وأيضا : فصاحب الزمان الذي [1] يدعون إليه ، ولا معرفة ما يأمرهم به ، وما ينهاهم عنه ، وما يخبرهم به ، فإن . [ ص: 88 ] كان أحد لا يصير سعيدا إلا بطاعة هذا الذي لا يعرف أمره ، ولا نهيه لزم أنه لا سبيل للناس إلى معرفته [2] . لا يتمكن أحد من طريق النجاة ، والسعادة ، وطاعة الله ، وهذا من أعظم تكليف ما لا يطاق ، وهم [3] من أعظم الناس إحالة له .
وإن [4] قيل : بل هو يأمر بما عليه الإمامية .
قيل : فلا حاجة إلى وجوده ، ولا شهوده ، فإن هذا معروف سواء كان هو حيا ، أو ميتا ، وسواء كان شاهدا ، أو غائبا ، وإذا كان معرفة ما أمر الله به الخلق ممكنا بدون هذا الإمام المنتظر علم أنه لا حاجة إليه ، ولا يتوقف عليه طاعة الله ورسوله [5] ، ولا نجاة أحد ، ولا سعادته ، وحينئذ فيمتنع القول بجواز إمامة مثل هذا ، فضلا عن القول بوجوب إمامة مثل هذا ، وهذا أمر بين لمن تدبره لكن الرافضة من أجهل الناس .
وذلك أن فعل الواجبات العقلية الشرعية ، وترك المستقبحات العقلية ، والشرعية إما أن يكون موقوفا على معرفة ما يأمر به ، وينهى عنه هذا المنتظر ، وإما أن لا يكون موقوفا ، فإذا كان موقوفا لزم تكليف ما لا يطاق ، وأن يكون فعل الواجبات ، وترك المحرمات موقوفا على شرط لا يقدر عليه عامة الناس ، بل ولا أحد منهم ، فإنه ليس في الأرض من يدعي دعوى صادقة أنه رأى هذا المنتظر ، أو سمع كلامه ، وإن لم يكن موقوفا على ذلك أمكن فعل الواجبات العقلية والشرعية ، وترك القبائح العقلية والشرعية بدون هذا المنتظر ، فلا يحتاج إليه ، ولا يجب وجوده ، ولا شهوده .
[ ص: 89 ] وهؤلاء الرافضة علقوا نجاة الخلق ، وسعادتهم ، وطاعتهم لله ورسوله بشرط ممتنع لا يقدر عليه الناس ، بل [6] ولا يقدر عليه أحد منهم ، وقالوا للناس : لا يكون أحد ناجيا من عذاب الله بذلك ، ولا يكون سعيدا إلا بذلك ، ولا يكون أحد مؤمنا إلا بذلك .
فلزم أحد أمرين : إما بطلان قولهم ، وإما أن يكون الله قد آيس عباده من رحمته ، وأوجب عذابه لجميع الخلق المسلمين ، وغيرهم ، وعلى هذا التقدير ، فهم أول الأشقياء المعذبين ، فإنه ليس لأحد منهم طريق إلى معرفة أمر هذا الإمام الذي يعتقدون أنه موجود غائب ، ولا نهيه ، ولا خبره ، بل عندهم من الأقوال المنقولة عن شيوخ الرافضة ما يذكرون أنه منقول عن الأئمة [ المتقدمين على هذا المنتظر ] [7] ، وهم لا ينقلون شيئا عن المنتظر ، وإن قدر أن بعضهم نقل عنه شيئا علم أنه كاذب ، وحينئذ فتلك الأقوال إن كانت كافية ، فلا حاجة إلى المنتظر ، وإن لم تكن كافية ، فقد أقروا بشقائهم ، وعذابهم حيث كانت سعادتهم موقوفة على آمر لا يعلمون بماذا أمر .
وقد رأيت طائفة من شيوخ الرافضة كابن العود الحلي [8] يقول : الإمامية على قولين أحدهما يعرف قائله ، والآخر لا يعرف قائله ، كان القول الذي لا يعرف قائله هو القول الحق الذي يجب اتباعه ؛ لأن المنتظر المعصوم في تلك الطائفة . إذا اختلفت
[ ص: 90 ] وهذا غاية الجهل ، والضلال ، فإنه بتقدير وجود المنتظر المعصوم لا يعلم أنه قال ذلك القول إذ لم ينقله عنه أحد [9] ، ولا عمن نقله عنه ، فمن أين يجزم بأنه قوله ؟ ولم لا يجوز أن يكون القول الآخر هو قوله ، وهو لغيبته ، وخوفه من الظالمين لا يمكنه إظهار قوله ، كما يدعون ذلك فيه ؟ .
فكان الرافضة مبنيا على مجهول ، ومعدوم لا على موجود ، ولا معلوم يظنون أن إمامهم موجود معصوم ، وهو مفقود معدوم ، ولو كان موجودا معصوما ، فهم معترفون بأنهم لا يقدرون أن يعرفوا أمره ونهيه ، كما [ كانوا ] أصل دين هؤلاء [10] يعرفون أمر آبائه ، ونهيهم .
والمقصود بالإمام إنما هو طاعة أمره ، فإذا كان العلم بأمره ممتنعا كانت طاعته ممتنعة ، فكان المقصود [ به ] [11] ممتنعا ، فكان المقصود به ممتنعا ، وإذا كان المقصود [ به ] [12] ممتنعا لم يكن . [ في ] [13] إثبات الوسيلة فائدة أصلا ، بل كان إثبات الوسيلة التي لا يحصل بها مقصودها من باب السفه ، والعبث ، والعذاب القبيح باتفاق أهل الشرع ، [ وباتفاق ] [14] العقلاء القائلين بتحسين العقول ، وتقبيحها [15] ، بل باتفاق العقلاء مطلقا ، فإنهم إذا فسروا القبح [16] بما يضر كانوا متفقين على أن معرفة الضار يعلم بالعقل ، والإيمان بهذا الإمام الذي [ ص: 91 ] ليس فيه منفعة ، بل مضرة في العقل ، والنفس ، والبدن ، والمال ، وغير ذلك قبيح شرعا ، وعقلا [17] .
ولهذا كان المتبعون له من أبعد الناس عن مصلحة الدين والدنيا ، لا تنتظم لهم مصلحة دينهم ، ولا دنياهم إن [18] لم يدخلوا في طاعة غيرهم ، كاليهود الذين لا تنتظم لهم مصلحة إلا بالدخول في طاعة من هو خارج عن دينهم ، فهم يوجبون وجود الإمام المنتظر المعصوم ؛ لأن مصلحة الدين والدنيا لا تحصل إلا به عندهم ، وهم لم يحصل لهم بعد المنتظر مصلحة في الدين ولا في الدنيا ، والذين كذبوا به لم تفتهم مصلحة في الدين ولا في الدنيا ، بل كانوا أقوم بمصالح الدين والدنيا من أتباعه .
فعلم بذلك أن ، والهدى في أعظم مطالب الدين ، وإن لم يكن أعظم مطالب الدين ظهر بطلان ما ادعوه من ذلك ، فثبت بطلان قولهم على التقديرين ، وهو المطلوب . قولهم في الإمامة لا ينال به إلا ما يورث الخزي ، والندامة ، وأنه ليس فيه شيء من الكرامة ، وأن ذلك إذا كان أعظم مطالب الدين ، فهم أبعد الناس عن الحق