[ ص: 386 ] : ذكر منشئه وطلبه الحديث
قال وراق البخاري ، فيما أنبأنا عبد الله بن محمد المكي ، إذنا مشافهة ، عن كتاب سليمان بن حمزة ، عن عبد العزيز بن باقا ، عن طاهر بن محمد بن طاهر ، عن أحمد ابن علي بن خلف ، أنا أبو طاهر أحمد بن عبد الله بن مهرويه ، أنا أحمد بن عبد الله ابن محمد بن يوسف ، أنا جدي أبو عبد الله محمد بن يوسف الفربري ، أنا أبو جعفر محمد بن أبي حاتم ، وراق البخاري ، - قلت : وكل ما أسوقه عن وراق البخاري فبهذا الإسناد - قال : قلت : كيف كان بدء أمرك في طلب الحديث؟ قال : ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب ، قلت : وكم أتى عليك إذ ذاك؟ فقال : عشر سنين أو أقل ، ثم خرجت من الكتاب (بعد العشر ) ، فجعلت أختلف إلى لأبي عبد الله الداخلي وغيره ، فقال : يوما فيما كان يقرأ للناس : سفيان ، عن أبي الزبير ، عن إبراهيم ، فقلت : يا أبا فلان ، إن لم يرو عن أبا الزبير إبراهيم ، فانتهرني ، فقلت له : ارجع إلى الأصل ، إن كان عندك ، فدخل ، ونظر فيه ، ثم خرج ، فقال لي : كيف هو يا غلام؟ فقلت : هو ، عن الزبير بن عدي إبراهيم ، فأخذ القلم ، وأصلح كتابه ، فقال : صدقت ، فقال له : بعض أصحابه : ابن كم كنت إذ رددت عليه؟ فقال له : ابن إحدى عشرة سنة ، قال : فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ، ابن المبارك ووكيع ، وعرفت كلام هؤلاء ، ثم خرجت مع أمي وأخي (أحمد ) إلى مكة ، (فلما حججت رجع أخي ، وتخلفت بها في طلب الحديث ) ، فلما طعنت في ثماني عشرة ، جعلت أصنف قضايا الصحابة ، والتابعين ، وأقاويلهم ، وذلك في أيام [ ص: 387 ] عبيد الله بن موسى ، وصنفت كتاب "التاريخ" إذ ذاك عند قبر النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في الليالي المقمرة ، قال : وقل اسم في التاريخ ، إلا وله عندي قصة ، إلا أني كرهت تطويل الكتاب .
قلت : الداخلي المذكور لم أقف على اسمه ، ولم يذكر ابن السمعاني ، ولا الرشاطي هذه النسبة ، وأظن أنها نسبة إلى المدينة الداخلة بنيسابور .
وقال إسحاق بن أحمد بن خلف : رحل محمد بن إسماعيل في آخر سنة عشرة ومائتين .
وقال بكر بن منير : سمعت ، يقول : كنت عند البخاري أبي حفص أحمد بن حفص أسمع كتاب (الجامع ) ، من كتاب والدي ، فمر لسفيان الثوري أبو حفص على حرف ، ولم يكن عندي ما ذكر ، فراجعته ، فقال الثانية ، والثالثة ، فراجعته فسكت ، ثم قال : من هذا؟ قالوا : ابن إسماعيل ، فقال : هو كما قال ، واحفظوا أن هذا يصير يوما رجلا .
وقال وراق البخاري : سمعته يقول : كنت أختلف إلى الفقهاء ، بمرو ، وأنا صبي ، فقال لي مؤدب من أهلها : كم كتبت اليوم؟ قلت : آيتين ، فضحك من حضر المجلس ، فقال شيخ منهم ، لا تضحكوا منه ، فلعله يضحك منكم يوما .
وقال أبو محمد عبد الله بن محمد بن إسحاق السمسار المؤذن : سمعت شيخي [ ص: 388 ] يقول : ذهبت عينا محمد بن إسماعيل في صغره ، فرأت والدته إبراهيم الخليل ، عليه الصلاة والسلام في المنام ، فقال : يا هذه ! قد رد الله على ابنك بصره لكثرة دعائك - أو لكثرة بكائك - قال : فأصبح وقد رد الله عليه بصره .
وقال غنجار في تاريخ بخارى : أنا خلف بن محمد ، قال : سمعت أحمد بن محمد بن الفضل البلخي ، يقول : سمعت أبي يقول : ذهبت عينا محمد ابن إسماعيل في صغره فذكر مثله .
ورواها الحافظ أبو القاسم اللكائي في كتاب "كرامات الأولياء" له ، عن شيخ ، عن غنجار به .
أنبئت عن أبي نصر بن الشيرازي عن جده أبي نصر ، أن الحافظ أبا القاسم الدمشقي ، أخبره : أنا ، أنا الحسين بن عبد الملك أبو طاهر بن محمود ، أنا ، سمعت أبا أحمد النيسابوري ، سمعت أبو بكر بن المقرئ ، قال : رأيت أحمد بن يوسف السلمي محمد بن إسماعيل في مجلس ، وهو يبكي ، فقلت : له ما يبكيك؟ قال : لا يمكنني أن أكتب ولا أن أضبط ، قال : ثم جعل الله مالك بن إسماعيل محمد بن إسماعيل كما رأيتم . وقال أبو حاتم سهل بن السري : قال : لقيت أكثر من ألف شيخ من أهل محمد بن إسماعيل البخاري الحجاز ، ومكة ، والمدينة ، والبصرة ، وواسط ، وبغداد ، والشام ، ومصر لقيتهم قرنا بعد قرن ، وذكر أنه رحل إلى الشام ، ومصر والجزيرة مرتين ، وإلى البصرة أربع مرات ، وأقام بالحجاز ستة أعوام . قال : ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدثي خراسان .
[ ص: 389 ] وقال وراق البخاري : سمعته يقول : دخلت بلخ ، فسألني أصحاب الحديث أن أملي عليهم لكل من لقيت حديثا عنه ، فأمليت ألف حديث لألف شيخ ممن كتبت عنهم ، ثم قال : كتبت عن ألف وثمانين نفسا ، ليس فيهم إلا صاحب حديث . وقال أيضا : كتبت عن ألف نفس من العلماء وزيادة ، ولم أكتب إلا عمن قال : . الإيمان قول وعمل
وقال جعفر بن محمد القطان : سمعت يقول : كتبت عن ألف شيخ أو أكثر ، ما عندي حديث إلا أذكر إسناده . البخاري
وقال وراق البخاري : سمعته يقول : لم تكن كتابتي الحديث كما (كتب ) هؤلاء ، كنت إذا كتبت عن رجل سألته عن اسمه ، وكنيته ، ونسبه ، وعلة الحديث ، إن كان الرجل فهما ، (فإن ) لم يكن سألته أن يخرج لي أصله ، ونسخته ، (وأما ) الآخرون فلا يبالون ما يكتبون ولا كيف يكتبون .
قال وسمعت هاني بن النضر ، يقول : (كنا ) عند محمد بن يوسف ، يعني الفريابي ، بالشام ، (وكنا نتنزه ) ، وكان محمد بن إسماعيل معنا ، وكان لا يزاحمنا فيما نحن فيه ، بل مكث على العلم .
قال : وسمعت العباس الدوري ، يقول : ما رأيت أحسن طلبا للحديث من محمد بن إسماعيل ، كان لا يدع أصلا ، ولا فرعا إلا بلغه ، ثم قال لنا : لا تدعوا شيئا من كلامه ، إلا كتبتموه .
[ ص: 390 ] وقال : سمعنا على أبو بكر بن أبي عتاب الأعين محمد بن إسماعيل على باب محمد بن يوسف وهو أمرد .
قلت : كان سنه إذ ذاك بضع عشرة سنة ، والأعين المذكور من أصحاب المشهورين ، الإمام أحمد والفريابي من كبار شيوخ . البخاري
وقال أبو الفضل محمد بن طاهر ، قدم البخاري ببغداد ، سنة عشر ومائتين ، وعزم على المضي إلى عبد الرزاق باليمن ، فالتقى بيحيى بن جعفر البيكندي ، فاستخبره ، فقال : مات ، ثم تبين أنه لم يمت ، فسمع عبد الرزاق حديث البخاري من عبد الرزاق . قلت : يحيى بن جعفر ويحيى بن جعفر من الثقات الأثبات ، وما أعتقد أنه افترى وفاة ، بل لعله حكاه لإشاعة لم تصح ، وكان عبد الرزاق بعد ذلك يدعو يحيى بن جعفر لمحمد بن إسماعيل ، ويفرط في مدحه ، وسيأتي ذلك .
وقال الخطيب والبيهقي جميعا : أنا أبو حازم العبدوي ، سمعت محمد بن محمد ابن العباس الضبي ، سمعت أحمد بن عبد الله بن محمد بن يوسف ، يقول : سمعت جدي ، يقول : سمعت ، يقول : دخلت البخاري بغداد ثماني مرات في كلها أجالس ، فقال لي : يا أحمد بن حنبل أبا عبد الله تدع العلم والناس وتصير إلى خراسان؟ قال : فأنا أذكر قوله الآن .
وقال وراق البخاري ، عن حاشد بن إسماعيل : كان يختلف معنا إلى مشايخ البخاري البصرة ، وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام ، فلمناه . فقال لنا بعد ستة عشر يوما : قد أكثرتم علي ، فاعرضوا علي ما كتبتم؟ [ ص: 391 ] فأخرجناه ، فزاد على خمسة عشر ألفا فقرأها كلها عن ظهر قلب ، حتى جعلنا كلنا نحكم كتبنا من حفظه ، فعلمنا أنه لا يتقدمه أحد ، فكان أهل المعرفة بالبصرة يعدون خلفه في طلب الحديث ، ويكتبون عنه ، وهو شاب ، حتى يغلبوه على نفسه ، ويجلسونه في بعض الطريق ، فيجتمع عليه ألوف ، أكثرهم ممن يكتب عنه ، وكان إذ ذاك شابا لم يخرج وجهه .
وقال محب بن الأزهر السجستاني : كنت بالبصرة في مجلس ، سليمان بن حرب جالس لا يكتب ، فقيل لبعضهم : ما له لا يكتب؟ فقال : يرجع إلى والبخاري بخارى فيكتب من حفظه .
وقال الوراق كان شديد الحياء في صغره ، حتى قال شيخه محمد بن سلام البيكندي أترون البكر أشد حياء من هذا الغلام؟ قال : وسمعته يقول : كنت في مجلس فقال : حدثنا الفريابي سفيان ، عن أبي عروة ، عن أبي الخطاب ، عن أنس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : فلم يعرف أحد في المجلس "كان يطوف على نسائه بغسل واحد" أبا عروة ولا أبا الخطاب ، (فقلت ) أما أبو عروة فمعمر ، وأما أبو الخطاب فقتادة ، قال : وكان فعولا لهذا يكني المشهورين . الثوري