الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجته تعامله بجفاء وأقامت علاقة بأجنبي وطلبت الطلاق

السؤال

أنا شاب من المثلث، عاقد القران على فتاة من بلدي منذ سنة ونصف، يوجد بيننا قضية طلاق باتفاق منذ شهر 11، وأنا في بداية فترة تحكيم، أريد فتوى من حضرتكم لعدة أمور حصلت معي في هذه الفترة ومنها:
في الأشهر الأخيرة بدأت خطيبتي تنفر مني، لا تسمح لي أن أزورها، وإذا زرتها تعاملني بجفاء وإساءة مقصودة وبصعوبة تكلمني وما شابه، وبدأت تخرج دون علمي وتغلق هاتفها النقال الذي أعطيتها إياه، وتجاوبني أجوبة لا تليق بزوجين ولا بحياة زوجية. طلبت مني أن تكون لوحدها فترة من الزمن، في هذه الفترة بدأت أشك بتصرفاتها فبحثت في البريد الإلكتروني لديها ووجدت أنها بعلاقة مع شخص آخر، وفوجئت بعد وقت قليل بها تقول لي إنها لا ترغب بإكمال العلاقة معي مع أن أهلها لا يوافقونها، وإذا أرادت أن تعيش معي فقط من أجل أهلها. عندما سألناها أنا ووالدها عن البريد الإلكتروني فأجابت أن صديقتها استعملت بريدها الخاص. اتفقنا مع والدها أن لا نكمل هذا الدرب لكثرة الشكوك ولطلب الفتاة. فوجئت بعد مضي يوم أن شيخا قريبا منهم ادعى أن الفتاة كانت مسحورة، وقد فك سحرها وأنه هو ووالدها توجهوا للفتاة التي استعملت بريدها وهددوها وابتعدت عنها، وأن الفتاة الآن تريدني!
لكني لم أوافقهم على طلبهم فطلبت طلاقاً باتفاق، فطلبوا نفقة عن طريق المحكمة الشرعية، وحين سألها القاضي قالت هي ومحاميها أنني ألفق لها كل هذه الادعاءات، وأنني أشهر بها، وأنني أريد الطلاق من غير سبب وأنها تريدني. أنا الآن أدفع لها نفقة بقيمة 1500 شاقل شهرياً حتى انتهاء محكمة الطلاق غير المعروف تاريخها.
في الأيام الأخيرة وجدت في سجل المكالمات من هاتفها 450 رسالة لرقم مجهول في ساعات متأخرة من الليل منذ شهر 5، ووجدت رقماً يخص شاباً من بلدتنا ليس بقريب لها ولا بزميل، تكلمت مع والد الفتاة قبل محكمة التحكيم في آخر شهر 2 ومن ثم مع الفتاة نفسها، وطلبت منها أن تخبرني الحقيقة لكي أسامحها.أرسلت لي ما حدث معها، واعترفت لي أنها بعلاقة مع شاب منذ شهر 5، وأن صديقتها كذبة لا وجود لها، وأن السحر غير موجود، وهذا من اختراع الشيخ لكي يضغط علي بالعودة إليها. وإن الشيخ وأهلها يعرفون تفاصيل القصة بأكملها ومعهم حتى رقم هاتف الشاب وتكلموا معه وابتعد عنها حينئذٍ. الآن أهلها يريدون مني أن أدفع المؤخر لأنهم يزعمون أني من يريد الطلاق من غير سبب، واعتبروا الذهب وكل ما أعطيتها أياه خلال فترة الخطوبة هدية. علاقة الفتاة بشخص محرم ما حكمها (ولا أعلم إلى أي حد وصلت هذه العلاقة)؟
- كذب والدها وأهلها واختراع قصة صاحبتها.
- وهل الإسلام يأمرنا أن نتصرف كتصرف هذا الشيخ بأن أخفى عني حقيقة علاقة الفتاة بشخص آخر وبادعائه أن الفتاة مسحورة وأنه فك السحر لكي يحل المشكلة ونتزوج دون أن أعلم بالحقيقة.
"حين سألنا الشيخ لماذا كذب قال إنه تكلم بمبدأ أن الله طلب الستر على الزانية!"
سؤالي: هل يتوجب علي دفع المؤخر؟ وهل يحق لي استرداد الذهب الذي اعتبروه هدية (إن العرف في بلادنا لا يعتبرونه كهدية ويسترد في جميع حالات الطلاق) الرجاء المساعدة لصعوبة المشكلة والله أعلم بصدق ما أقول.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فابتداء ننبهك على أن ما قمت به من الاطلاع على بريد زوجتك وهاتفها كل ذلك من قبيل التجسس، والتجسس حرام في الأصل لقوله تعالى: وَلَا تَجَسَّسُوا {الحجرات:12}.

ولكن يشرع التجسس في مثل هذه الحالات التي يغلب على ظن الزوج حصول انحراف من أهله، ولا طريق لمعرفته ومنعه إلا بالتجسس. وقد سبق ذكر ذلك في الفتوى رقم: 30115.

أما بخصوص مسألة النفقة على المرأة قبل الدخول فقد سبق بيانها بالتفصيل في الفتوى رقم: 108085.

ولعل المحكمة إنما حكمت لها بالنفقة استنادا إلى ما تظهره هي من رغبتها في إتمام عقد الزواج، واتهامك بالتعنت والمماطلة في إتمامه. وإلا فلو ثبت لدى المحكمة أن التعنت من جهتها وأنها هي التي ترفض إتمام الزواج وتطلب الطلاق لما حكمت لها بذلك.

ولا شك أن ما تفعله زوجتك من إساءة لك ومعاملتك بجفاء وتعال، وطلبها الطلاق بغير سبب كل ذلك من الأمور المحرمة، وعلاقتها بهذا الرجل الأجنبي معصية قبيحة، وقد بينا قبحها وكيفية التوبة منها في الفتوى رقم: 99815.

أما بخصوص ما فعله أبوها وهذا الشيخ الذي تدخل للإصلاح فله حالتان:

الحالة الأول: أن يعلما ندمها على ما كان منها وتوبتها من علاقتها بهذا الشاب، وهنا يكون ما فعلاه من الستر عليها؛ لأن الشرع قد أمر بالستر على العصاة المذنبين إذا لم يعلنوا بالمعصية ولم يتبجحوا بها، فما ظنك بالستر على من أظهر ندمه على معصيته وتاب منها. وراجع الكلام عن الستر في الفتويين : 118386 109650.

وما حدث منهما من اختلاق هذه القصة لا حرج فيه حينئذ، فإن الكذب جائز للإصلاح بين عموم الناس، فمن باب أولى في الإصلاح بين الزوجين، وقد بينا هذا بالتفصيل والدليل وذكر أقوال أهل العلم في الفتاوى رقم: 114750 ، 78685 ، 75174 .

وجاء في شرح السنة ـ للإمام البغوي: عن أسماء بنت يزيد قالت : قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : لا يصلح الكذب إلا في ثلاثٍ : الرجل يكذب في الحرب ، والحرب خدعة ، والرجل يكذب بين الرجلين ليصلح بينهما ، والرجل يكذب للمرأة ليرضيها بذلك . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن.

قال أبو سليمان الخطابي : هذه أمور قد يضطر الإنسان فيها إلى زيادة القول ، ومجاوزة الصدق طلباً للسلامة ورفعاً للضرر ، وقد رخص في بعض الأحوال في اليسير من الفساد ، لما يؤمل فيه من الصلاح. انتهى.

الحالة الثانية: أن يسترا عليها مع علمهما بفسادها وإصرارها على معصيتها، وحينئذ يكون فعلهما هذا غير جائز، وهو ضرب من الغش والخيانة للمسلمين.

أما بخصوص حقوقها فإن المطلقة قبل الدخول يجب لها نصف المهر المسمى إذا لم يختل بها زوجها خلوة يمكن فيها الوطء عادة. فإن خلا بها مثل هذه الخلوة فقد تقرر لها المهر كاملا مقدمه ومؤخره، وقد سبق هذا في الفتوى رقم: 122113.

وحينئذ يبقى النظر في حالها، فإن كانت قد تابت من علاقتها بهذا الشاب وعزمت على إتمام عقد الزواج، فإنه يلزمك حينئذ أن توفيها حقها كاملا إن قمت بطلاقها، أما إن لم تتب من هذا أو تابت وتصر على الطلاق دون مسوغ فإنه يجوز لك أن تعضلها بأن تمتنع عن طلاقها حتى تفتدي منك بمال، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 76251.

أما بخصوص الذهب الذي أهديته لها، فما دام العرف قد جرى برد مثل هذه الهدايا عند حدوث الطلاق، فإنهم يلزمون برده ، ولك أن تطالبهم به، فإن المعروف عرفا كالمشروط شرطا، والزوج إنما يهب في هذه الحالة بشرط استدامة العقد وبقائه، فإذا انتهى العقد بالطلاق استحق هبته؛ لأنها حينئذ أشبه بهبة الثواب، ومعلوم أن الواهب للثواب أحق بهبته ما لم يثب منها.

جاء في الإنصاف للمرداوي: وقال في القاعدة الخمسين بعد المائة حكى الأثرم عن الإمام أحمد رحمه الله وإن كان أهدى هدية يردونها عليه، قال القاضي في الجامع لأن في هذه الحال يدل على أنه وهب بشرط بقاء العقد، فإذا زال ملك الرجوع كالهبة بشرط الثواب. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني