الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبحت أتمنى الموت بسبب ما أنا فيه من وساوس!

السؤال

هل أنا منافقة أو خرجت من الملة؟

أنا لم أذهب إلى طبيب نفسي أو عقلي، لكنني بخير والحمد لله.

ما أعاني منه هو أنني أسب داخليًا، أي في نفسي، ولا أنطق بذلك، والسب يشمل الله وكل شيء -أستغفر الله العظيم-.

أحيانًا أشعر أنني فعلاً تلفظت داخليًا على الله -أستغفر الله-، وأدعو على الناس، ثم أستغفر وأتشهد كل يوم، وهذا الحال مستمر منذ ثلاث سنوات.

صلاتي فيها شك دائم بسبب الغازات، أحيانًا أعيدها، وأحيانًا لا، وأحيانًا أجلس نصف ساعة أو ساعتين لأتوضأ، وقد تركت الصلاة أحيانًا، وأحاول أن لا أتركها، هل أنا منافقة؟ ما أعرفه أن المنافق يصلي ولكنه يكتم كفره، وأنا خائفة أن أموت على ما أنا عليه الآن.

هل مرض القلب مثل الحسد يثبت أنني منافقة؟ وهل الحسد هو اختبار؟ حياتي انقلبت رأسًا على عقب، ولم أكن هكذا من قبل، والله كل شيء مغلق في وجهي، وأنا أكره نفسي، حتى إني أدعو على نفسي بالموت.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جود حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك من كل مكروه وسوء.

إن ما تمرين به من أفكار متعبة ومؤلمة مثل: سبّ الله داخليًا، أو الدعاء على الناس، أو الوساوس في الطهارة والصلاة، هو ابتلاء معروف يُصيب كثيرًا من الناس، واسمه الوسواس القهري، وله أحكامه الشرعية الخاصة التي تُخفف عن المبتلى وتطمئنه، أولها أنه لا يُعد نفاقًا ولا كفرًا ولا خروجًا من الإسلام.

فاطمئني أنت لست منافقة ولا كافرة، بل إن خوفك من هذه الوساوس وتألمك منها، وبحثك في أمرها، وسؤالك عنها كل ذلك دليل على صدق إيمانك؛ وهذا أمر أكده النبي ﷺ عندما جاءه بعض الصحابة يشتكون من وساوس شديدة في العقيدة، فقالوا له:"إنا نجد في صدورنا ما يتعاظم أحدُنا أن يتكلم به"، فقال ﷺ: "وقد وجدتموه؟"، قالوا: نعم، قال: "ذاك صريح الإيمان".

أي إن وجود الوساوس في القلب مع بغضها، وعدم الرضا بها هو علامة على صحة الإيمان، فالفرق بين الوسواس والكفر هو "الرضا القلبي بما قيل، أو فُعل وقت الصفاء والاختيار"، وهذا منتفٍ عنك تمامًا، وإلا لما تألمت كل هذا الألم، ولا راسلت تسألين، وتخافين أن تكوني خرجت من الدين.

أما بخصوص صلاتك ووضوئك والشكوك المستمرة، خاصة مع الغازات؛ فهذه كلها أيضًا من الوسواس، وقد بيّن النبي ﷺ أن الطهارة لا تنتقض إلا بيقين، فقال: "لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا". متفق عليه. يعني: لا يُلتفت إلى الشك في خروج شيء، ولا يُعاد الوضوء، ولا الصلاة، إلا إذا حصل يقين.

وأما تركك للصلاة بسبب هذه المشقة؛ فلأن الوسواس قد سيطر عليك وأوهمك بغير الحقيقة، وقد استسلمت له بعد طول مجاهدة، لكن المجاهدة كانت في الطريق الخطأ، ودائمًا ما نقول: إن الركض بأقصى السرعة في الطريق المخالف لن يوصلك إلى نقطة النهاية، بل يباعدك.

وبخصوص الحسد، فهو مرض قلبي وليس نفاقًا، وكل إنسان قد يقع فيه، والمؤمن يُجاهد نفسه ويستغفر، وهذا لا ينافي الإيمان، بل يُرجى له عند المجاهدة الأجر العظيم.

وأما شعورك أنك تكرهين نفسك وتطلبين الموت؛ فاعلمي أن هذا ناتج عن شدة الحزن أو الاكتئاب، أو الضغط النفسي، وليس ضعفًا في الدين، وقد استعاذ النبي ﷺ من "الهم والحزن"، فهما من أثقل ما يبتلى به الإنسان.

لهذا أقول لك بكل وضوح: ما بك هو وسواس قهري شديد، مع اكتئاب، وليس كفرًا ولا نفاقًا، ولا علاج له إلا بأحد أمرين مجتمعين:

الجانب الشرعي:
- اليقين بأن الوسواس ليس كفرًا ما دام القلب غير راضٍ، بل هو دليل على الإيمان، فالفرق بين الوسواس والكفر هو الرضا القلبي وقت الصفاء.
- تجاهل الوساوس وعدم الاستجابة لها.
- لا تُعاد صلاة، ولا يُعاد وضوء، ولا تُردد الشهادتين بسبب وسواس، بل الرد المختصر: "آمنت بالله" ثم انصرفي بذهنك إلى أي أمر آخر، نعم تقال مرة واحدة، ثم يُعرض عن الوسواس دون نقاش.
- الالتزام بأذكار الصباح والمساء لتحصين القلب والنفس من الوساوس وتسلّط الشيطان.
- فهم طبيعة الوسواس القهري، فهو اضطراب نفسي لا علاقة له بالكفر أو النفاق.
- الانشغال بالنافع والبعد عن الفراغ؛ فالفراغ يغذي الوسواس، ويُضخّم الأفكار السلبية.
- مصاحبة الأخوات الصالحات الإيجابيات، فالصحبة الصالحة تعين على الثبات والسكينة، وتخفيف الضيق.
- الانخراط في عمل علمي أو مجتمعي نافع : مثل دورات شرعية، تطوع خيري، تعلم مهارة يشغل العقل ويجدد المعنويات.
- لا تذهبي إلى النوم إلا وأنت مرهقة تمامًا كي لا يبقى وقت طويل للتفكير، بل تنامي سريعًا بلا صراع ذهني.
- ممارسة الرياضة، أو الحركة يوميًا تساعد على تفريغ القلق وتصفية الذهن.
- التقليل من العزلة والانشغال بالناس؛ فالاندماج الاجتماعي الطبيعي يخفف التركيز الذهني على الوساوس.
- قراءة الأدعية النبوية بثقة ويقين: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"، "اللهم آت نفسي تقواها"، وغيرها.

الجانب النفسي:
استمري على ما مضى من نصائح، فإن أذهب الله ما بك فالحمد لله، وإن استمرت الحالة، فحاولي قدر الإمكان أن تزوري طبيبًا نفسيًا، فهناك علاج فعّال جدًا لحالتك، سواءً الدوائي أو السلوكي، وقد تحسّنت عليه كثيرات بنفس حالتك وأشد.

وأخيرًا: اعلمي أن الله أرحم بك من نفسك، وأنه يعلم صدقك وضعفك، ولن يضيعك أبدًا، بل قد يكون هذا الابتلاء سببًا في رفع درجاتك وتكفير ذنوبك، وأن ترجعي إلى الله رجوعًا صادقًا دائمًا.

نسأل الله أن يحفظك، وأن يرعاك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً