السؤال
اعتاد بعض الناس في مدينتنا الطلب من إمام المسجد، أو من أحد المشايخ عقد القِران في البيوت على اعتبار أن ذلك من الشرع, ويسمحون للرجل والمرأة باللقاء دون محرم, وجوزوا رفع البنت لحجابها أمام الرجل باعتبارها قد أصبحت زوجته شرعًا، والمشكلة أن هؤلاء المشايخ لا يحملون أي صفة رسمية، ولا يعترف بالعقود التي يعقدونها؛ لأن الدولة لا تعترف إلا بقضاة محاكم الأحوال الشخصية، والسؤال هو: ماذا لو اختلف الرجل والمرأة وافترقا قبل أن يعقد العقد الرسمي بالمحكمة؟ ومن سيضمن للزوجة حقوقها؟ وقد يحدث ـ لا سمح الله ـ بين الزوجين لقاء وخلوة ويجري بينهما ما يجري بين الزوجين، فماذا سيكون موقفهما أمام الناس؟ ولو قام هذا الرجل بالهروب ورفض إعطاء حق الزوجة باعتبار أنه لا شيء يلزمه بذلك، لعدم وجود عقد رسمي، أفتونا - يرحمكم الله -.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس التسجيل الرسمي لعقد النكاح شرطًا في صحته، ولكنه لازم ومتعين إذا توقف على تركه ضياع شيء من الحقوق المترتبة على النكاح - كالصداق, والإرث, والنسب, وغير ذلك - فما تعارف عليه الناس من وجود مأذون، أو قاض يكتب عقد النكاح ليس في أصله مما اشترطه الشرع ولا طلبه، فكان الذي يعقد الزواج هما الزوج وولي المرأة، وهذا ما قررناه في الفتوى رقم: 110361.
كذلك ليس من شروط صحة عقد النكاح عند الفقهاء أن يسجل بالمحكمة رسميًا، أو يكتبه المأذون الرسمي، وهذا ما قررناه في الفتويين رقم:177023، ورقم: 112536.
وإن الشروط الشرعية لصحة النكاح ليس فيها عند الفقهاء هذا التسجيل الرسمي، كما في الفتويين رقم: 58250، ورقم: 1766.
ولا يلزم من عدم تسجيل عقد النكاح في المحكمة الشرعية رسميًا ضياع شيء من الحقوق بالضرورة؛ لأن الشروط الشرعية لعقد النكاح من مقاصدها حفظ الحقوق عند الخصومة, والافتراق, والوفاة, ونحوها، فجمهور الفقهاء يشترطون لصحة عقد النكاح أن يكون بحضور شاهدين مسلمين عدلين بالغين عاقلين، كل ذلك لحفظ حقوق الزوجين عند التحاكم، فهذه من البينات المعتبرة قضاءً، ولكن إذا كانت محاكم الأحوال الشخصية في بلدكم لا تعترف بغير عقود المأذون الرسمي, بمعنى أنها ترفض شهادة الشهود العدول على عقد النكاح إذا لم تكن بحضور المأذون الرسمي, وتمتنع من تسجيلها في سجلات المحكمة فتضيع الحقوق، فهنا يكون السبيل الوحيد لضمان الحقوق هو حضور المأذون الرسمي, وتسجيل العقد في سجلات الزواج في المحكمة المختصة، وفي هذه الحالة يتعين المأذون الرسمي والتسجيل الرسمي لعقد النكاح؛ لأن الحقوق الواجبة بين الزوجين واجبة الحفظ والصيانة، وكذلك إثبات الولد والإرث وغيرها، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ومتعين، وهذا يدخل أيضًا تحت باب المصالح المرسلة التي تحقق مع مقاصد التشريع حفظ الأموال والأنساب، وهذا ما قررناه في الفتوى رقم: 39313.
والله أعلم.