وزن الكلام إذا نطقت، فإنما يبدي العقول أو العيوب المنطق لا ألفينك ثاويا في غربة
إن الغريب بكل سهم يرشق لو سار ألف مدجج في حاجة
لم يقضها إلا الذي يترفق
قال - رضي الله عنه - : أبو حاتم لأن الزيادة على المقدار في المبتغى عيب، كما أن النقصان فيما يجب من المطلب عجز، وما لم يصلحه الرفق لم يصلحه العنف، ولا دليل أمهر من رفق، كما لا ظهير أوثق من العقل، ومن الرفق يكون الاحتراز، وفي الاحتراز ترجى السلامة، وفي ترك الرفق يكون الخرق، وفي لزوم الخرق تخاف الهلكة. ولقد أنشدني العاقل يلزم الرفق في الأوقات، والاعتدال في الحالات؛ الأبرش:
عليك بوجه القصد، فاسلك سبيله ففي الجور إهلاك، وفي القصد مسلك
إذا أنت لم تعرف لنفسك قدرها تحملها ما لا تطيق فتهلك
قال - رضي الله عنه - : الرافق لا يكاد يسبق، كما أن العجل لا يكاد يلحق، وكما أن من سكت لا يكاد يندم، كذلك من نطق لا يكاد يسلم، والعجل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويحمد قبل أن يجرب، ويذم بعدما يحمد، يعزم قبل أن يفكر، ويمضي قبل أن يعزم، والعجل تصحبه الندامة، وتعتزله السلامة، وكانت العرب تكني العجلة أم الندامات. أبو حاتم
[ ص: 217 ] ولقد أنشدني بعض أهل العلم:
العجز ضر، وما بالحزم من ضرر وأحزم الحزم سوء الظن بالناس
لا تترك الحزم في أمر تحاذره فإن أمنت فما بالحزم من باس
أخبرنا ، حدثنا عمرو بن محمد الغلابي ، حدثنا إبراهيم بن عمر بن حبيب، قال: كان يقال: لا يوجد العجول محمودا، ولا الغضوب مسرورا، ولا الحر حريصا، ولا الكريم حسودا، ولا الشره غنيا، ولا الملول ذا إخوان.
وأنشدني محمد بن عبد الله البغدادي:
إذا ما أتيت الأمر من غير بابه تصعب، حتى لا ترى فيه مرتقى
وإن الذي يصطاده الفخ إن عتا على الفخ كان الفخ أعتى وأضيقا
قال - رضي الله عنه - : أبو حاتم والعجل لا يسير إلا مناكبا للقصد، منحرفا عن الجادة، يلتمس ما هو أنكد، وأوعر، وأخفى مسارا، يحكم حكم الورهاء، ويناسب أخلاق النساء. العجلة تكون من الحدة، وصاحب العجلة إن أصاب فرصته لم يكن محمودا، وإن أخطأها كان مذموما،
ولقد حدثنا عمرو بن محمد الأنصاري ، حدثنا الغلابي ، حدثنا مهدي بن سابق، قال: قال خالد بن برمك: من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق أن لا ينزل به كبير مكروه: العجلة، واللجاجة، والعجب، والتواني، فثمرة العجلة الندامة، وثمرة اللجاجة الحيرة، وثمرة العجب البغضة، وثمرة التواني الذل. قال - رضي الله عنه - : أبو حاتم لأن الزلل مع العجل، والإقدام على العمل بعد التأني فيه أحزم من الإمساك عنه بعد الإقدام عليه، ولا يكون العجول محمودا أبدا، والعاقل يعلم أن العجز في الأمور يقوم في النقص مقام الإفراط في السعي، فيتجنبهما معا، ويجعل لنفسه مسلكا بينهما. العجلة موكل بها الندم، وما عجل أحد إلا اكتسب ندامة، واستفاد مذمة؛
ولقد حدثنا ، حدثنا الحسن بن سفيان أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب، [ ص: 218 ] حدثني إبراهيم بن عاصم، قال: سمعت صدقة يقول: سمعت الشمردل يقول: نكح العجز التواني، فولد الندامة.
قال - رضي الله عنه - : سبب النجاح ترك التواني، ودواعي الحرمان الكسل؛ لأن أبو حاتم وعذاب على الفتوة، ومن التواني والعجز أنتجت الهلكة، وكما أن الأناة بعد الفرصة أعظم الخطأ، كذلك العجلة قبل الإمكان نفس الخطأ، والرشيد من رشد عن العجلة، والخائب من خاب عن الأناة، والعجل مخطئ أبدا، كما أن المتثبت مصيب أبدا. الكسل عدو المروءة،