الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف نعين أخي ليخرج من حصار الوساوس الشديدة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عندي سؤال يتعلق بأخي الأصغر، عمره حوالي 17 سنة، ابتلاه الله منذ حوالي أربعة أشهر بوسواس، وتوهم قهري شديد جدًا، خاصة في مسائل الطهارة والعبادة، وكل يوم تظهر لديه فكرة جديدة، مشكلته الأساسية أنه يعتقد أن شيئًا ينزل منه، كالبول أو المذي، ولا يستطيع التمييز بين ما إذا كان ذلك يقينًا أم مجرد توهم، ففي جميع الحالات، يشعر أنه متيقن بنسبة 100٪، وكل مرة يدخل الحمام يبحث ليرى إن كانت هناك قطرات نزلت أم لا.

نقول له: "لا تذهب إلا إذا تيقنت بنسبة 100٪ أن شيئًا نزل"، فيرد: "أنا متيقن 100٪"، وفي النهاية لا يكون هناك شيء، دائمًا يقول: "أنا متعمد أن أنزل قطرات"، ثم يذهب ليتفحص، ولا يجد شيئًا واضحًا، لا بللًا ولا لونًا في السروال، ويكرر أيضًا: "أنا متأكد أنني أصدرت ريحًا، ويتعمد ذلك، لكن لا أحد منا يشم شيئًا أو يسمع صوتًا، وهذا يتكرر معه خمس أو ست مرات يوميًا.

كذلك يعاني من مشكلة في الوضوء والغسل، إذ يتأخر كثيرًا، وقد يستغرق الغسل ساعة وربع تقريبًا -الله المستعان- في هذه الحالة، كيف يتطهر للصلاة؟ وهل يجوز أن نقول له في جميع الحالات: "لا تتأكد ولا تفتش في الحمام، إلا إذا كان هناك بلل واضح جدًا ومنتشر في السروال، أو إذا سمع من بجانبه صوتًا أو شم رائحة"، على الأقل إلى أن يذهب الله عنه هذا الوسواس الشديد؟

جزاكم الله خيرًا، وأعتذر على الإطالة، لكن الموضوع مقلق منذ أربعة أشهر، ولا نعرف ما هو الحل.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمران حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

جزاك الله خيرًا على ثقتك في استشارات إسلام ويب، وعلى اهتمامك بأمر أخيك هذا، الذي أسأل الله له العافية والشفاء.

طبعًا في فترة الرفاهية والبلوغ وما بعد البلوغ قد تزداد الوساوس القهرية، وهذا الشاب -حفظه الله- يعاني بالفعل من وساوس قهرية ذات طابع ديني، ويظهر أن لديه بعض الأفكار، والأفعال، والطقوس، ولديه انفعالات وسواسية، وهذا يتطلب العلاج المكثف، والصحيح، وأنا أنصح أن تذهبوا به إلى قسم الطب النفسي، نعم يحتاج إلى علاج دوائي، وكذلك علاج سلوكي.

نحن نُقدِّر لكم جهدكم ومحاولتكم في نهيه عن هذه الوساوس وتحقيرها، وألَّا يتبعها، لكن أعتقد أن هذا الجهد لوحده لا يكفي، لا بد أن يكون هناك جهد طبي مهني.

والحمد لله تعالى، خدمات الطب النفسي في دولة قطر ممتازة جدًّا ومتقدمة جدًّا، وتوجد الآن خدمات حتى على مستوى المراكز الصحية، وكذلك القسم الرئيسي للطب النفسي، وتوجد عيادات في مختلف المناطق، وخدمات ممتازة ومنتشرة.

بصفة عامة طبعًا وباختصار شديد: هذا الشاب يجب أن يُحقِّر الوساوس، ويجب ألَّا يتبعها، ويجب أن يصرف انتباهه عنها، ويجب أن ينفّرها، وذلك من خلال أن يربط الوسواس بشيء غير مرغوب فيه، هذه الأمور معروفة ومفيدة جدًّا، وأنا متأكد أن هذا الشاب سوف يستفيد كثيرًا من تطبيق أحد هذه البرامج.

أنا أنصحكم بأن تحاولوا إقناعه أن يتوضأ معك، نعم، أولًا كما تعرف: في الوضوء، الإسراف مذموم، وكمية الماء تقريبًا هي لتر إلا ربع، والرسول ﷺ كان يتوضأ بمدٍّ من الماء، أي حوالي لتر إلَّا ربع تقريبًا، وفَهْمَه لهذه الحقيقة مهم جدًّا.

وبعد ذلك اجلس معه، لا تتوضؤوا من ماء الحنفية -أو الصنبور- إنما ضعوا الماء في قنينة، أو في إبريق، وابدؤوا الوضوء مع بعضكم البعض، ويا حبذا لو قام هذا الشاب بتصوير نفسه عن طريق كاميرا الهاتف.

حدِّدوا الوقت، وكمية الماء، الوقت يجب أن لا يزيد عن ثلاث إلى أربع دقائق، وبعد الانتهاء من الوضوء، يمكن لهذا الشاب أن يفتح الفيديو، ويراجع وضوءه، وسوف يجد أن وضوءه كان سليمًا، وهكذا؛ هذا يُدعم العلاج بصورة إيجابية جدًّا.

الإنسان في مثل هذا النوع من الوساوس يحتاج لقُدوة علاجية، فيمكنك أن تلعب دور المعالج المساعد، لكن طبعًا هذا يتم بعد أن تذهب به إلى الطبيب، نعم، والطبيب سوف يعطيك هذه التوجيهات وتوجيهات أخرى، وطبعًا هو محتاج للدواء، ولا شك في ذلك.

ومن أفضل الأدوية التي سوف تناسبه: عقار "فلوفوكسامين، Fluvoxamine" دواء جيد، وكذلك عقار "سيرترالين، Sertraline" أيضًا من الأدوية الممتازة والسليمة.

أرجو ألَّا تتأخر في الذهاب به إلى الطبيب؛ لأن الوساوس من هذا النوع مؤلمة جدًّا، وقطعًا سوف تستحوذ على وقته، وعلى تفكيره، وعلى مشاعره، وعلى وجدانه، وتُعطِّل حياته، والعلاج ممكن ومُتيِّسر جدًّا -والحمد لله-، ونتائج العلاج رائعة جدًّا إذا طُبِّقت التعليمات السلوكية على وجه الدِّقة، وتم تناول العلاج المناسب.

سوف يقوم الشيخ الدكتور أحمد المحمدي -جزاه الله خيرًا- بإسداء النصح والإرشاد لهذا الشاب، وأسأل الله تعالى أن ينفعه بذلك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
_____________
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتليها إجابة د. أحمد المحمدي المستشار التربوي والشرعي:
_____________

أهلًا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يشفي أخاك، ويكشف عنه هذا البلاء، ويعيد إليه سكينة النفس ويقين الطاعة، وأن يجعل صبركم عليه رفعةً لكم جميعًا في الدنيا والآخرة. وبعد:

ما يعانيه أخوك هو وسواس قهري شديد، وقد دخل في مرحلةٍ تستوجب التعامل الشرعي والنفسي معًا، فليس ما يحدث له مجرد شكوكٍ عابرة، بل هو ابتلاء بوسواسٍ مرضيٍّ متكررٍ قهري، يُعذّبه في الطهارة والعبادة، ويجعل يقينه زائفًا، غير منضبطٍ بالشرع ولا العقل، وهذه علامة من علامات الوسواس التي نبه عليها العلماء.

والجواب عن حالته ينقسم إلى قسمين:

أولًا: ما يلزمكم تجاهه شرعًا:
• تعليمه أن اليقين لا يزول بالشك، بل حتى لا يزول بالتوهم المطلق، ولا يُعتدّ بيقين الموسوس، وقد قال أهل العلم: "لو شك هل خرج منه شيء؟ لم يجب عليه الوضوء، سواء غلب على ظنه أو لا، وسواء كان معتادًا لذلك أم لا".

فالموسوس لا يُعتدّ بيقينه ولا بشكه، بل يُعامل كمن به حدث دائم، لا يُفتّش ولا يُكرّر، بل يمضي، لذلك قولكم له: "لا تفتّش، ولا تتوقف، ولا تُعِد، إلَّا إذا رأيت بللًا واضحًا جدًَّا أو سمع من بجانبك صوتًا، أو شم ريحًا"، هذا هو الصواب شرعًا.

• يجب أن يمنع نفسه من الاسترسال في الوساوس، وعدم الاعتداد بأقواله مثل: "أنا متأكد ١٠٠٪"، لأن اليقين متعذر في مثل تلك الحالة، وقد يكون من تلاعب الشيطان.

ثانيًا: كيف يتطهّر للصلاة؟
• يتوضأ وضوءًا واحدًا فقط، ولو شعر بقلق بعده، لا يعيده أبدًا.
• إذا شكّ في خروج شيء: لا يفتش، ولا ينظر، ولا يذهب للحمام، إلا إذا وجد أثرًا بيِّنًا ظاهرًا لا يحتمل اللبس.
• إذا دخل في الصلاة ثم شعر بخروج ريح أو بلل، لا يلتفت له، ما لم يسمع صوتًا أو يجد ريحًا.
• الغُسل: لا يتجاوز فيه ربع ساعة، مع الترتيب المشروع، أمَّا التكرار الزائد والغرق في التفاصيل، فباطل وغير معتبر.
• كل ما يفعله خارج الحد الطبيعي: يُعتبر من الوسواس، ولا يُعتد به.

ثالثًا: كيف تعينونه عمليًا ونفسيًا؟
• لا تُناقشوه في الوساوس، ولا تُظهروا الاهتمام بتفاصيلها.
• لا تجيبوه عن أسئلته الوسواسية، ولا تُطمئنوه فيها؛ لأن هذا يُغذِّي الوسواس.
• قولوا له بلطف: "هذا من الشيطان فلا تعبأ به، والشرع خفف عنك ذلك، وعليك أن تطيع الله بترك الوساوس، لا باتباعها".
• شجعوه على قراءة الفاتحة والمعوذات، وسورة البقرة.
• لا تتركوه وحده طويلًا، أشغلوه بأشياء خارج العبادات (رياضة – قراءة – زيارات).
• كلما تعلَّم ضعُف الوسواس؛ لذا من المهم أن يرتبط بشيخ أو مجموعة من الأصدقاء الصالحين.

وخلاصة القول:
• نعم، يجوز بل يجب أن تقولوا له: "لا تفتش، ولا تعِد، ولا تعتد بأي يقين إلا ما يُشاهده غيرك."
• يجب أن يُعامل كـ"موسوس" شرعيًا، ولا يُكلّف بما يشق عليه، بل يُكفّ عن تتبّع الوساوس.

نسأل الله أن يحفظكم، وأن يرعاكم، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً