السؤال
متزوجة، ولديّ طفلة عمرها ثلاث سنوات، وطفل عمره ستة أشهر، وزوجي يترك البيت عند أي خلاف، ويهجرني لمدة قد تصل لأكثر من خمسة أشهر، ولا يرد على اتصالاتي، ولا رسائلي، ويترك أولاده الصغار دون نفقة، ويعاملني كأنني خارجة من ذمته، حتى أنه إذا رجع إلى المنزل لتغيير ملابسه لا يسلم؛ بل إنه إذا صادفني أمامه في البيت صد عني، علمًا أن لديه ابنًا وبنتًا من زوجة سابقة قد طلقها، ويشهد على كلامي رب العباد الذي لا يخفى عليه شيء أني لم أقصر معه في حقوقه الزوجية، كما أني قد أحسنت إلى أبنائه، وعاملتهم كأبنائي، ولكني لم أجد منه ومن أولاده غير الجحود والنكران، فقد أصبحنا في البيت حزبين؛ هو مع أولاده من طليقته، ينفق عليهم، ويوصلهم للمدرسة، ويشتري لهم نواقصهم، ويأكلون وحدهم، وفي الإجازات يذهب مع أبنائه تاركًا إياي مع أطفالي وحدنا.
وأنا مع أطفالي الصغار أنفق عليهم، وأذهب بهم إلى المستشفى في حال مرضهم، وأذهب إلى عملي مع السائق دون محرم، فقد ولى أمري وأمر أطفالي هذا السائق.
وسبب الخلاف ابنته من طليقته -تبلغ من العمر 12 سنة- التي قد كذبت عليّ عند أبيها؛ لدرجة أنه اتهمني بالعنف الأسري من غير أن يسألني، أو حتى يتأكد من صحة كلام ابنته؛ مما أدى إلى شحن الأنفس، وإعطاء ابنته الحق في تلفظها عليّ، وعدم احترامها لي، وكأني عاملة لديها، كما أنه امتهن كرامتي أمام أبنائه وأمام الخدم، فهو لم يحاول ولو مرة أن يتحاور معي، أو يناقشني ليصلح بيته، بل تجبر وتكبر، وأخذته العزة بالإثم، ونسي قول الله تعالى: (ألم يعلم بأن الله يرى)، فأصل الزواج الإعفاف عن الحرام، والمودة، والرحمة، والعشرة بالمعروف، فهل هذه التصرفات ترضي الله ورسوله؟ وإذا كانت المرأة ملعونة إذا عصت زوجها، فما عقوبة هذا الزوج الناشز الذي يهجر زوجته دون سبب شرعي؟ وقد أعطاه الله القوامة، والعصمة، والولاية، فهو مسؤول عن رعيته، وهل يعتبر فعله أمرًا هينًا، أو من الظلم؟ وإذا بقي على حاله فماذا عليّ أن أفعل؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان زوجك على ما ذكرت، فإنه بتصرفاته هذه عاص لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وظالم لزوجته وأولاده منها، فيأثم بذلك، فتصرفاته هذه ليست بالأمر الهين، روى البخاري ومسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كلكم راع، وكلم ومسؤول عن رعيته... والرجل في أهله راع، وهو مسؤول عن رعيته... الحديث، وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت.
وهجره لك على الحال المذكور فيه تفريط عظيم، فهجر الزوجة له ضوابطه الشرعية التي تجب مراعاتها، وقد أوضحناها في الفتوى رقم: 71459، فراجعيها، كما أنه أساء إن اتهمك بما يشين بناء على كلام ابنته، فقد أمر الله بالتثبت عند ورود الأخبار، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ {الحجرات:6}، وإحسان الظن بالمسلم مطلوب، ويتأكد في حق الزوج مع الزوجة، قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ... الآية {الحجرات:12}.
ووصيتنا لك أن تصبري على زوجك، وتكثري من الدعاء بأن يلهمه الله الرشد والصواب، فلعل دعوة صالحة منك تكون سببًا في صلاحه، وقد قال الله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.
وإن كان لا يسمع لك، فسلطي عليه من ترجين أن يسمع قوله لينصحه بالحسنى، ويبين له خطأ ما يفعل وخطورته، وأن ذلك قد يكون سببًا لحمله أولاده على العقوق، عسى أن يستفزه ذلك، فينتبه ويتوب إلى ربه، فإن فعل، فالحمد لله، وإلا، فلك طلب الطلاق منه - إن شئت - فالضرر البين يبيح للمرأة طلب الطلاق من زوجها، كما أوضحنا في الفتوى رقم: 37112.
وإن رأيت الصبر عليه حفاظًا على كيان الأسرة، فقد يكون ذلك أفضل.
وبخصوص حكم الجمع بين الزوجة وولد الزوج من غيرها في مسكن واحد، وتفصيل الفقهاء حوله، يمكن مطالعة الفتوى رقم: 73093.
والله أعلم.