الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  وأيضا : فصاحب الزمان الذي [1] يدعون إليه لا سبيل للناس إلى معرفته ، ولا معرفة ما يأمرهم به ، وما ينهاهم عنه ، وما يخبرهم به ، فإن . [ ص: 88 ] كان أحد لا يصير سعيدا إلا بطاعة هذا الذي لا يعرف أمره ، ولا نهيه لزم أنه [2] . لا يتمكن أحد من طريق النجاة ، والسعادة ، وطاعة الله ، وهذا من أعظم تكليف ما لا يطاق ، وهم [3] من أعظم الناس إحالة له .

                  وإن [4] قيل : بل هو يأمر بما عليه الإمامية .

                  قيل : فلا حاجة إلى وجوده ، ولا شهوده ، فإن هذا معروف سواء كان هو حيا ، أو ميتا ، وسواء كان شاهدا ، أو غائبا ، وإذا كان معرفة ما أمر الله به الخلق ممكنا بدون هذا الإمام المنتظر علم أنه لا حاجة إليه ، ولا يتوقف عليه طاعة الله ورسوله [5] ، ولا نجاة أحد ، ولا سعادته ، وحينئذ فيمتنع القول بجواز إمامة مثل هذا ، فضلا عن القول بوجوب إمامة مثل هذا ، وهذا أمر بين لمن تدبره لكن الرافضة من أجهل الناس .

                  وذلك أن فعل الواجبات العقلية الشرعية ، وترك المستقبحات العقلية ، والشرعية إما أن يكون موقوفا على معرفة ما يأمر به ، وينهى عنه هذا المنتظر ، وإما أن لا يكون موقوفا ، فإذا كان موقوفا لزم تكليف ما لا يطاق ، وأن يكون فعل الواجبات ، وترك المحرمات موقوفا على شرط لا يقدر عليه عامة الناس ، بل ولا أحد منهم ، فإنه ليس في الأرض من يدعي دعوى صادقة أنه رأى هذا المنتظر ، أو سمع كلامه ، وإن لم يكن موقوفا على ذلك أمكن فعل الواجبات العقلية والشرعية ، وترك القبائح العقلية والشرعية بدون هذا المنتظر ، فلا يحتاج إليه ، ولا يجب وجوده ، ولا شهوده .

                  [ ص: 89 ] وهؤلاء الرافضة علقوا نجاة الخلق ، وسعادتهم ، وطاعتهم لله ورسوله بشرط ممتنع لا يقدر عليه الناس ، بل [6] ولا يقدر عليه أحد منهم ، وقالوا للناس : لا يكون أحد ناجيا من عذاب الله بذلك ، ولا يكون سعيدا إلا بذلك ، ولا يكون أحد مؤمنا إلا بذلك .

                  فلزم أحد أمرين : إما بطلان قولهم ، وإما أن يكون الله قد آيس عباده من رحمته ، وأوجب عذابه لجميع الخلق المسلمين ، وغيرهم ، وعلى هذا التقدير ، فهم أول الأشقياء المعذبين ، فإنه ليس لأحد منهم طريق إلى معرفة أمر هذا الإمام الذي يعتقدون أنه موجود غائب ، ولا نهيه ، ولا خبره ، بل عندهم من الأقوال المنقولة عن شيوخ الرافضة ما يذكرون أنه منقول عن الأئمة [ المتقدمين على هذا المنتظر ] [7] ، وهم لا ينقلون شيئا عن المنتظر ، وإن قدر أن بعضهم نقل عنه شيئا علم أنه كاذب ، وحينئذ فتلك الأقوال إن كانت كافية ، فلا حاجة إلى المنتظر ، وإن لم تكن كافية ، فقد أقروا بشقائهم ، وعذابهم حيث كانت سعادتهم موقوفة على آمر لا يعلمون بماذا أمر .

                  وقد رأيت طائفة من شيوخ الرافضة كابن العود الحلي [8] يقول : إذا اختلفت الإمامية على قولين أحدهما يعرف قائله ، والآخر لا يعرف قائله ، كان القول الذي لا يعرف قائله هو القول الحق الذي يجب اتباعه ؛ لأن المنتظر المعصوم في تلك الطائفة .

                  [ ص: 90 ] وهذا غاية الجهل ، والضلال ، فإنه بتقدير وجود المنتظر المعصوم لا يعلم أنه قال ذلك القول إذ لم ينقله عنه أحد [9] ، ولا عمن نقله عنه ، فمن أين يجزم بأنه قوله ؟ ولم لا يجوز أن يكون القول الآخر هو قوله ، وهو لغيبته ، وخوفه من الظالمين لا يمكنه إظهار قوله ، كما يدعون ذلك فيه ؟ .

                  فكان أصل دين هؤلاء الرافضة مبنيا على مجهول ، ومعدوم لا على موجود ، ولا معلوم يظنون أن إمامهم موجود معصوم ، وهو مفقود معدوم ، ولو كان موجودا معصوما ، فهم معترفون بأنهم لا يقدرون أن يعرفوا أمره ونهيه ، كما [ كانوا ] [10] يعرفون أمر آبائه ، ونهيهم .

                  والمقصود بالإمام إنما هو طاعة أمره ، فإذا كان العلم بأمره ممتنعا كانت طاعته ممتنعة ، فكان المقصود [ به ] [11] ممتنعا ، فكان المقصود به ممتنعا ، وإذا كان المقصود [ به ] [12] ممتنعا لم يكن . [ في ] [13] إثبات الوسيلة فائدة أصلا ، بل كان إثبات الوسيلة التي لا يحصل بها مقصودها من باب السفه ، والعبث ، والعذاب القبيح باتفاق أهل الشرع ، [ وباتفاق ] [14] العقلاء القائلين بتحسين العقول ، وتقبيحها [15] ، بل باتفاق العقلاء مطلقا ، فإنهم إذا فسروا القبح [16] بما يضر كانوا متفقين على أن معرفة الضار يعلم بالعقل ، والإيمان بهذا الإمام الذي [ ص: 91 ] ليس فيه منفعة ، بل مضرة في العقل ، والنفس ، والبدن ، والمال ، وغير ذلك قبيح شرعا ، وعقلا [17] .

                  ولهذا كان المتبعون له من أبعد الناس عن مصلحة الدين والدنيا ، لا تنتظم لهم مصلحة دينهم ، ولا دنياهم إن [18] لم يدخلوا في طاعة غيرهم ، كاليهود الذين لا تنتظم لهم مصلحة إلا بالدخول في طاعة من هو خارج عن دينهم ، فهم يوجبون وجود الإمام المنتظر المعصوم ؛ لأن مصلحة الدين والدنيا لا تحصل إلا به عندهم ، وهم لم يحصل لهم بعد المنتظر مصلحة في الدين ولا في الدنيا ، والذين كذبوا به لم تفتهم مصلحة في الدين ولا في الدنيا ، بل كانوا أقوم بمصالح الدين والدنيا من أتباعه .

                  فعلم بذلك أن قولهم في الإمامة لا ينال به إلا ما يورث الخزي ، والندامة ، وأنه ليس فيه شيء من الكرامة ، وأن ذلك إذا كان أعظم مطالب الدين ، فهم أبعد الناس عن الحق ، والهدى في أعظم مطالب الدين ، وإن لم يكن أعظم مطالب الدين ظهر بطلان ما ادعوه من ذلك ، فثبت بطلان قولهم على التقديرين ، وهو المطلوب .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية