناه لك ستجد نفسك – بإذن الله تعالى – أنّك قد تخلّصت من هذا الشرّ المستطير.

نسأل الله تعالى أن يُقدّر لك الخير حيث كان، ويُعجّل لك بالعافية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً