قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا
قل لئن اجتمعت الإنس والجن ، وذلك أن الله عز وجل أنزل في سورة هود: قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ، فلم يطيقوا ذلك، فقال الله تبارك وتعالى لهم في سورة يونس: فأتوا بسورة واحدة مثله، فلم يطيقوا ذلك، وأخبر الله تبارك وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: قل لئن اجتمعت الإنس والجن ، فعان بعضهم بعضا، على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ، يقول: لا يقدرون على أن يأتوا بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، يعني معينا ولقد صرفنا للناس ، يعني ضربنا، في هذا القرآن من كل مثل ، يعني من كل شبه في أمور شتى، فأبى أكثر الناس إلا كفورا ، يعني إلا كفرا بالقرآن.
وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ، يعني من أرض مكة ينبوعا، يعني عينا تجري، وذلك أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: سير لنا الجبال، أو [ ص: 272 ] ابعث لنا الموتى فنكلمهم، أو سخر لنا الريح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا أطيق ذلك، فقال عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي ، وهو ابن عم أبي جهل ، والحارث بن هشام ، وهما ابنا عم، فقالا: يا محمد ، إن كنت لست فاعلا لقومك شيئا مما سألوك، فأرنا كرامتك على الله بأمر تعرفه، فجر لبني أبيك ينبوعا بمكة مكان زمزم، فقد شق علينا الميح.
أو تكون لك جنة ، يعني بستانا، من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا ، يقول: تجري العيون في وسط النخيل، والأعناب، والشجر.
أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف ، يعني من ذهب، فإن لم تستطع شيئا من هذا، فأسقط السماء كما زعمت علينا كسفا، يعني جانبا من السماء، كما زعمت في سورة سبأ: إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا ، يعني جانبا، من السماء . ثم قال: والذي يحلف به عبد الله ، لا أصدقك ولا أؤمن بك حتى تسند سلما، فترقى فيها إلى السماء، وأنا أنظر إليك، فتأتي بكتاب من عند الله عز وجل بأنك رسوله، أو يأمرنا باتباعك، وتجيء الملائكة يشهدون أن الله كتبه، ثم قال: والله ما أدري إن فعلت ذلك أؤمن بك أم لا، فذلك قوله سبحانه: أو تأتي بالله ، معاينة، فيخبرنا أنك نبي رسول، أو تأتي بالملائكة قبيلا، يعني كفيلا، يشهدون بأنك رسول الله عز وجل.
فذلك قوله: أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا ، يعني من السماء، كتابا نقرؤه من الله عز وجل بأنك رسوله خاصة، فأنزل الله تعالى، قل لكفار مكة سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ، نزه نفسه جل جلاله عن تكذيبهم إياه لقولهم لم يبعث محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا، يقول: ما أنا إلا رسول من البشر.
وما منع الناس ، يعني رؤوس كفار مكة ، أن يؤمنوا ، يعني أن يصدقوا بالقرآن، إذ جاءهم الهدى ، يعني البيان، وهو القرآن؛ لأن القرآن هدى من الضلالة، إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا ، نزلت في المستهزئين والمطعمين ببدر .
[ ص: 273 ] فأنزل الله تبارك وتعالى: قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين ، يعني مقيمين بها، مثل قوله سبحانه في النساء: فإذا اطمأننتم ، يقول: فإذا أقمتم فأقيموا الصلاة ، لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا . قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ، يقول: فلا أحد أفضل من الله شاهدا بأني رسول الله إليكم، إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ، حين اختص محمدا صلى الله عليه وسلم بالرسالة.