السؤال
جزاكم الله خيرا على عملكم وخدمتكم لدين الله، وأسأل الله أن يوفقكم إلى ما يحبه ويرضاه
فقد قرأت عدة أحاديث في موقعكم عن خيانة الأمانة، وخاصة ما يتعلق بحقوق العباد منها، حيث التوبة منها تستلزم رد الحق لصاحبه، فأنا يا شيخ كنت أعمل مدرسا في منطقة نائية، وكنت لا أطيق العيش في تلك البادية نظرا لظروف صعبة وقاسية،أاعلم أن هذا ليس مبررا لتغيباتي التي كنت أتغيبها عن العمل من حين إلى آخر، وقد تركت تلك الوظيفة وقمت بتصرف أشد حرمة، هو الهجرة إلى بلاد الكفر، وقد ندمت على ترك عملي والتقصير الذي كنت أقوم به، فكيف يا شيخ أرد حق أولئك الأطفال؟ وأرجو منكم النصيحة، فأنا أسعى إلى الهجرة من بلاد الكفر خوفا على ديني ودين أولادي إن شاء الله، وجزاكم الله عنا خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمما هو ظاهر أن رد حق هؤلاء الأطفال أمر متعذر عرفا فيكفي السائل الكريم بعد الإقلاع عن الذنب أن يندم على تفريطه ندما حقيقيا خوفا من الله تعالى وتعظيما له وطلبا لمرضاته وأن يعزم عزما صادقا على عدم العودة إليه أو إلى مثله مستقبلا، فقد قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16}. وقال صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. متفق عليه.
هذا من جهة الأطفال، أما بالنسبة للمال الذي حصلت عليه كأجرة عمل لم تقم به فهذا لا يحل لك، وعليك محاولة رده إلى الجهة التي أخذته منها، فإن لم تتمكن من ذلك فعليك أن تخرج قدره إن كنت تعلمه في أوجه الخير وإذا لم تعلم قدره فأخرج ما يغلب على ظنك أنه يوفي الحق الذي عليك.
جاء في الموسوعة الفقهية: الواجب في الكسب الخبيث تفريغ الذمة والتخلص منه برده إلى أربابه إن عُلموا؛ وإلا إلى الفقراء.
وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 50143، 44819، 46021.
وينبغي لك أخي الكريم الإكثار من أعمال البر والطاعة فإن الله تعالى يقول: إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114} .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: أتبع السيئة الحسنة تمحها. رواه أحمد والترمذي. وقال حسن صحيح، وحسنه الألباني.
ثم نبشر السائل الكريم بقول الله سبحانه وتعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:70} وقوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 52}. وقوله تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً {النساء:110}.
وأما بالنسبة للهجرة من بلاد الكفر فقد سبق أن بينا أنها واجبة على من خشي الانحراف على نفسه أو أبنائه في الفتاوى التالي أرقامها: 64452، 43019، 116409، 2007.
ونوصيك أيها السائل الكريم بالمبادرة إلى ترك هذه البلاد التي تخاف فيها الفتنة على نفسك أو على من تعول فإن السلامة لا يعدلها شيء، والآخرة خير وأبقى، ومن ترك شيئا لله عوضه الله تعالى خيرا منه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له. رواه الترمذي وصححه الألباني
والله أعلم.