ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون
[ ص: 104 ] ولقد بوأنا ، يعني أنزلنا بني إسرائيل مبوأ صدق ، منزل صدق، وهو بيت المقدس، ورزقناهم من الطيبات ، يعني المطر والنبت، فما اختلفوا ، يعني أهل التوراة والإنجيل في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، حتى جاءهم العلم ، حتى بعثه الله عز وجل، فلما بعث كفروا به وحسدوه، إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون . فإن كنت في شك يا محمد مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ، وأصحابه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: عبد الله بن سلام "لا أشك، ولا أسأل بعد، أشهد أنه الحق من عند الله"، لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ، يعني من المشركين في القرآن بأنه جاء من الله تعالى.
ثم حذر النبي صلى الله عليه وسلم وأوعز إليه حين قالوا: إنما يلقنه الري على لسانه، فقال: ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله ، يعني القرآن كما كذب به كفار مكة، فتكون من الخاسرين . ثم قال: إن الذين حقت عليهم كلمت ربك ، يعني وجبت عليهم كلمة العذاب، يقول: أي سبقت لهم الشقاوة من الله عز وجل في علمه، لا يؤمنون ، يعني لا يصدقون.
ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم كما سألوا في بني إسرائيل حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا إلى آخر الآيات، وكقوله: فلولا كان من القرون من قبلكم قال: كل شيء في القرآن فلولا: فهلا، إلا ما في يونس وهود.
فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها الإيمان عند نزول العذاب، إلا قوم يونس لما آمنوا ، يعني صدقوا وتابوا، وذلك أن قوم يونس، عليه السلام، لما نظروا إلى [ ص: 105 ] العذاب فوق رءوسهم على قدر ميل، وهم في قرية تسمى نينوى من أرض الموصل تابوا، فلبس المسوح بعضهم، ونثروا الرماد على رءوسهم، وعزلوا الأمهات من الأولاد، والنساء من الزواج، ثم عجوا إلى الله، فكشف الله عنهم العذاب، كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ، إلى منتهى آجالهم، فأخبرهم يا محمد أن التوبة لا تنفعهم عند نزول العذاب.
ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ، هذا منسوخ، نسختها آية السيف في براءة.
ثم دل على نفسه بصنعه ليعتبروا فيوحدوه، فقال: وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ، يعني أن تصدق بتوحيد الله حتى يأذن الله في ذلك، ويجعل الرجس ، يعني الإثم، على الذين لا يعقلون .