الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفكر في فسخ الخطبة بسبب ملف والد الفتاة الأمني، فما نصيحتكم؟

السؤال

تقدّمتُ لخطبة فتاة ارتحت لها في التعامل، وبيننا قبول، ومؤخرًا ظهرت مشكلة وهي اعتقال والدها، ووجود ملف أمني سابق لم يكن واضحًا لي.

أخشى أن يترتب على ذلك مخاطر عليّ بعد الزواج مثل التضييق الأمني، الاستجوابات المتكررة، صعوبة السفر أو العمل، وتأثير ذلك على استقراري وحياتي مستقبلًا، وقد حذرني بعض الناس من المضيّ قدمًا في هذا الزواج؛ لأنه قد يضرني في المستقبل بسبب هذا الأمر.

وأنا لدي خوف مرضي، يأتيني إذا تعرضت لمثل هذه الأشياء مثل الاستجوابات، ولا أريد أن أعيش باقي عمري في قلق وخوف بسبب هذا الأمر، فأنا دائمًا أحب الهدوء والسكينة، ولا أحب أي نوع من أنواع القلق، لذلك أنا متردد وأسأل: هل هذه الأسباب كافية لفسخ الخطبة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك أخي الكريم في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يحفظك، وأن يقدر لك الخير.

فما تمرّ به أمر مفهوم من حيث الشعور، لكن القرار لا يبنى على الشعور وحده، بل على ميزان يجمع بين الدين، والعقل، والواقع؛ لذا دعنا نرتب الإجابة وفق ما يلي:

أولًا: لقد ذكرت أن الفتاة ذات دين وخلق، وهذه أعظم الصفات التي يُبنى عليها الزواج، فقد قال رسول الله ﷺ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ»، وهذا توجيه نبويّ واضح، إذا اجتمع الدِّين والخلق، فالتفريط فيهما خسارة قد لا تُعوَّض بسهولة.

ثانيًا: الفتاة لا ذنب لها شرعًا ولا واقعًا، والله قال: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ﴾ وبناء قرار مصيري على أمر لا يد لها فيه، ولا تأثير لها عليه، يحتاج إلى مراجعة عميقة للنفس.

ثالثًا: كما أن الواقع يشهد بخلاف المخاوف، فالخشية من التضييق والاستدعاءات والمنع من السفر؛ هي مخاوف ذهنية أكثر منها وقائع عامة، بل الواقع المشاهد في كثير من البلدان، أن عشرات -بل مئات- الشباب آباؤهم معتقلون، وهم يعيشون حياة طبيعية يعملون، ويتزوجون، ويسافرون دون ملاحقة، أو مساءلة، لذا لا بد من النظرة المحايدة.

رابعًا: أنت صرّحتَ بأن لديك قلقًا نفسيًا شديدًا من أي احتكاك أمني، وهذا توصيف دقيق، والأمانة تقتضي القول: إن كثيرًا من هذه المخاوف ليست ناتجة عن خطر حقيقي قائم، بل عن تضخيم ذهني يرافق القلق، والخوف إذا لم يُضبط بالعقل، حكم على الإنسان بالحرمان قبل وقوع البلاء.

خامسًا: صحيح أن الزواج سكن، لكن السكن يُبنى بالثقة والتوكل، لا بالتحوّط الزائد عن الحد.

سادسًا: إننا ننصحك بصدق وتجرد، بما يلي:

- لا تُسقط قلقك النفسي على قرار مصيري؛ فالقلق يُعالج، لكن الفرص الصالحة إذا ضاعت لا تعود.
- استشر أهل الدين والحكمة، لا أهل التخويف والتهويل.
- انظر للفتاة بذاتها لا بما حولها مما لا تملكه.
- استخر الله بصدق، فقد قال النبي ﷺ: (إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ) خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي — أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ — فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي — أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ — فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ).

وفي الختام: نحن لا ندفعك للموافقة من عدمها، ولكن نضع الحقائق بين عينيك من غير تضخيم، وأنت من تقرر بعد الاستشارة والاستخارة الأوفق لك؛ حتى لا تظلم نفسك ولا الفتاة إن تزوجتها.

وفقك الله وأصلح حالك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً