الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الأعراض الجسدية عند قراءة الرقية دليل أني مسحورة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كنت أشعر منذ فترة طويلة بأعراض مختلفة، مثل الخمول المستمر، والعزلة، والصداع، والتوهان، وعدم المواظبة على الصلاة والأذكار، كما كنت أشعر بثقل أثناء أداء العبادات، وبكاء بلا سبب في الظلام، وضيق دائم في صدري، إضافة إلى تعطيل في كثير من أمور الحياة كالعمل والزواج وغيرها.

حتى بدأت أستفيق قليلًا، وألهمني الله فكرة قراءة آيات السحر على ماء ورشِّه في أركان البيت، وبدأتُ أقرأ سورة البقرة يوميًا، وعندها ظهرت أعراض شديدة؛ إذ شَعَرَ جميع من في البيت بتعبٍ واضطروا للذهاب إلى الطبيب، بينما كنتُ جالسة، فبكيت بكاءً شديدًا بلا سبب وبصوتٍ مرتفع جدًّا، وشعرتُ كأن أحدًا يخنقني، وثُقل في صدري، وارتعاش في أعصابي كلها.

بدأتُ أهدأ عندما قرأت عليّ أختي آيات السكينة، وشربت ماءً مقروءًا عليه نفس الآيات، فهدأت حينها، لكن أصابني اكتئاب ليومين.

بعد نحو أسبوع حضرتُ مع صديقة لنا مسحورة جلسة رقية، حيث بدأ الشيخ يقرأ عليها رقية (خدام السحر)، فشعرت أولًا بألم في يدي اليمنى، ثم تشنجات فيها وارتعاش غريب، لدرجة أنهم لم يستطيعوا السيطرة عليها أو الإمساك بها، ثم بدأت أبكي بكاءً شديدًا جدًّا، وشعرتُ بضيق وخنقة، واستمر الشيخ في القراءة حتى لم أعد أشعر بشيء.

وقد أخبرني الشيخ أن عندي خادمًا للسحر، وأن السحر معمول للبيت كله، لكن الخادم عندي، وقال: هناك أكثر من نوع من السحر: (مرشوش، ومأكول، ومدفون، ومعلّق)، وبعد معاناة استمرت ساعتين -كما أخبروني- قال الشيخ: إنه خرج بفضل الله، فشعرت براحة وانشراح في الصدر وخفة في أسفل الظهر، على عكس ما كنت أشعر به من قبل.

لكن في اليوم التالي: أثناء القراءة، كنت جالسة وأغمضت عيني، فشعرت بتنميل شديد في منطقة الحوض ممتدًا إلى آخر رجلي، ولم أستطع تحريكها، كما رأيت أكثر من خفاش يطير في مكان مظلم، ورأيت عين بومة حمراء اللون مرت بسرعة ثم اختفت، وشعرت كأن هناك إضاءة تظهر وتختفي في عيني، وثقل شديد في الرأس، وبعدها بيوم أحسست بخمول وألم في أسفل الظهر، وصداع استمر طوال اليوم.

فما معنى ذلك؟ هل السحر قد انتهى بفضل الله، أم أن هناك أثرًا ما زال موجودًا؟

أنا حاليًا مستمرة على صلاتي في وقتها، والحمد لله، وعلى أذكار الصباح والمساء، وأقرأ سور الصافات والدخان وق والجن يوميًا، وأقرأ سورة البقرة كل ثلاثة أيام، وأشرب أنا وأهل بيتي الماء المقروء عليه آيات السحر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أميرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك -أختنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، ونحن نتفهم ما تحدثت به، لذا دعينا نجيبك من خلال ما يلي:

أولاً: لا أحد يستطيع الجزم بخروج الجنّ أو بقائه، فالغيب لا يعلم إلا بدليل شرعي، قال تعالى: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [النمل: 65]. ولذلك لا نستطيع الجزم أن الجنّ خرج، ولا الجزم أنه موجود، ولا الاعتماد على ما يقال أثناء الرقية من كلام منسوب إليه؛ لأن النبي ﷺ قال في شأن الشيطان: «صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ»، فالجنّ يكذبون، ولا يُؤخَذ بكلامهم.

ثانياً: ما حدث معك أثناء الرقية يمكن تفسيره بأكثر من وجه:
الأعراض التي مررت بها -بكاء شديد، خنقة، رعشة، تنميل، رؤى عند إغماض العين، صداع، خمول- لا تدل وحدها على وجود الجنّ، بل تقع في حالات أخرى، منها:
1. الضغط النفسي المتراكم.
2. الخوف الشديد أثناء جوّ الرقية.
3. الإيحاء والتأثر بما يُقال أمامك.
4. الإرهاق العصبي أو الاكتئاب.
وهذه أعراض يراها الأطباء النفسيون يومياً، وقد تظهر عند من ليس بهم سحر ولا مسّ.

ثالثاً: هل يمكن أن تكوني قد تعرضت لسحر سابقاً؟
نعم ممكن؛ لأن بعض الأعراض القديمة التي ذكرتها (الخمول، العزلة، البكاء، الضيق الشديد، تعطّل بعض الأمور) قد تتوافق مع السحر أو المسّ، وقد تتوافق أيضاً مع الاكتئاب أو القلق العام أو الإرهاق العاطفي، ولا يمكن ترجيح أحدهما يقينًا دون دلائل قوية، لكن الأكيد هو الآتي:
• استمرارك على الصلاة والذكر والقرآن أضعف أي تأثير سيئ، سورة البقرة وحدها لها أثرٌ عظيم، قال النبي ﷺ: «إِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ».
• شعورك بانشراح بعد الرقية علامة خير، ويجب عليك الاستمرارية فيه.
• ما تشعرين به الآن من صداع وخمول ليس دليلاً على بقاء الجنّ، بل يحدث كثيرًا بعد فترات الضغط والرقية المكثفة.

رابعًا: ما معنى التنميل والرؤى التي رأيتها مؤخراً؟ نحن غير مختصين في تفسير الرؤى لكنها قد تكون كما يلي:
• التنميل الممتدّ من الحوض إلى الساقين قد يكون استجابة عصبية ناتجة عن توتر شديد، أو جلوس طويل أثناء التركيز.
• رؤية الخفافيش أو العين الحمراء أو الضوء قد لا تكون رؤية جنّ، بل صور ذهنية تحدث عند إغماض العين في حالة خوف أو إجهاد عصبي، وهذا معروف عند الأطباء النفسيين، ولا يدلّ على الجنّ.

خامسًا: هل الجنّ الآن غير موجود أم بقي أثر؟ لا يمكن القطع بوجود الجنّ في جسدك الآن، ولا يمكن القطع بزواله، لكن:
1. حالتك الآن أقرب إلى التحسّن.
2. التزامك بالذكر والصلاة يحصّن البيت كله.
3. ما تشعرين به من أعراض خفيفة بعد الرقية طبيعي جداً ويحدث حتى لمن ليس بهم أذى.
4. لو كان هناك تأثير روحي قوي لظهر بوضوح، لا بهذه الصورة الخفيفة المتقطّعة.

إذًا: علينا أن نفترض الخير، وأن نمضي في التحصين، وألَّا نعلّق كل تعب على الجنّ.

سادسًا: ماذا تفعَلين الآن؟
1. استمري على برنامجك الحالي: صلاتك في وقتها، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، وقراءة سورة البقرة كل يوم، أو الاستماع إليها.
2. أضيفي هذه الأذكار الثابتة:
• آية الكرسي قبل النوم.
• آخر آيتين من سورة البقرة.
• قولك صباحًا مائة مرة ومساءً مائة مرة: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ‌وَحْدَهُ ‌لَا ‌شَرِيكَ ‌لَهُ، ‌لَهُ ‌الْمُلْكُ، ‌وَلَهُ ‌الْحَمْدُ، ‌وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» كَانَتْ لَكِ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يومك وليلك.
• قولك صباحًا ومساءً: «حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ» سبع مرات
• الإكثار من: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ».
3. ابتعدي عن الرقاة الذين يتكلمون مع الجنّ، فهذا باب فتنة وشبهات.
4. إن استطعت الذهاب للعمرة والشرب من ماء زمزم فخير كبير، فإن في «مَاءُ ‌زَمْزَمَ ‌شِفَاءٌ لِمَا شُرِبَ لَهُ».
5. اصبري على ذلك وستجدين الخير والمعافاة أمامك.

نسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يعافيك من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامّة، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً