السؤال
توفي الأب منذ 11 سنة وترك 5 بنات و5 أبناء. حاز الابن الأكبر على التركة كاملة، متمثلة في أرض فلاحية مزروعة، وظل يستغلها لمدة أشهر. عند فراش الموت أوصى بقية الذكور بعدم إعطاء نصيب للبنات، وهذا ما حصل.
تم تقسيم التركة بين الأبناء، وإحدى البنات كان لها عقد تنازل من الأب نفسه فأعطوها مقدار ما تنازل به الأب، وهو أكثر من نصيب بقية البنات. أما الأكبر منهم فقد قرر إعطاء مبلغ مالي رمزي قليل لإحدى الأخوات لحاجتها للمال حتى يبرئ ذمته، بينما تم حرمان البنات الثلاث بحجة أنهن متزوجات. بعد سنوات من استغلال الأرض، أراد أحد الإخوة إصلاح خطئه، فحاول إقناع إخوته، لكنهم رفضوا إعادة القسمة. فَلَجأ هذا الأخ إلى إحدى الأخوات وقرر إعطاءها نصيبها.
المشكلة هي أن النصيب الذي أخذه من الأرض لا يكفي لإعطائها حقها كاملاً حسب القسمة الشرعية، وإخوته رافضون إعادة القسمة، ولا أمل في إقناعهم. لذا أخبرها بأنه سيأخذ منه ما يحق له حسب الشرع، ويعطيها الباقي الذي يمثل جزءاً من نصيبها.
فهل القسمة بطريقة الأخ صائبة وتبرأ ذمته؟ وهل ليس للبنات حق في الـ 11 سنة، علماً أن جميع الإخوة قاموا بالفعل باستغلالها؟
بارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففصل النزاع في مسائل الميراث والحقوق المشتركة مَرَدُّهُ إلى المحاكم الشرعية أو من ينوب منابها، وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع وإدراك حقيقة الدعاوي والبينات والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك. وأما المفتي فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا.
والذي يمكن أن نفيد به السائل إجمالا، لا في خصوص سؤاله: أنه لا يجوز حرمان الإناث من حقهن من التركة، متزوجات أو غير متزوجات، وذلك ظلم وذنب عظيم، وكبيرة من الكبائر. وراجع في ذلك الفتوى: 359284.
ومن فعل ذلك فهو في حكم الغاصب، والمغصوب إذا كان مُعَدا للاستغلال واستغل (كالأرض الزراعية)، فضمان الغاصب لمنافعه قد اتفقت عليه المذاهب الأربعة. وإذا لم يستغل ـ وهو معد للاستغلال ـ فالجمهور على ضمان منافعه، ولذلك يكون على الغاصب أجرة مثله طوال مدة الغصب.
قال ابن قدامة في (المغني): على الغاصب أجر الأرض منذ غصبها إلى وقت تسليمها. وهكذا كل ما له أجر، فعلى الغاصب أجر مثله، سواء استوفى المنافع أو تركها حتى ذهبت؛ لأنها تلفت في يده العادية، فكان عليه عوضها، كالأعيان. اهـ. وراجع في ذلك الفتوى: 104066.
وإذا اقتصر أحد الذكور على نصيبه من التركة، وردَّ ما زاد عليه إلى مستحقيه من الإناث، فقد برئت ذمته من غصب العين، وما بقي من حقوق الإناث فهو على بقية الغاصبين إن ثبت ببينة، أو إقرار وجود تعد.
والله أعلم.