السؤال
أنا أسعى جاهدًا لطاعة الله, والقضاء على الشيطان, فقلت في نفسي: لا أريد أن أظل منعزلًا, فلا بد أن أخرج، وعندما يبعثني عمي إلى مكان أغض بصري فتلمسني فجأة امرأة ماشية بينما أنا واقف مكاني, واللهِ إني أخاف الله ربنا, وهو الوحيد الذي يعلم ما أفعله عندما أذهب لقضاء حاجة أمي مثلًا, فمجرد أن أنظر بجواري أغمض عينيّ, فهل أحاسب على النظرة التي وصفتها؟
والفصل الدراسي مختلط – للأسف – فأضع يدي على خدي حتى لا أنظر, لكني عندما أجيب عن السؤال أحاول قدر الإمكان عدم النظر, فهل عليّ وزر؟
وعندما أذهب لشراء الخبز من الفرن وأدفع للمرأة التي تبيع الثمن - وهي امرأة كبيرة - أحاول قدر الإمكان أن أدفع لها عملة معدنية حتى لا ألمسها, لكني أحيانًا دون إرادة مني ألمس يدها, فماذا عليّ؟ أريد منكم أن تساعدوني, وأن تقفوا معي, فأنا أحب طاعة الله, وأريد أن أرضيه, وأريد أن أتجنب وساوس الشيطان, فقد بدأ يقوى وينقض عليّ بوساوسه وبدأت أطيعه, فتأتيني وساوس قذرة في كل شيء, فأحاول مقاومتها, فأنا واثق في قدرة الله, وأريد أن أدخل الفردوس الأعلى, وأريد أن أسلك طريق الرسول صلى الله عليه وسلم, وأريد أن أعبد ربنا, وأعمل بالإسلام في كل شيء - حتى في لعب الكرة - فكيف أثاب على كل عمل؟ فأنا أريد أن تكون كل لحظة من حياتي لله: جدي, ولعبي, وكل شيء.
والوسواس الأكبر في الاستنجاء, فأنا أستنجي - من البول أو الغائط - في نصف ساعة, ولا أعرف لماذا؟ فكيف أستنجي؟ فأنا أستعمل ماء كثيرًا, فأريد حلًا, فأخبروني بما يرضي الله, ويبعد عني الشيطان, وقولوا لي: افعل كذا, وأنا سأفعل إن كان يرضي ربنا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:
فلا وزر عليك - أيها السائل - فلا تؤاخذ بنظرة الفجأة التي تقع منك على امرأة أجنبية, ما دمت تصرف النظر بعدها, ولا تستديمه, ففي صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن نظر الفجأة؟ فأمرني أن أصرف بصري.
قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - عند شرحه لهذا الحديث: وَمَعْنَى نَظَر الْفَجْأَة: أَنْ يَقَع بَصَره عَلَى الْأَجْنَبِيَّة مِنْ غَيْر قَصْد, فَلَا إِثْم عَلَيْهِ فِي أَوَّل ذَلِكَ، وَيَجِب عَلَيْهِ أَنْ يَصْرِف بَصَره فِي الْحَال، فَإِنْ صَرَفَ فِي الْحَال فَلَا إِثْم عَلَيْهِ، وَإِنْ اِسْتَدَامَ النَّظَر أَثِمَ لِهَذَا الْحَدِيث، فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِأَنْ يَصْرِف بَصَره, مَعَ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}. اهــ .
ومما يبين هذا أيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي - رضي الله عنه -: يَا عَلِيُّ, لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ, فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى, وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ. رواه أحمد والترمذي وأبو داود.
وإذا لمست يدك يد امرأة عن غير عمد عند دفع النقود مثلًا فلا إثم عليك أيضًا؛ لقول الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5}.
وأفضل سبيل للتخلص مما تعانيه من الوساوس التي ذكرت أنها تطرأ عليك في كل شيء هو الإعراض عنها بالكلية, وعدم الاستجابة لها, ولا الالتفات لداعيها, فإنك متى ما أعرضت عنها ولم تلتفت إليها زالت عنك - بإذن الله -.
وقد سبق لنا أن أصدرنا عدة فتاوى في بيان علاج الوسوسة في الطهارة والاستنجاء والعقيدة وغيرها, وفيها غنية عن الإعادة هنا, فانظر على سبيل المثال الفتوى رقم: 154307 عن علاج الوسواس في الاعتقاد والطهارة والصلاة, والفتوى رقم: 112217, والفتوى رقم: 106886, والفتوى رقم: 112530 - نسأل الله أن يشفيك -.
والله تعالى أعلم.