وبالجملة أهل السنة والجماعة ، أهل الحديث ومن انتسب إلى السنة والجماعة [ من أهل التفسير والحديث والفقه والتصوف كالأئمة الأربعة وأئمة أتباعهم ]
[1] ، والطوائف المنتسبين إلى الجماعة
[2] كالكلابية والكرامية والأشعرية والسالمية يقولون : إن كلام الله
[3] غير مخلوق [
nindex.php?page=treesubj&link=28744والقرآن كلام الله غير مخلوق ]
[4] . وهذا هو المتواتر
[5] [ المستفيض ]
[6] عن السلف والأئمة [ من أهل البيت وغيرهم ]
[7] .
[8] [ " والنقول بذلك متواترة مستفيضة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وتابعي تابعيهم ، وفي ذلك مصنفات متعددة لأهل الحديث والسنة يذكرون فيها مقالات السلف بالأسانيد الثابتة عنهم ، وهي معروفة عند أهلها ، وذلك مثل كتاب " الرد على الجهمية "
لمحمد بن عبد الله [ ص: 364 ] الجعفي [9] nindex.php?page=showalam&ids=14274ولعثمان بن سعيد الدارمي ، وكذلك " نقض
عثمان بن سعيد على
nindex.php?page=showalam&ids=15211بشر المريسي [10] والرد على
الجهمية "
لعبد الرحمن بن أبي حاتم [11] ، وكتاب " السنة "
لعبد الله بن الإمام أحمد - رضي الله عنه -
[12] nindex.php?page=showalam&ids=13665ولأبي بكر الأثرم [13] وللخلال [14] ، وكتاب " خلق
[ ص: 365 ] أفعال العباد "
nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري [15] وكتاب " التوحيد "
لأبي بكر بن خزيمة [16] ، وكتاب " السنة "
لأبي القاسم الطبراني [17] ،
nindex.php?page=showalam&ids=11868ولأبي الشيخ الأصبهاني [18] ،
nindex.php?page=showalam&ids=13568ولأبي عبد الله بن منده [19] ، " والأسماء والصفات "
لأبي بكر البيهقي [20] . ،
[ ص: 366 ] و " السنة "
لأبي ذر الهروي [21] \ 65 . ، و " الإبانة "
لابن بطة [22] . ، و " شرح أصول السنة "
لأبي القاسم اللالكائي [23] . ، و " السنة "
لأبي حفص بن شاهين [24] . ، و " أصول السنة "
لأبي عمر [ ص: 367 ] الطلمنكي [25] . .
ولكن بعد ذلك تنازع المتأخرون على الأقوال السبعة المتأخرة
[26] .
وأما
[27] . القولان الأولان : فالأول :
nindex.php?page=treesubj&link=28744_29454_29453قول الفلاسفة الدهرية القائلين بقدم العالم والصابئة المتفلسفة ونحوهم ، والثاني : قول
الجهمية من
المعتزلة ومن وافقهم [ من ]
النجارية [28] .
والضرارية . وأما
الشيعة فمتنازعون
[29] . في هذه المسألة ، وقد حكينا النزاع عنهم فيما تقدم
[30] . ، وقدماؤهم كانوا يقولون : القرآن غير مخلوق ، كما يقوله : أهل السنة والحديث . وهذا [ القول ]
[31] . هو المعروف عن
[32] . أهل البيت
كعلي [ ص: 368 ] بن أبي طالب [ رضي الله عنه ]
[33] . وغيره ، مثل
أبي جعفر الباقر وجعفر [ بن محمد ] [34] . الصادق وغيرهم .
[ ولهذا كانت
الإمامية لا تقول : إنه مخلوق لما بلغهم نفي ذلك عن أئمة أهل البيت ، وقالوا : إنه محدث مجهول ، ومرادهم بذلك أنه مخلوق ، وظنوا أن أهل البيت نفوا أنه غير مخلوق ، أي مكذوب مفترى .
ولا ريب أن هذا المعنى منتف باتفاق المسلمين : من قال : إنه مخلوق ، ومن قال : إنه غير مخلوق . والنزاع بين أهل القبلة إنما كان في كونه مخلوقا خلقه الله ، أو هو كلامه الذي تكلم به وقام بذاته . وأهل البيت إنما سئلوا عن هذا ، وإلا فكونه مكذوبا مفترى مما لا ينازع مسلم في بطلانه ]
[35] .
ولكن
nindex.php?page=treesubj&link=28833_28743_28744_28725_30451_21385الإمامية تخالف أهل البيت في عامة أصولهم ، فليس في
[36] . أئمة أهل البيت - مثل
nindex.php?page=showalam&ids=16600علي بن الحسين ،
وأبي جعفر الباقر وابنه
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد الصادق من كان ينكر الرؤية ، أو يقول بخلق القرآن
[37] . ، أو ينكر القدر ، أو يقول بالنص على
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، أو بعصمة الأئمة الاثني عشر ، أو يسب
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر [38] . .
[ ص: 369 ] والمنقولات الثابتة المتواترة عن هؤلاء معروفة موجودة ، وكانت مما يعتمد عليه أهل السنة
[39] .
وشيوخ
الرافضة معترفون بأن هذا الاعتقاد في التوحيد والصفات والقدر لم يتلقوه لا عن كتاب ولا سنة ولا عن أئمة أهل البيت ، وإنما يزعمون أن العقل دلهم عليه ، كما يقول ذلك
المعتزلة ، [ وهم في الحقيقة إنما تلقوه عن
المعتزلة وهم شيوخهم في التوحيد والعدل ]
[40] . ، وإنما يزعمون أنهم تلقوا عن الأئمة الشرائع . وقولهم في الشرائع غالبه موافق لمذهب أهل السنة - [ أو بعض أهل السنة ]
[41] . - [ ولهم مفردات شنيعة لم يوافقهم عليها أحد ]
[42] . ، ولهم مفردات عن المذاهب الأربعة قد قال بها غير [ الأربعة ]
[43] . ، من السلف وأهل الظاهر وفقهاء
المعتزلة وغير هؤلاء ، فهذه ونحوها من مسائل الاجتهاد التي يهون الأمر فيها ، بخلاف الشاذ الذي يعرف أنه لا أصل له في كتاب الله
[44] . ولا سنة رسوله [ - صلى الله عليه وسلم - ]
[45] . ولا سبقهم إليه
[46] . أحد .
[ ولم يقل أحد من علماء المسلمين إن الحق منحصر في أربعة من علماء المسلمين
nindex.php?page=showalam&ids=11990كأبي حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، كما يشنع
[ ص: 370 ] بذلك
الشيعة على أهل السنة ، فيقولون : إنهم يدعون أن الحق منحصر فيهم . بل
nindex.php?page=treesubj&link=29641_29614أهل السنة متفقون على أن ما تنازع فيه المسلمون وجب رده إلى الله والرسول ، وأنه قد يكون قول ما يخالف قول الأربعة : من أقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، وقول هؤلاء الأربعة
[47] . مثل :
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه وغيرهم أصح من قولهم .
فالشيعة إذا وافقت بعض هذه الأقوال الراجحة كان قولها في تلك المسألة راجحا ، ليست لهم مسألة واحدة فارقوا بها جميع أهل السنة المثبتين لخلافة الثلاثة ( إلا )
[48] . وقولهم فيها فاسد . وهكذا
المعتزلة وسائر الطوائف
كالأشعرية والكرامية والسالمية ليس لهم قول انفردوا به عن جميع طوائف الأمة إلا وهو قول فاسد ، والقول الحق يكون مأثورا عن السلف وقد سبق هؤلاء الطوائف إليه ]
[49] .
وإذا عرفت المذاهب فيقال : لهذا : قولك
[50] . : " إن أمره ونهيه وإخباره حادث لاستحالة أمر المعدوم ونهيه وإخباره " : أتريد به أنه حادث في ذاته ؟ أم حادث منفصل عنه ؟
[ ص: 371 ] والأول قول أئمة
الشيعة [51] . المتقدمين [
والجهمية ]
[52] .
والمرجئة والكرامية مع كثير من أهل الحديث وغيرهم .
ثم إذا قيل : " حادث " أهو حادث النوع فيكون الرب قد صار متكلما بعد أن لم يكن متكلما ؟ أم حادث الأفراد وأنه لم يزل متكلما إذا شاء ؟ والكلام الذي كلم به
موسى مثلا
[53] . هو حادث وإن كان نوع كلامه قديما لم يزل ؟ .
فهذه ثلاثة أنواع تحت قولك ، وقد علم أنك إنما
[54] . أردت النوع الأول ، وهو قول [ متأخري
الشيعة ]
[55] . الذين جمعوا بين التشيع والاعتزال ، فقالوا : إنه مخلوق خلقه الله منفصلا عنه
[56] .
]
والإمامية وإن قالوا : هو محدث ، وامتنعوا أن يقولوا : هو مخلوق ، فمرادهم بالمحدث هو مراد هؤلاء بالمخلوق ، وإنما النزاع بينهم لفظي ]
[57] .
فيقال : لك
[58] . : إذا كان الله قد خلقه [ وأحدثه ]
[59] . منفصلا عنه لم يكن كلامه ، فإن الكلام والقدرة والعلم وسائر الصفات إنما يتصف بها من
[ ص: 372 ] قامت به لا من خلقها في غيره وأحدثها
[60] ، ولهذا إذا خلق الله حركة وعلما وقدرة في محل
[61] كان ذلك المحل
[62] هو المتحرك العالم القادر بتلك الصفات ، ولم تكن تلك صفات لله
[63] بل مخلوقات له ، ولو كان متصفا بمخلوقاته المنفصلة عنه لكان إذا أنطق الجامدات ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10ياجبال أوبي معه والطير ) [ سورة سبأ : 10 ] . وكما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=24يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ) [ سورة النور : 24 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=21وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء ) [ سورة فصلت : 21 ] وكما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=65اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ) [ سورة يس : 65 ] ; ومثل تسليم الحجر على النبي - صلى الله عليه وسلم - وتسبيح الحصى بيده ، وتسبيح الطعام وهم يأكلونه ، فإذا كان كلام الله لا يكون إلا ما خلقه في غيره وجب أن يكون هذا كله كلام الله فإنه خلقه في غيره ، وإذا تكلمت الأيدي فينبغي أن يكون ذاك كلام الله . كما يقولون : إنه خلق كلاما في الشجرة كلم به
[64] موسى بن عمران .
وأيضا ، ، فإذا كان الدليل قد قام على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28785الله تعالى خالق أفعال العباد وأقوالهم ، وهو المنطق لكل ناطق ، وجب أن يكون كل كلام في الوجود كلامه ، وهذا قالته الحلولية
[65] من
الجهمية كصاحب " الفصوص "
nindex.php?page=showalam&ids=12816ابن عربي ، قال :
[ ص: 373 ] وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه
[66] وحينئذ فيكون قول
فرعون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أنا ربكم الأعلى ) [ سورة النازعات : 24 ] كلام الله ، كما أن الكلام المخلوق في الشجرة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14إنني أنا الله لا إله إلا أنا ) [ سورة طه : 14 ] [ يقولون : إنه مخلوق في الشجرة ، أو غيرها ، وهو ]
[67] كلام الله .
وأيضا ، فالرسل الذين خاطبوا الناس وأخبروهم أن الله قال ، ونادى ، وناجى ، ويقول ، لم يفهموهم أن هذه مخلوقات منفصلة عنه ، بل الذي أفهموهم إياه
[68] أن الله نفسه هو الذي تكلم ، والكلام قائم به لا بغيره ، ولهذا عاب
[69] الله من يعبد إلها لا يتكلم فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=89أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ) [ سورة طه : 89 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=148ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا ) [ سورة الأعراف : 148 ] ولا يحمد شيء بأنه يتكلم ويذم بأنه لا يتكلم
[70] إلا إذا كان الكلام قائما به .
وبالجملة لا يعرف في لغة ولا عقل قائل متكلم إلا من يقوم به القول والكلام ، [ لا يعقل في لغة أحد - لا لغة الرسل ولا غيرهم - ولا في عقل أحد أن المتكلم يكون متكلما بكلام لم يقم به قط بل هو بائن عنه أحدثه في غيره ، كما لا يعقل أنه متحرك بحركة خلقها في غيره ، ولا يعقل أنه
[ ص: 374 ] متلون بلون خلقه في غيره ، ولا متروح برائحة خلقها في غيره . وطرد ذلك أنه يعقل أنه مريد بإرادة أحدثها في غيره ، ولا محب وراض وغضبان وساخط برضى ومحبة وغضب وسخط خلقه في غيره .
وهؤلاء النفاة يصفونه بما لا يقوم به : تارة بما يخلقه في غيره كالكلام والإرادة ، وتارة بما لا يقوم به ولا بغيره كالعلم والقدرة ، وهذا أيضا غير معقول ]
[71] ; فلا
[72] يعقل حي إلا من تقوم به الحياة ، ولا عالم إلا من يقوم به العلم ، [ كما لا يعقل باتفاق العقلاء ]
[73] متحرك إلا من تقوم به الحركة ، [ وطرد هذا أنه لا يعقل ]
[74] فاعل إلا من يقوم به الفعل .
[ وقد سلم
الأشعرية - ومن وافقهم
كابن عقيل وغيره - فاعلا لا يقوم به الفعل : كعادل لا يقوم به العدل ، وخالق ورازق لا يقوم به الخلق والرزق .
وهذا مما احتجت به عليهم
المعتزلة ، فقالوا : كما جاز أن يكون عادلا خالقا رازقا بعدل وخلق ورزق لا يقوم به ، فكذلك عالم وقادر ومتكلم .
والسلف رضي الله عنهم وجمهور أهل السنة يطردون أصلهم ، ولهذا احتج
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد رضي الله عنه وغيره على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28743_28744كلام الله غير مخلوق بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=695759أعوذ بكلمات الله تعالى التامات التي [ ص: 375 ] لا يجاوزهن بر ولا فاجر [75] " . قالوا : لا يستعاذ بمخلوق . وكذلك ثبت عنه أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=667349اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك [76] . وقالوا :
nindex.php?page=treesubj&link=28680_28681لا يستعاذ بمخلوق ، وقد
nindex.php?page=treesubj&link=28681_28680استعاذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرضا والمعافاة ; فكان ذلك عند أئمة السنة مما يقوم بالرب تعالى كما تقوم به كلماته ، ليس من المخلوقات التي لا تكون إلا بائنة عنه ]
[77] .
[ ص: 376 ] فمن قال : إن المتكلم هو الذي يكون كلامه منفصلا عنه ، [ والمريد والمحب والمبغض والراضي والساخط ما تكون إرادته ومحبته وبغضه ورضاه وسخطه بائنا عنه لا يقوم به بحال من الأحوال ]
[78] ، قال ما لا يعقل ، ولم يفهم الرسل للناس هذا ، بل كل من سمع ما بلغته الرسل عن الله يعلم بالضرورة أن الرسل لم ترد بكلام الله ما هو منفصل ] عن الله وكذلك لم ترد بإرادته ومحبته ورضاه ونحو ذلك ما هو منفصل [
[79] عنه
[80] بل ما
[81] هو متصف به .
قالت الجهمية والمعتزلة
[82] : المتكلم من فعل الكلام ، والله [ تعالى ]
[83] لما أحدث الكلام في غيره صار متكلما .
فيقال : لهم : للمتأخرين المختلفين هنا ثلاثة أقوال
[84] قيل : المتكلم من فعل الكلام ولو كان منفصلا ، [ وهذا إنما قاله هؤلاء ]
[85] .
وقيل : المتكلم من قام به الكلام ، ولو لم يكن بفعله
[86] ولا [ هو ] بمشيئته و [ لا ] قدرته
[87] ، وهذا قول
الكلابية والسالمية ومن وافقهم .
[ ص: 377 ] وقيل : المتكلم من تكلم بفعله ومشيئته وقدرته وقام به [ الكلام ]
[88] ، وهذا قول أكثر أهل الحديث وطوائف من
الشيعة والمرجئة والكرامية وغيرهم .
فأولئك يقولون : هو صفة فعل منفصل عن الموصوف لا صفة ذات . والصنف الثاني يقولون : صفة ذات لازمة للموصوف لا تتعلق بمشيئته ولا قدرته . والآخرون يقولون هو صفة ذات وصفة فعل ، وهو قائم به متعلق
[89] بمشيئته وقدرته . وإذا
[90] كان كذلك فقولهم
[91] : إنه صفة فعل ينازعهم
[92] فيه طائفة وإذا لم ينازعوا في هذا ، فيقال : هب أنه صفة فعل منفصلة عن القائل الفاعل ، أو قائمة به
[93] . أما الأول فهو قولكم الفاسد ، وكيف تكون الصفة غيره قائمة بالموصوف ، أو القول غير قائم بالقائل .
[ وقول القائل :
nindex.php?page=treesubj&link=28720الصفات تنقسم إلى صفة ذات وصفة فعل - ويفسر صفة الفعل بما هو بائن عن الرب كلام متناقض كيف يكون صفة للرب وهو لا يقوم به بحال ، بل هو مخلوق بائن عنه ؟
وهذا وإن كانت
الأشعرية قالته تبعا
للمعتزلة فهو خطأ في نفسه ، فإن إثبات صفات الرب وهي مع ذلك مباينة له جمع بين المتناقضين
[ ص: 378 ] المتضادين ، بل حقيقة قول هؤلاء : إن الفعل لا يوصف به الرب ، فإن الفعل هو المخلوق ، والمخلوق لا يوصف به الخالق ، ولو كان الفعل الذي هو المفعول صفة له لكانت جميع المخلوقات صفات للرب ، وهذا لا يقوله : عاقل فضلا عن مسلم ]
[94] .
فإن قلتم : هذا بناء على أن فعل الله لا يقوم به ، لأنه لو قام به لقامت به الحوادث .
قيل : والجمهور ينازعونكم في هذا الأصل ، ويقولون : كيف يعقل فعل لا يقوم بفاعل ، ونحن نعقل الفرق بين نفس الخلق والتكوين
[95] وبين المخلوق المكون ؟
وهذا قول جمهور الناس كأصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة . وهو الذي حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13889البغوي [96] وغيره من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن أهل السنة ، وهو قول أئمة أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد كأبي إسحاق بن شاقلا [97] وأبي بكر عبد العزيز [98] وأبي عبد الله بن حامد [99] [
nindex.php?page=showalam&ids=14953والقاضي أبي يعلى في آخر قوليه ]
[100] [ وهو ] قول
[101] أئمة الصوفية وأئمة أصحاب الحديث ، [ وحكاه
[ ص: 379 ] nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتاب " خلق أفعال العباد " عن العلماء مطلقا ]
[102] وهو قول طوائف من
المرجئة والشيعة والكرامية وغيرهم
[103] . ثم القائلون بقيام فعله به ، منهم من يقول : فعله قديم والمفعول متأخر ، كما أن إرادته قديمة والمراد متأخر ، كما يقول ذلك من يقوله من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وغيرهم ، [ وهو الذي ذكره
الثقفي وغيره من
الكلابية لما وقعت المنازعة بينهم وبين
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة ]
[104] .
[ ومنهم من يقول : بل هو حادث النوع ، كما يقول ذلك من يقوله من
الشيعة والمرجئة والكرامية ]
[105] .
ومنهم من يقول : هو يقع
[106] بمشيئته وقدرته شيئا فشيئا لكنه لم يزل متصفا به ، فهو حادث الآحاد قديم النوع ، كما يقول ذلك من يقوله من أئمة أصحاب الحديث وغيرهم من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد
وسائر الطوائف [
nindex.php?page=treesubj&link=29627_29626منهم من يقول : بل الخلق حادث قائم بالمخلوق ، كما يقوله هشام بن الحكم وغيره ، ومنهم من يقول : بل هو قائم بنفسه لا في محل ، كما يقوله :
nindex.php?page=showalam&ids=11922أبو الهذيل العلاف وغيره ، ومنهم من يقول بمعان قائمة بنفسها لا تتناهى ، كما يقوله :
معمر بن عباد [107] وغيره ]
[108] .
[ ص: 380 ] وإذا كان الجمهور ينازعونكم فتقدر
[109] المنازعة بينكم وبين أئمتكم من الشيعة ومن وافقهم ; فإن هؤلاء يوافقونكم على أنه حادث لكن يقولون : هو قائم بذات الله فيقولون : قد جمعنا بين حجتنا وحجتكم
[110] ، فقلنا العدم لا يؤمر
[111] ولا ينهى ، وقلنا : الكلام لا بد أن يقوم بالمتكلم .
فإن قلتم لنا : قد قلتم بقيام الحوادث بالرب . قالوا لكم
[112] : نعم ، وهذا قولنا الذي دل عليه الشرع والعقل ، ومن لم يقل إن البارئ يتكلم ، ويريد ، ويحب ويبغض ويرضى ، ويأتي ويجيء ، فقد ناقض كتاب الله [ تعالى ]
[113] . ومن قال : إنه لم يزل
[114] ينادي
موسى في الأزل ، فقد خالف كلام الله مع مكابرة العقل ، لأن الله يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=8فلما جاءها نودي ) [ سورة النمل : 8 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=82إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) [ سورة يس : 82 ] ، فأتى بالحروف الدالة على الاستقبال . قالوا : وبالجملة فكل ما يحتج به
المعتزلة والشيعة مما يدل على أن كلامه متعلق بمشيئته [ وقدرته ]
[115] ، وأنه يتكلم
[116] إذا شاء ، وأنه يتكلم شيئا بعد شيء فنحن نقول به ، وما يقول به من يقول : إن كلام الله قائم بذاته ، وإنه صفة له ، والصفة لا تقوم إلا بالموصوف فنحن نقول به ، وقد أخذنا
[ ص: 381 ] بما في قول كل من الطائفتين من الصواب ، وعدلنا عما يرده الشرع والعقل من قول كل منهما .
فإذا قالوا لنا : فهذا يلزم
[117] أن تكون الحوادث قامت به . قلنا : ومن أنكر هذا قبلكم من السلف والأئمة ؟ ونصوص القرآن والسنة تتضمن ذلك مع صريح العقل ، وهو قول لازم لجميع الطوائف ، ومن أنكره فلم يعرف لوازمه وملزوماته . ولفظ " الحوادث " مجمل ، فقد يراد به الأمراض
[118] والنقائص ، والله [ تعالى ]
[119] منزه عن ذلك [ كما نزه نفسه عن السنة والنوم واللغوب ، وعن أن يئوده حفظ السماوات والأرض وغير ذلك مما هو منزه عنه بالنص والإجماع . ثم إن كثيرا من نفاة الصفات -
المعتزلة وغيرهم - يجعلون مثل هذا حجة في نفي قيام الصفات ، أو قيام الحوادث به مطلقا ، وهو غلط منهم ، فإن نفي الخاص لا يستلزم نفي العام ، ولا يجب إذا نفيت عنه النقائص والعيوب أن ينتفي عنه ما هو من صفات الكمال ونعوت الجلال ]
[120] . ولكن يقوم به ما يشاؤه
[121] ويقدر عليه من كلامه وأفعاله
[122] ونحو ذلك مما دل عليه الكتاب والسنة .
[ ص: 382 ] ونحن
[123] نقول لمن أنكر قيام ذلك به : أتنكره
[124] لإنكارك قيام الصفة به كإنكار
المعتزلة ؟ أم تنكره لأن من قامت به الحوادث لم يخل منها ، ونحو ذلك مما يقوله
الكلابية ؟
فإن قال بالأول كان الكلام في أصل الصفات وفي كون الكلام قائما بالمتكلم لا منفصلا عنه
[125] كافيا في هذا الباب . وإن كان الثاني قلنا لهؤلاء
[126] : أتجوزون حدوث الحوادث بلا سبب حادث أم لا ؟ فإن جوزتم ذلك - وهو قولكم - لزم أن يفعل الحوادث من
[127] لم يكن فاعلا لها ولا لضدها
[128] فإذا جاز هذا [ فلم ] لا يجوز أن تقوم الحوادث بمن لم تكن
[129] قائمة به هي ولا ضدها ؟
ومعلوم أن الفعل أعظم من القبول
[130] ، فإذا جاز فعلها بلا سبب حادث فكذلك قيامها بالمحل
[131] ، فإن قلتم : القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده . ( 10 قلنا : هذا ممنوع ولا دليل لكم عليه 10 )
[132] ، [ ثم إذا سلم ذلك فهو كقول
[ ص: 383 ] القائل : القدر على الشيء لا يخلو عن فعله وفعل ضده ، وأنتم تقولون : إنه لم يزل قادرا ، ولم يكن فاعلا ولا تاركا ، لأن الترك عندكم أمر وجودي مقدور ، وأنتم تقولون : لم يكن فاعلا لشيء من مقدوراته في الأزل مع كونه قادرا ، بل تقولون : إنه يمتنع وجود مقدوره في الأزل مع كونه قادرا عليه .
وإذا كان هذا قولكم فلأن لا يجب وجود المقبول في الأزل بطريق الأولى والأحرى ، فإن هذا المقبول مقدور لا يوجد إلا بقدرته ، وأنتم تجوزون وجود قادر مع امتناع مقدوره في حال كونه قادرا ]
[133] .
( 2 ثم نقول : إن كان القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده 2 )
[134] لزم تسلسل الحوادث ، وتسلسل الحوادث إن كان ممكنا كان القول الصحيح قول أهل الحديث الذين يقولون : لم يزل متكلما إذا شاء كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل وغيرهما من أئمة السنة . وإن لم يكن جائزا [ أمكن أن يقوم به الحادث بعد أن لم يكن قائما به ، كما يفعل الحوادث بعد أن لم يكن فاعلا لها ]
[135] وكان
[136] قولنا هو الصحيح ، فقولكم أنتم باطل على [ كلا ]
[137] التقديرين . فإن قلتم لنا : أنتم توافقونا على امتناع تسلسل الحوادث ، وهو حجتنا وحجتكم على [ نفي ]
[138] قدم العالم .
[ ص: 384 ] قلنا لكم : موافقتنا لكم حجة جدلية ، وإذا كنا قد قلنا بامتناع تسلسل الحوادث موافقة لكم ، وقلنا
[139] بأن القابل
[140] للشيء قد يخلو عنه وعن ضده مخالفة لكم . وأنتم تقولون : إن قبل الحوادث
[141] لزم تسلسلها وأنتم لا تقولون بذلك
[142] .
قلنا : إن صحت هاتان المقدمتان - ونحن لا نقول بموجبهما
[143] - لزم خطؤنا : إما في هذه وإما في هذه . وليس خطؤنا فيما سلمناه لكم بأولى من خطئنا فيما خالفناكم فيه ، فقد يكون خطؤنا في منع تسلسل الحوادث لا في قولنا : إن القابل للشيء يخلو عنه وعن ضده ، فلا يكون خطؤنا في إحدى المسألتين دليلا على صوابكم
[144] في الأخرى التي خالفناكم فيها .
أكثر ما في هذا
[145] الباب [ أنا نكون ]
[146] متناقضين ، والتناقض
[147] شامل لنا ولكم ولأكثر من تكلم في هذه المسألة ونظائرها . وإذا كنا متناقضين ، فرجوعنا إلى قول نوافق [ فيه ] العقل والنقل
[148] ، أولى من رجوعنا إلى قول
[ ص: 385 ] نخالف فيه العقل والنقل . فالقول بأن المتكلم يتكلم
[149] بكلام لا يتعلق بمشيئته وقدرته ، أو منفصل عنه لا يقوم به مخالف للعقل والنقل ، بخلاف تكلمه بكلام يتعلق بمشيئته وقدرته قائم به فإن هذا لا يخالف لا عقلا ولا نقلا ، لكن قد نكون [ نحن ]
[150] لم نقله بلوازمه فنكون متناقضين ، وإذا كنا متناقضين كان الواجب أن نرجع عن القول الذي أخطأنا فيه لنوافق ما أصبنا فيه ، لا نرجع عن الصواب لنطرد
[151] الخطأ ، فنحن نرجع عن تلك [ المناقضات ]
[152] ونقول بقول أهل الحديث .
فإن قلتم : إثبات حادث بعد حادث
[153] لا إلى أول
[154] قول الفلاسفة
الدهرية . ( * قلنا : بل قولكم : إن الرب تعالى لم يزل معطلا لا يمكنه أن يتكلم بشيء ولا أن يفعل شيئا ، ثم صار يمكنه أن يتكلم وأن يفعل
[155] بلا حدوث سبب يقتضي ذلك ، قول مخالف لصريح العقل ولما عليه المسلمون ، فإن المسلمين يعلمون أن الله لم يزل قادرا ، وإثبات القدرة مع كون المقدور ممتنعا غير ممكن جمع بين النقيضين ، فكان فيما عليه
[ ص: 386 ] المسلمون من أنه لم يزل قادرا ما يبين أنه لم يزل قادرا على الفعل والكلام بقدرته ومشيئته
[156] .
والقول
nindex.php?page=treesubj&link=28721_28425_28743بدوام كونه متكلما ودوام كونه فاعلا بمشيئته منقول عن السلف وأئمة المسلمين من أهل البيت وغيرهم ،
nindex.php?page=showalam&ids=16418كابن المبارك [157] nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري nindex.php?page=showalam&ids=14274وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهم ، وهو منقول عن
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد الصادق في الأفعال المتعدية - فضلا عن اللازمة - وهو دوام إحسانه
[158] ، * )
[159] [ وذلك قوله : وقول المسلمين : يا قديم الإحسان إن عني بالقديم قائم به ]
[160] .
والفلاسفة
الدهرية قالوا : بقدم [ الأفلاك وغيرها من ]
[161] العالم ، وأن الحوادث فيه لا إلى أول ، وأن البارئ موجب بذاته للعالم
[162] ليس فاعلا بمشيئته وقدرته ولا يتصرف بنفسه . [ ومعلوم بالاضطرار من دين الرسل أن الله تعالى خالق كل شيء ، ولا يكون المخلوق إلا محدثا ، فمن جعل مع الله شيئا قديما بقدمه فقد علم مخالفته لما أخبرت به الرسل مع مخالفته لصريح العقل ]
[163] . وأنتم وافقتموهم
[164] على طائفة من باطلهم حيث قلتم : إنه لا يتصرف
[ ص: 387 ] بنفسه ، ولا يقوم به أمر يختاره ويقدر عليه ، بل جعلتموه
[165] كالجماد الذي لا تصرف
[166] ( * له ولا فعل ، وهم جعلوه كالجماد الذي لزمه وعلق به ما لا يمكنه دفعه عنه ولا قدرة له على التصرف * )
[167] فيه ، فوافقتموهم على بعض باطلهم . ونحن قلنا بما يوافق العقل والنقل من كمال قدرته ومشيئته ، وأنه قادر على الفعل بنفسه [ وعلى التكلم بنفسه ]
[168] كيف شاء ، وقلنا : إنه لم يزل موصوفا بصفات الكمال متكلما إذا شاء
[169] ، فلا نقول : إن كلامه مخلوق منفصل عنه ، فإن حقيقة هذا القول أنه لا يتكلم ، ولا نقول : إن كلامه شيء واحد
[170] : أمر ونهي وخبر ( * وأن معنى التوراة والإنجيل واحد ، وأن الأمر والنهي صفة لشيء واحد * )
[171] ، فإن هذا مكابرة للعقل
[172] ، ولا نقول : إنه أصوات مقطعة
[173] متضادة أزلية ، فإن الأصوات لا تبقى زمانين . وأيضا ، فلو قلنا بهذا القول والذي قبله لزم أن يكون تكليم الله
[ ص: 388 ] للملائكة
ولموسى ولخلقه يوم القيامة ليس إلا مجرد خلق إدراك
[174] لهم لما كان أزليا لم يزل . ومعلوم أن النصوص دلت على ضد ذلك ، ولا نقول إنه صار متكلما بعد أن لم يكن متكلما ، فإن هذا وصف له
[175] بالكمال بعد النقص ، وأنه صار محلا للحوادث التي كمل بها بعد نقصه . ثم حدوث ذلك الكمال
[176] لا بد له من سبب ، [ والقول في الثاني كالقول في الأول ففيه تجدد ( * كمال بلا سبب ]
[177] ، ووصف له بالنقص الدائم من الأزل إلى أن تجدد له ما لا سبب لتجدده
[178] ، وفي ذلك تعطيل له عن صفات الكمال .
وأما دوام الحوادث فمعناه [ هنا ]
[179] دوام كونه متكلما
[180] إذا شاء ، وهذا دوام كماله ونعوت * )
[181] جلاله ودوام أفعاله ، وبهذا يمكن أن يكون العالم ، وكل ما فيه مخلوق له حادث
[182] بعد أن لم يكن ، لأنه يكون سبب الحدوث هو ما قام بذاته من كلماته وأفعاله
[183] وغير ذلك ، فيعقل
[ ص: 389 ] سبب
[184] حدوث الحوادث ، ويمتنع مع هذا
[185] أن يقال : بقدم شيء من العالم ، لأنه لو كان قديما لكان مبدعه
[186] موجبا بذاته ليلزمه
[187] موجبه ومقتضاه ، وإذا كان الخالق فاعلا بفعل يقول بنفسه بمشيئته واختياره امتنع أن يكون موجبا بذاته لشيء من الأشياء ، فامتنع قدم شيء من العالم ، وإذا امتنع من الفاعل المختار أن يفعل شيئا منفصلا [ عنه ]
[188] مقارنا له مع أنه لا يقوم به فعل اختياري ، فلأن يمتنع ذلك إذا قام به فعل اختياري بطريق الأولى والأحرى ، لأنه على هذا التقدير ( * لا يوجد المفعول حتى يوجد الفعل الاختياري الذي حصل بقدرته ومشيئته ، وعلى التقدير * )
[189] الأول يكفي فيه نفس المشيئة والقدرة والفعل الاختياري
[190] .
[ ومعلوم أن ما توقف على المشيئة والقدرة ]
[191] والفعل الاختياري القائم به يكون ، أولى بالحدوث والتأخر مما لم يتوقف
[192] إلا على بعض ذلك .
والكلام على هذه الأمور مبسوط في غير هذا الموضع ، وأكثر الناس
[ ص: 390 ] لا يعلمون كثيرا من هذه الأقوال ; ولذلك كثر بينهم القيل والقال ، وما ذكرناه إشارة إلى مجامع المذاهب .
[193] [
nindex.php?page=treesubj&link=28707_28712والأصل الذي باين به أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، من أهل البيت وغيرهم وسائر أئمة المسلمين للجهمية والمعتزلة وغيرهم من نفاة الصفات : أن الرب تعالى إنما يوصف بما يقوم به ، لا يوصف بمخلوقاته ، وهو أصل مطرد عند السلف والجمهور . ولكن
المعتزلة استضعفت
الأشعرية - ومن وافقهم - بتناقضهم في هذا الأصل حيث وصفوه بالصفات الفعلية مع أن الفعل لا يقوم به عندهم .
nindex.php?page=showalam&ids=13711والأشعري تبع في ذلك
للجهمية والمعتزلة الذين نفوا قيام الفعل به ، لكن أولئك ينفون الصفات أيضا ، بخلاف
الأشعرية .
والمعتزلة لهم نزاع في الخلق : هل هو المخلوق ، أو غير المخلوق ؟ وإذا قالوا : هو غير المخلوق ، فقد يقولون : معنى قائم لا في محل ، كما تقوله البصريون في الإرادة . وقد يقولون : معاني لا نهاية لها في آن واحد . كما يقوله معمر منهم وأصحابه ، ويسمون أصحاب المعاني ، وقد يقولون : إنه قائم بالمخلوق .
وحجة
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري ومن وافقه على أن الخلق هو المخلوق ، أنهم قالوا : لو كان غيره لكان إما قديما وإما محدثا ، فإن كان قديما لزم قدم المخلوق ، وهو محال بالاضطرار فيما علم حدوثه بالاضطرار ، والدليل فيما علم حدوثه بالدليل . وإن كان محدثا كان مخلوقا ، فافتقر الخلق إلى
[ ص: 391 ] خلق ثان ولزم التسلسل ، وأيضا ، فيلزم قيام الحوادث به ، وهذا عمدتهم في نفس الأمر .
والرازي لم يكن له خبرة بأقوال طوائف المسلمين ، إلا بقول
المعتزلة والأشعرية وبعض أقوال
الكرامية والشيعة ، فلهذا لما ذكر هذه المسألة ذكر الخلاف فيها مع فقهاء ما وراء النهر ، وقول هؤلاء هو قول جماهير طوائف المسلمين .
والجمهور لهم في الجواب عن عمدة هؤلاء طرق : كل قوم بحسبهم . فطائفة قالت : بل الخلق الذي هو التكوين والفعل قديم والمكون المفعول محدث لأن ( الخلق )
[194] عندهم لا تقوم به الحوادث ، وهذا قول كثير من هؤلاء من الحنفية والحنبلية
والكلابية والصوفية وغيرهم . فإذا قالوا لهؤلاء : فيلزم قدم المكون قالوا : نقول في ذلك مثل ما قلتم في الإرادة الأزلية ، قلتم : هي قديمة فإن
[195] كان المراد محدثا ، كذلك التكوين قديم ، وإن كان المكون محدثا .
وطائفة قالت : بل
nindex.php?page=treesubj&link=29626_30452الخلق والتكوين حادث إذا أراد الله خلق شيء وتكوينه ، وهذا قول أكثر أهل الحديث وطوائف من أهل الكلام والفقه والتصوف . قالوا : لأن الله ذكر وجود أفعاله شيئا بعد شيء كقوله تعالى : ( خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ) [ سورة الأعراف : 54 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ) [ سورة فصلت 11 ] ، وقوله :
[ ص: 392 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=11ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) [ سورة الأعراف : 11 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=12ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=13ثم جعلناه نطفة في قرار مكين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ) [ سورة المؤمنون : 12 - 14 ] ، وأمثال ذلك .
وهؤلاء يلتزمون أنه تقوم به الأمور الاختيارية ، كخلقه ورضاه وغضبه وكلامه وغير ذلك مما دلت عليه النصوص . وفي القرآن أكثر من ثلاثمائة موضع توافق قولهم ، وأما الأحاديث فكثيرة جدا ، والآثار عن السلف بذلك متواترة ، وهو قول أكثر الأساطين من الفلاسفة . ثم هؤلاء في التسلسل على قولين ، وهم يقولون : المخلوق يحصل بالخلق ، والخلق يحصل بقدرته ومشيئته ، لا يحتاج إلى خلق آخر . 0 ويقولون لمنازعيهم : إذا جاز عندكم وجود المخلوقات المنفصلة بمجرد القدرة والمشيئة من غير فعل قائم به ، فلأن يجوز الفعل بمجرد القدرة الإرادة أولى وأحرى . ومن لم يقل بالتسلسل منهم يقول : نفس القدرة القديمة والإرادة القديمة أوجبت ما حدث من الفعل والإرادة وبذلك يحصل المخلوق فيما لا يزال .
ومن قال بالتسلسل منهم قال : التسلسل الممتنع إنما هو التسلسل في المؤثرات ، وهو أن يكون للفاعل فاعل ، وهلم جرا إلى غير نهاية ، سواء عبر عن ذلك بأن للعلة علة وللمؤثر مؤثرا ، أو عبر عنه بأن للفاعل فاعلا ،
[ ص: 393 ] فهذا هو
nindex.php?page=treesubj&link=29628التسلسل الممتنع في صريح العقل ، ولهذا كان هذا ممتنعا باتفاق العقلاء ، كما أن الدور الممتنع هو الدور القبلي .
فأما التسلسل في الآثار وهو أن لا يكون الشيء حتى يكون قبله غيره ، أو لا يكون إلا ويكون بعد غيره فهذا للناس فيه ثلاثة أقوال : قيل : هو ممتنع في الماضي والمستقبل . وقيل : بل هو جائز في الماضي والمستقبل . وقيل ممتنع في الماضي جائز في المستقبل . والقول بجوازه مطلقا هو معنى قول السلف وأئمة الحديث وقول جماهير الفلاسفة القائلين بحدوث هذا العالم والقائلين بقدمه . وقد بسط الكلام على أدلة الطائفتين في موضع آخر ، فإنا قد بسطنا الكلام فيما ذكره من أصول الدين أضعاف ما تكلم به هو ونبهنا على مجامع الأقوال ]
[196]
وَبِالْجُمْلَةِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، أَهْلُ الْحَدِيثِ وَمَنِ انْتَسَبَ إِلَى السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ [ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالتَّصَوُّفِ كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَئِمَّةِ أَتْبَاعِهِمْ ]
[1] ، وَالطَّوَائِفُ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْجَمَاعَةِ
[2] كَالْكُلَّابِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَالسَّالِمِيَّةِ يَقُولُونَ : إِنَّ كَلَامَ اللَّهِ
[3] غَيْرُ مَخْلُوقٍ [
nindex.php?page=treesubj&link=28744وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ]
[4] . وَهَذَا هُوَ الْمُتَوَاتِرُ
[5] [ الْمُسْتَفِيضُ ]
[6] عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ [ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ ]
[7] .
[8] [ " وَالنُّقُولُ بِذَلِكَ مُتَوَاتِرَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَتَابِعِي تَابِعِيهِمْ ، وَفِي ذَلِكَ مُصَنَّفَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ يَذْكُرُونَ فِيهَا مَقَالَاتِ السَّلَفِ بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ عَنْهُمْ ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ أَهْلِهَا ، وَذَلِكَ مِثْلُ كِتَابِ " الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ "
لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ [ ص: 364 ] الْجُعْفِيِّ [9] nindex.php?page=showalam&ids=14274وَلِعُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ ، وَكَذَلِكَ " نَقْضُ
عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=15211بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ [10] وَالرَّدُّ عَلَى
الْجَهْمِيَّةِ "
لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ [11] ، وَكِتَابُ " السُّنَّةِ "
لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
[12] nindex.php?page=showalam&ids=13665وَلِأَبِي بَكْرٍ الْأَثْرَمِ [13] وَلِلْخَلَّالِ [14] ، وَكِتَابُ " خَلْقِ
[ ص: 365 ] أَفْعَالِ الْعِبَادِ "
nindex.php?page=showalam&ids=12070لِلْبُخَارِيِّ [15] وَكِتَابُ " التَّوْحِيدِ "
لِأَبِي بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ [16] ، وَكِتَابُ " السُّنَّةِ "
لِأَبِي الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيِّ [17] ،
nindex.php?page=showalam&ids=11868وَلِأَبِي الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ [18] ،
nindex.php?page=showalam&ids=13568وَلِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ [19] ، " وَالْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ "
لِأَبِي بَكْرٍ الْبَيْهَقِيِّ [20] . ،
[ ص: 366 ] وَ " السُّنَّةُ "
لِأَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ [21] \ 65 . ، وَ " الْإِبَانَةُ "
لِابْنِ بَطَّةَ [22] . ، وَ " شَرْحُ أُصُولِ السُّنَّةِ "
لِأَبِي الْقَاسِمِ اللَّالْكَائِيِّ [23] . ، وَ " السُّنَّةُ "
لِأَبِي حَفْصِ بْنِ شَاهِينَ [24] . ، وَ " أُصُولُ السُّنَّةِ "
لِأَبِي عُمَرَ [ ص: 367 ] الطَّلَمَنْكِيَّ [25] . .
وَلَكِنْ بَعْدَ ذَلِكَ تَنَازَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى الْأَقْوَالِ السَّبْعَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ
[26] .
وَأَمَّا
[27] . الْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ : فَالْأَوَّلُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28744_29454_29453قَوْلُ الْفَلَاسِفَةِ الدَّهْرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَالصَّابِئَةِ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَنَحْوِهِمْ ، وَالثَّانِي : قَوْلُ
الْجَهْمِيَّةِ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ [ مِنَ ]
النَّجَّارِيَّةِ [28] .
وَالضِّرَارِيَّةِ . وَأَمَّا
الشِّيعَةُ فَمُتَنَازِعُونَ
[29] . فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَقَدْ حَكَيْنَا النِّزَاعَ عَنْهُمْ فِيمَا تَقَدَّمَ
[30] . ، وَقُدَمَاؤُهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ : الْقُرْآنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ، كَمَا يَقُولُهُ : أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ . وَهَذَا [ الْقَوْلُ ]
[31] . هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ
[32] . أَهْلِ الْبَيْتِ
كَعَلِيِّ [ ص: 368 ] بْنِ أَبِي طَالِبٍ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ]
[33] . وَغَيْرِهِ ، مِثْلُ
أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ وَجَعْفَرِ [ بْنِ مُحَمَّدٍ ] [34] . الصَّادِقِ وَغَيْرِهِمْ .
[ وَلِهَذَا كَانَتِ
الْإِمَامِيَّةُ لَا تَقُولُ : إِنَّهُ مَخْلُوقٌ لَمَّا بَلَغَهُمْ نَفْيُ ذَلِكَ عَنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ ، وَقَالُوا : إِنَّهُ مُحَدِّثٌ مَجْهُولٌ ، وَمُرَادُهُمْ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ ، وَظَنُّوا أَنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ نَفَوْا أَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ، أَيْ مَكْذُوبٌ مُفْتَرًى .
وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ : مَنْ قَالَ : إِنَّهُ مَخْلُوقٌ ، وَمَنْ قَالَ : إِنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ . وَالنِّزَاعُ بَيْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ إِنَّمَا كَانَ فِي كَوْنِهِ مَخْلُوقًا خَلَقَهُ اللَّهُ ، أَوْ هُوَ كَلَامُهُ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ وَقَامَ بِذَاتِهِ . وَأَهْلُ الْبَيْتِ إِنَّمَا سُئِلُوا عَنْ هَذَا ، وَإِلَّا فَكَوْنُهُ مَكْذُوبًا مُفْتَرًى مِمَّا لَا يُنَازِعُ مُسْلِمٌ فِي بُطْلَانِهِ ]
[35] .
وَلَكِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28833_28743_28744_28725_30451_21385الْإِمَامِيَّةَ تُخَالِفُ أَهْلَ الْبَيْتِ فِي عَامَّةِ أُصُولِهِمْ ، فَلَيْسَ فِي
[36] . أَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ - مِثْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16600عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ،
وَأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ وَابْنِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=15639جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ مَنْ كَانَ يُنْكِرُ الرُّؤْيَةَ ، أَوْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ
[37] . ، أَوْ يُنْكِرُ الْقَدَرَ ، أَوْ يَقُولُ بِالنَّصِّ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ ، أَوْ بِعِصْمَةِ الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ ، أَوْ يَسُبُّ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرَ [38] . .
[ ص: 369 ] وَالْمَنْقُولَاتُ الثَّابِتَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنْ هَؤُلَاءِ مَعْرُوفَةٌ مَوْجُودَةٌ ، وَكَانَتْ مِمَّا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ
[39] .
وَشُيُوخُ
الرَّافِضَةِ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ فِي التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ لَمْ يَتَلَقَّوْهُ لَا عَنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا عَنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ ، وَإِنَّمَا يَزْعُمُونَ أَنَّ الْعَقْلَ دَلَّهُمْ عَلَيْهِ ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ
الْمُعْتَزِلَةُ ، [ وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا تَلَقَّوْهُ عَنِ
الْمُعْتَزِلَةِ وَهُمْ شُيُوخُهُمْ فِي التَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ ]
[40] . ، وَإِنَّمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ تَلَقَّوْا عَنِ الْأَئِمَّةِ الشَّرَائِعَ . وَقَوْلُهُمْ فِي الشَّرَائِعِ غَالِبُهُ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ - [ أَوْ بَعْضِ أَهْلِ السُّنَّةِ ]
[41] . - [ وَلَهُمْ مُفْرَدَاتٌ شَنِيعَةٌ لَمْ يُوَافِقْهُمْ عَلَيْهَا أَحَدٌ ]
[42] . ، وَلَهُمْ مُفْرَدَاتٌ عَنِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ قَدْ قَالَ بِهَا غَيْرُ [ الْأَرْبَعَةِ ]
[43] . ، مِنَ السَّلَفِ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَفُقَهَاءِ
الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ ، فَهَذِهِ وَنَحْوُهَا مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي يَهُونُ الْأَمْرُ فِيهَا ، بِخِلَافِ الشَّاذِّ الَّذِي يُعْرَفُ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ
[44] . وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ [ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ]
[45] . وَلَا سَبَقَهُمْ إِلَيْهِ
[46] . أَحَدٌ .
[ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ إِنَّ الْحَقَّ مُنْحَصِرٌ فِي أَرْبَعَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990كَأَبِي حَنِيفَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867وَمَالِكٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدَ ، كَمَا يُشَنِّعُ
[ ص: 370 ] بِذَلِكَ
الشِّيعَةُ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ ، فَيَقُولُونَ : إِنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّ الْحَقَّ مُنْحَصِرٌ فِيهِمْ . بَلْ
nindex.php?page=treesubj&link=29641_29614أَهْلُ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَا تَنَازَعَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَجَبَ رَدُّهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ، وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قَوْلٌ مَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْأَرْبَعَةِ : مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَقَوْلِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ
[47] . مِثْلُ :
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثَّوْرِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=15124وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ nindex.php?page=showalam&ids=12418وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَغَيْرِهِمْ أَصَحُّ مِنْ قَوْلِهِمْ .
فَالشِّيعَةُ إِذَا وَافَقَتْ بَعْضَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الرَّاجِحَةِ كَانَ قَوْلُهَا فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ رَاجِحًا ، لَيْسَتْ لَهُمْ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ فَارَقُوا بِهَا جَمِيعَ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِخِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ ( إِلَّا )
[48] . وَقَوْلُهُمْ فِيهَا فَاسِدٌ . وَهَكَذَا
الْمُعْتَزِلَةُ وَسَائِرُ الطَّوَائِفِ
كَالْأَشْعَرِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَالسَّالِمِيَّةِ لَيْسَ لَهُمْ قَوْلٌ انْفَرَدُوا بِهِ عَنْ جَمِيعِ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ إِلَّا وَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ ، وَالْقَوْلُ الْحَقُّ يَكُونُ مَأْثُورًا عَنِ السَّلَفِ وَقَدْ سَبَقَ هَؤُلَاءِ الطَّوَائِفَ إِلَيْهِ ]
[49] .
وَإِذَا عُرِفَتِ الْمَذَاهِبُ فَيُقَالُ : لِهَذَا : قَوْلُكَ
[50] . : " إِنَّ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَإِخْبَارَهُ حَادِثٌ لِاسْتِحَالَةِ أَمْرِ الْمَعْدُومِ وَنَهْيِهِ وَإِخْبَارِهِ " : أَتُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ حَادِثٌ فِي ذَاتِهِ ؟ أَمْ حَادِثٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ ؟
[ ص: 371 ] وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَئِمَّةِ
الشِّيعَةِ [51] . الْمُتَقَدِّمِينَ [
وَالْجَهْمِيَّةِ ]
[52] .
وَالْمُرْجِئَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ مَعَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ .
ثُمَّ إِذَا قِيلَ : " حَادِثٌ " أَهُوَ حَادِثُ النَّوْعِ فَيَكُونُ الرَّبُّ قَدْ صَارَ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا ؟ أَمْ حَادِثُ الْأَفْرَادِ وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ ؟ وَالْكَلَامُ الَّذِي كَلَّمَ بِهِ
مُوسَى مَثَلًا
[53] . هُوَ حَادِثٌ وَإِنْ كَانَ نَوْعُ كَلَامِهِ قَدِيمًا لَمْ يَزَلْ ؟ .
فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ تَحْتَ قَوْلِكَ ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّكَ إِنَّمَا
[54] . أَرَدْتَ النَّوْعَ الْأَوَّلَ ، وَهُوَ قَوْلُ [ مُتَأَخِّرِيِ
الشِّيعَةِ ]
[55] . الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ التَّشَيُّعِ وَالِاعْتِزَالِ ، فَقَالُوا : إِنَّهُ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ اللَّهُ مُنْفَصِلًا عَنْهُ
[56] .
]
وَالْإِمَامِيَّةُ وَإِنْ قَالُوا : هُوَ مُحْدَثٌ ، وَامْتَنَعُوا أَنْ يَقُولُوا : هُوَ مَخْلُوقٌ ، فَمُرَادُهُمْ بِالْمُحْدَثِ هُوَ مُرَادُ هَؤُلَاءِ بِالْمَخْلُوقِ ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ بَيْنَهُمْ لَفْظِيٌّ ]
[57] .
فَيُقَالُ : لَكَ
[58] . : إِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ خَلَقَهُ [ وَأَحْدَثَهُ ]
[59] . مُنْفَصِلًا عَنْهُ لَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ ، فَإِنَّ الْكَلَامَ وَالْقُدْرَةَ وَالْعِلْمَ وَسَائِرَ الصِّفَاتِ إِنَّمَا يَتَّصِفُ بِهَا مَنْ
[ ص: 372 ] قَامَتْ بِهِ لَا مَنْ خَلَقَهَا فِي غَيْرِهِ وَأَحْدَثَهَا
[60] ، وَلِهَذَا إِذَا خَلَقَ اللَّهُ حَرَكَةً وَعِلْمًا وَقُدْرَةً فِي مَحَلٍّ
[61] كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ
[62] هُوَ الْمُتَحَرِّكُ الْعَالِمُ الْقَادِرُ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ ، وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ صِفَاتٍ لِلَّهِ
[63] بَلْ مَخْلُوقَاتٍ لَهُ ، وَلَوْ كَانَ مُتَّصِفًا بِمَخْلُوقَاتِهِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْهُ لَكَانَ إِذَا أَنْطَقَ الْجَامِدَاتِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ) [ سُورَةُ سَبَأٍ : 10 ] . وَكَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=24يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [ سُورَةُ النُّورِ : 24 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=21وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ) [ سُورَةُ فُصِّلَتْ : 21 ] وَكَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=65الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) [ سُورَةُ يس : 65 ] ; وَمِثْلُ تَسْلِيمِ الْحَجَرِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَسْبِيحِ الْحَصَى بِيَدِهِ ، وَتَسْبِيحِ الطَّعَامِ وَهُمْ يَأْكُلُونَهُ ، فَإِذَا كَانَ كَلَامُ اللَّهِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَا خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ كَلَامَ اللَّهِ فَإِنَّهُ خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ ، وَإِذَا تَكَلَّمَتِ الْأَيْدِي فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَاكَ كَلَامَ اللَّهِ . كَمَا يَقُولُونَ : إِنَّهُ خَلَقَ كَلَامًا فِي الشَّجَرَةِ كَلَّمَ بِهِ
[64] مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ .
وَأَيْضًا ، ، فَإِذَا كَانَ الدَّلِيلُ قَدْ قَامَ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28785اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَأَقْوَالِهِمْ ، وَهُوَ الْمُنْطِقُ لِكُلِّ نَاطِقٍ ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ كَلَامٍ فِي الْوُجُودِ كَلَامَهُ ، وَهَذَا قَالَتْهُ الْحُلُولِيَّةُ
[65] مِنَ
الْجَهْمِيَّةِ كَصَاحِبِ " الْفُصُوصِ "
nindex.php?page=showalam&ids=12816ابْنِ عَرَبِيٍّ ، قَالَ :
[ ص: 373 ] وَكُلُّ كَلَامٍ فِي الْوُجُودِ كَلَامُهُ سَوَاءٌ عَلَيْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ
[66] وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ قَوْلُ
فِرْعَوْنَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ) [ سُورَةُ النَّازِعَاتِ : 24 ] كَلَامُ اللَّهِ ، كَمَا أَنَّ الْكَلَامَ الْمَخْلُوقَ فِي الشَّجَرَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=14إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ) [ سُورَةُ طه : 14 ] [ يَقُولُونَ : إِنَّهُ مَخْلُوقٌ فِي الشَّجَرَةِ ، أَوْ غَيْرِهَا ، وَهُوَ ]
[67] كَلَامُ اللَّهِ .
وَأَيْضًا ، فَالرُّسُلُ الَّذِينَ خَاطَبُوا النَّاسَ وَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَالَ ، وَنَادَى ، وَنَاجَى ، وَيَقُولُ ، لَمْ يُفْهِمُوهُمْ أَنَّ هَذِهِ مَخْلُوقَاتٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهُ ، بَلِ الَّذِي أَفْهَمُوهُمْ إِيَّاهُ
[68] أَنَّ اللَّهَ نَفْسَهُ هُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ ، وَالْكَلَامُ قَائِمٌ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ ، وَلِهَذَا عَابَ
[69] اللَّهُ مَنْ يَعْبُدُ إِلَهًا لَا يَتَكَلَّمُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=89أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ) [ سُورَةُ طه : 89 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=148أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ) [ سُورَةُ الْأَعْرَافِ : 148 ] وَلَا يُحْمَدُ شَيْءٌ بِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ وَيُذَمُّ بِأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ
[70] إِلَّا إِذَا كَانَ الْكَلَامُ قَائِمًا بِهِ .
وَبِالْجُمْلَةِ لَا يُعْرَفُ فِي لُغَةٍ وَلَا عَقْلٍ قَائِلٌ مُتَكَلِّمٌ إِلَّا مَنْ يَقُومُ بِهِ الْقَوْلُ وَالْكَلَامُ ، [ لَا يُعْقَلُ فِي لُغَةِ أَحَدٍ - لَا لُغَةِ الرُّسُلِ وَلَا غَيْرِهِمْ - وَلَا فِي عَقْلِ أَحَدٍ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يَكُونُ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامٍ لَمْ يَقُمْ بِهِ قَطُّ بَلْ هُوَ بَائِنٌ عَنْهُ أَحْدَثَهُ فِي غَيْرِهِ ، كَمَا لَا يُعْقَلُ أَنَّهُ مُتَحَرِّكٌ بِحَرَكَةٍ خَلَقَهَا فِي غَيْرِهِ ، وَلَا يُعْقَلُ أَنَّهُ
[ ص: 374 ] مُتَلَوِّنٌ بِلَوْنٍ خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ ، وَلَا مُتَرَوِّحٌ بِرَائِحَةٍ خَلَقَهَا فِي غَيْرِهِ . وَطَرْدُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُعْقَلُ أَنَّهُ مُرِيدٌ بِإِرَادَةٍ أَحْدَثَهَا فِي غَيْرِهِ ، وَلَا مُحِبٌّ وَرَاضٍ وَغَضْبَانُ وَسَاخِطٌ بِرِضًى وَمَحَبَّةٍ وَغَضَبٍ وَسُخْطٍ خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ .
وَهَؤُلَاءِ النُّفَاةُ يَصِفُونَهُ بِمَا لَا يَقُومُ بِهِ : تَارَةً بِمَا يَخْلُقُهُ فِي غَيْرِهِ كَالْكَلَامِ وَالْإِرَادَةِ ، وَتَارَةً بِمَا لَا يَقُومُ بِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ ، وَهَذَا أَيْضًا غَيْرُ مَعْقُولٍ ]
[71] ; فَلَا
[72] يُعْقَلُ حَيٌّ إِلَّا مَنْ تَقُومُ بِهِ الْحَيَاةُ ، وَلَا عَالِمٌ إِلَّا مَنْ يَقُومُ بِهِ الْعِلْمُ ، [ كَمَا لَا يُعْقَلُ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ ]
[73] مُتَحَرِّكٌ إِلَّا مَنْ تَقُومُ بِهِ الْحَرَكَةُ ، [ وَطَرْدُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُعْقَلُ ]
[74] فَاعِلٌ إِلَّا مَنْ يَقُومُ بِهِ الْفِعْلُ .
[ وَقَدْ سَلَّمَ
الْأَشْعَرِيَّةُ - وَمَنْ وَافَقَهُمْ
كَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ - فَاعِلًا لَا يَقُومُ بِهِ الْفِعْلُ : كَعَادِلٍ لَا يَقُومُ بِهِ الْعَدْلُ ، وَخَالِقٍ وَرَازِقٍ لَا يَقُومُ بِهِ الْخَلْقُ وَالرِّزْقُ .
وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّتْ بِهِ عَلَيْهِمُ
الْمُعْتَزِلَةُ ، فَقَالُوا : كَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ عَادِلًا خَالِقًا رَازِقًا بِعَدْلٍ وَخَلْقٍ وَرِزْقٍ لَا يَقُومُ بِهِ ، فَكَذَلِكَ عَالِمٌ وَقَادِرٌ وَمُتَكَلِّمٌ .
وَالسَّلَفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَجُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ يُطَرِّدُونَ أَصْلَهُمْ ، وَلِهَذَا احْتَجَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28743_28744كَلَامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=695759أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى التَّامَّاتِ الَّتِي [ ص: 375 ] لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ [75] " . قَالُوا : لَا يُسْتَعَاذُ بِمَخْلُوقٍ . وَكَذَلِكَ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=667349اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَبِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ [76] . وَقَالُوا :
nindex.php?page=treesubj&link=28680_28681لَا يُسْتَعَاذُ بِمَخْلُوقٍ ، وَقَدِ
nindex.php?page=treesubj&link=28681_28680اسْتَعَاذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرِّضَا وَالْمُعَافَاةِ ; فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ مِمَّا يَقُومُ بِالرَّبِّ تَعَالَى كَمَا تَقُومُ بِهِ كَلِمَاتُهُ ، لَيْسَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي لَا تَكُونُ إِلَّا بَائِنَةً عَنْهُ ]
[77] .
[ ص: 376 ] فَمَنْ قَالَ : إِنَّ الْمُتَكَلِّمَ هُوَ الَّذِي يَكُونُ كَلَامُهُ مُنْفَصِلًا عَنْهُ ، [ وَالْمُرِيدُ وَالْمُحِبُّ وَالْمُبْغِضُ وَالرَّاضِي وَالسَّاخِطُ مَا تَكُونُ إِرَادَتُهُ وَمَحَبَّتُهُ وَبُغْضُهُ وَرِضَاهُ وَسُخْطُهُ بَائِنًا عَنْهُ لَا يَقُومُ بِهِ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ ]
[78] ، قَالَ مَا لَا يُعْقَلُ ، وَلَمْ يُفْهِمِ الرُّسُلُ لِلنَّاسِ هَذَا ، بَلْ كُلُّ مَنْ سَمِعَ مَا بَلَّغَتْهُ الرُّسُلُ عَنِ اللَّهِ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الرُّسُلَ لَمْ تُرِدْ بِكَلَامِ اللَّهِ مَا هُوَ مُنْفَصِلٌ ] عَنِ اللَّهِ وَكَذَلِكَ لَمْ تُرِدْ بِإِرَادَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَا هُوَ مُنْفَصِلٌ [
[79] عَنْهُ
[80] بَلْ مَا
[81] هُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ .
قَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ
[82] : الْمُتَكَلِّمُ مِنْ فِعْلِ الْكَلَامِ ، وَاللَّهُ [ تَعَالَى ]
[83] لَمَّا أَحْدَثَ الْكَلَامَ فِي غَيْرِهِ صَارَ مُتَكَلِّمًا .
فَيُقَالُ : لَهُمْ : لِلْمُتَأَخِّرِينَ الْمُخْتَلِفِينَ هُنَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ
[84] قِيلَ : الْمُتَكَلِّمُ مَنْ فَعَلَ الْكَلَامَ وَلَوْ كَانَ مُنْفَصِلًا ، [ وَهَذَا إِنَّمَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ ]
[85] .
وَقِيلَ : الْمُتَكَلِّمُ مَنْ قَامَ بِهِ الْكَلَامُ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ
[86] وَلَا [ هُوَ ] بِمَشِيئَتِهِ وَ [ لَا ] قُدْرَتِهِ
[87] ، وَهَذَا قَوْلُ
الْكُلَّابِيَّةِ وَالسَّالِمِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ .
[ ص: 377 ] وَقِيلَ : الْمُتَكَلِّمُ مَنْ تَكَلَّمَ بِفِعْلِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَقَامَ بِهِ [ الْكَلَامُ ]
[88] ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَطَوَائِفَ مِنَ
الشِّيعَةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ .
فَأُولَئِكَ يَقُولُونَ : هُوَ صِفَةُ فِعْلٍ مُنْفَصِلٍ عَنِ الْمَوْصُوفِ لَا صِفَةُ ذَاتٍ . وَالصِّنْفُ الثَّانِي يَقُولُونَ : صِفَةُ ذَاتٍ لَازِمَةٌ لِلْمَوْصُوفِ لَا تَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَلَا قُدْرَتِهِ . وَالْآخَرُونَ يَقُولُونَ هُوَ صِفَةُ ذَاتٍ وَصْفَةُ فِعْلٍ ، وَهُوَ قَائِمٌ بِهِ مُتَعَلِّقٌ
[89] بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ . وَإِذَا
[90] كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُمْ
[91] : إِنَّهُ صِفَةُ فِعْلٍ يُنَازِعُهُمْ
[92] فِيهِ طَائِفَةٌ وَإِذَا لَمْ يُنَازِعُوا فِي هَذَا ، فَيُقَالُ : هَبْ أَنَّهُ صِفَةُ فِعْلٍ مُنْفَصِلَةٌ عَنِ الْقَائِلِ الْفَاعِلِ ، أَوْ قَائِمَةٌ بِهِ
[93] . أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ قَوْلُكُمُ الْفَاسِدُ ، وَكَيْفَ تَكُونُ الصِّفَةُ غَيْرَهُ قَائِمَةً بِالْمَوْصُوفِ ، أَوِ الْقَوْلُ غَيْرَ قَائِمٍ بِالْقَائِلِ .
[ وَقَوْلُ الْقَائِلِ :
nindex.php?page=treesubj&link=28720الصِّفَاتُ تَنْقَسِمُ إِلَى صِفَةِ ذَاتٍ وَصْفَةِ فِعْلٍ - وَيُفَسِّرُ صِفَةَ الْفِعْلِ بِمَا هُوَ بَائِنٌ عَنِ الرَّبِّ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ كَيْفَ يَكُونُ صِفَةً لِلرَّبِّ وَهُوَ لَا يَقُومُ بِهِ بِحَالٍ ، بَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ بَائِنٌ عَنْهُ ؟
وَهَذَا وَإِنْ كَانَتِ
الْأَشْعَرِيَّةُ قَالَتْهُ تَبَعًا
لِلْمُعْتَزِلَةِ فَهُوَ خَطَأٌ فِي نَفْسِهِ ، فَإِنَّ إِثْبَاتَ صِفَاتِ الرَّبِّ وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ مُبَايِنَةٌ لَهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ
[ ص: 378 ] الْمُتَضَادَّيْنِ ، بَلْ حَقِيقَةُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ : إِنَّ الْفِعْلَ لَا يُوصَفُ بِهِ الرَّبُّ ، فَإِنَّ الْفِعْلَ هُوَ الْمَخْلُوقُ ، وَالْمَخْلُوقُ لَا يُوصَفُ بِهِ الْخَالِقُ ، وَلَوْ كَانَ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ الْمَفْعُولُ صِفَةً لَهُ لَكَانَتْ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ صِفَاتٍ لِلرَّبِّ ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ : عَاقِلٌ فَضْلًا عَنْ مُسْلِمٍ ]
[94] .
فَإِنْ قُلْتُمْ : هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ فِعْلَ اللَّهِ لَا يَقُومُ بِهِ ، لِأَنَّهُ لَوْ قَامَ بِهِ لَقَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ .
قِيلَ : وَالْجُمْهُورُ يُنَازِعُونَكُمْ فِي هَذَا الْأَصْلِ ، وَيَقُولُونَ : كَيْفَ يُعْقَلُ فِعْلٌ لَا يَقُومُ بِفَاعِلٍ ، وَنَحْنُ نَعْقِلُ الْفَرْقَ بَيْنَ نَفْسِ الْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ
[95] وَبَيْنَ الْمَخْلُوقِ الْمُكَوَّنِ ؟
وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ النَّاسِ كَأَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ . وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13889الْبَغَوِيُّ [96] وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَئِمَّةِ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ كَأَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقْلَا [97] وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ [98] وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ [99] [
nindex.php?page=showalam&ids=14953وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى فِي آخِرِ قَوْلَيْهِ ]
[100] [ وَهُوَ ] قَوْلُ
[101] أَئِمَّةِ الصُّوفِيَّةِ وَأَئِمَّةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ ، [ وَحَكَاهُ
[ ص: 379 ] nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ " خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ " عَنِ الْعُلَمَاءِ مُطْلَقًا ]
[102] وَهُوَ قَوْلُ طَوَائِفَ مِنَ
الْمُرْجِئَةِ وَالشِّيعَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ
[103] . ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِقِيَامِ فِعْلِهِ بِهِ ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : فِعْلُهُ قَدِيمٌ وَالْمَفْعُولُ مُتَأَخِّرٌ ، كَمَا أَنَّ إِرَادَتَهُ قَدِيمَةٌ وَالْمُرَادُ مُتَأَخِّرٌ ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ يَقُولُهُ مِنْ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ ، [ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ
الثَّقَفِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ
الْكُلَّابِيَّةِ لَمَّا وَقَعَتِ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابْنِ خُزَيْمَةَ ]
[104] .
[ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : بَلْ هُوَ حَادِثُ النَّوْعِ ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ يَقُولُهُ مِنَ
الشِّيعَةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ ]
[105] .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : هُوَ يَقَعُ
[106] بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا لَكِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِهِ ، فَهُوَ حَادِثُ الْآحَادِ قَدِيمُ النَّوْعِ ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ يَقُولُهُ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدَ
وَسَائِرِ الطَّوَائِفِ [
nindex.php?page=treesubj&link=29627_29626مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : بَلِ الْخَلْقُ حَادِثٌ قَائِمٌ بِالْمَخْلُوقِ ، كَمَا يَقُولُهُ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَغَيْرُهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : بَلْ هُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لَا فِي مَحَلٍّ ، كَمَا يَقُولُهُ :
nindex.php?page=showalam&ids=11922أَبُو الْهُذَيْلِ الْعَلَّافُ وَغَيْرُهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِمَعَانٍ قَائِمَةٍ بِنَفْسِهَا لَا تَتَنَاهَى ، كَمَا يَقُولُهُ :
مُعَمَّرُ بْنُ عَبَّادٍ [107] وَغَيْرُهُ ]
[108] .
[ ص: 380 ] وَإِذَا كَانَ الْجُمْهُورُ يُنَازِعُونَكُمْ فَتُقَدَّرُ
[109] الْمُنَازَعَةِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَئِمَّتِكُمْ مِنَ الشِّيعَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُوَافِقُونَكُمْ عَلَى أَنَّهُ حَادِثٌ لَكِنْ يَقُولُونَ : هُوَ قَائِمٌ بِذَاتِ اللَّهِ فَيَقُولُونَ : قَدْ جَمَعْنَا بَيْنَ حُجَّتِنَا وَحُجَّتِكُمْ
[110] ، فَقُلْنَا الْعَدَمُ لَا يُؤْمَرُ
[111] وَلَا يُنْهَى ، وَقُلْنَا : الْكَلَامُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِالْمُتَكَلِّمِ .
فَإِنْ قُلْتُمْ لَنَا : قَدْ قُلْتُمْ بِقِيَامِ الْحَوَادِثِ بِالرَّبِّ . قَالُوا لَكُمْ
[112] : نَعَمْ ، وَهَذَا قَوْلُنَا الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ ، وَمَنْ لَمْ يَقُلْ إِنَّ الْبَارِئَ يَتَكَلَّمُ ، وَيُرِيدُ ، وَيُحِبُّ وَيُبْغِضُ وَيَرْضَى ، وَيَأْتِي وَيَجِيءُ ، فَقَدْ نَاقَضَ كِتَابَ اللَّهِ [ تَعَالَى ]
[113] . وَمَنْ قَالَ : إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ
[114] يُنَادِي
مُوسَى فِي الْأَزَلِ ، فَقَدْ خَالَفَ كَلَامَ اللَّهِ مَعَ مُكَابَرَةِ الْعَقْلِ ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=8فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ ) [ سُورَةُ النَّمْلِ : 8 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=82إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) [ سُورَةُ يس : 82 ] ، فَأَتَى بِالْحُرُوفِ الدَّالَّةِ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ . قَالُوا : وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلُّ مَا يَحْتَجُّ بِهِ
الْمُعْتَزِلَةُ وَالشِّيعَةُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَشِيئَتِهِ [ وَقُدْرَتِهِ ]
[115] ، وَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ
[116] إِذَا شَاءَ ، وَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ ، وَمَا يَقُولُ بِهِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّ كَلَامَ اللَّهِ قَائِمٌ بِذَاتِهِ ، وَإِنَّهُ صِفَةٌ لَهُ ، وَالصِّفَةُ لَا تَقُومُ إِلَّا بِالْمَوْصُوفِ فَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ ، وَقَدْ أَخَذْنَا
[ ص: 381 ] بِمَا فِي قَوْلِ كُلٍّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الصَّوَابِ ، وَعَدَلْنَا عَمَّا يَرُدُّهُ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ مِنْ قَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا .
فَإِذَا قَالُوا لَنَا : فَهَذَا يَلْزَمُ
[117] أَنْ تَكُونَ الْحَوَادِثُ قَامَتْ بِهِ . قُلْنَا : وَمَنْ أَنْكَرَ هَذَا قَبْلَكُمْ مِنَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ ؟ وَنُصُوصُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ تَتَضَمَّنُ ذَلِكَ مَعَ صَرِيحِ الْعَقْلِ ، وَهُوَ قَوْلٌ لَازِمٌ لِجَمِيعِ الطَّوَائِفِ ، وَمَنْ أَنْكَرَهُ فَلَمْ يَعْرِفْ لَوَازِمَهُ وَمَلْزُومَاتِهِ . وَلَفْظُ " الْحَوَادِثِ " مُجْمَلٌ ، فَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرَاضُ
[118] وَالنَّقَائِصُ ، وَاللَّهُ [ تَعَالَى ]
[119] مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ [ كَمَا نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنِ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ وَاللُّغُوبِ ، وَعَنْ أَنْ يَئُودَهُ حِفْظُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ . ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْ نُفَاةِ الصِّفَاتِ -
الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ - يَجْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا حُجَّةً فِي نَفْيِ قِيَامِ الصِّفَاتِ ، أَوْ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِهِ مُطْلَقًا ، وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُمْ ، فَإِنَّ نَفْيَ الْخَاصِّ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْعَامِّ ، وَلَا يَجِبُ إِذَا نَفَيْتَ عَنْهُ النَّقَائِصَ وَالْعُيُوبَ أَنْ يَنْتَفِيَ عَنْهُ مَا هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَنُعُوتِ الْجَلَالِ ]
[120] . وَلَكِنْ يَقُومُ بِهِ مَا يَشَاؤُهُ
[121] وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ وَأَفْعَالِهِ
[122] وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ .
[ ص: 382 ] وَنَحْنُ
[123] نَقُولُ لِمَنْ أَنْكَرَ قِيَامَ ذَلِكَ بِهِ : أَتُنْكِرُهُ
[124] لِإِنْكَارِكَ قِيَامَ الصِّفَةِ بِهِ كَإِنْكَارِ
الْمُعْتَزِلَةِ ؟ أَمْ تُنْكِرُهُ لِأَنَّ مَنْ قَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ لَمْ يَخْلُ مِنْهَا ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَقُولُهُ
الْكُلَّابِيَّةُ ؟
فَإِنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ كَانَ الْكَلَامُ فِي أَصْلِ الصِّفَاتِ وَفِي كَوْنِ الْكَلَامِ قَائِمًا بِالْمُتَكَلِّمِ لَا مُنْفَصِلًا عَنْهُ
[125] كَافِيًا فِي هَذَا الْبَابِ . وَإِنْ كَانَ الثَّانِي قُلْنَا لِهَؤُلَاءِ
[126] : أَتُجَوِّزُونَ حُدُوثَ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ أَمْ لَا ؟ فَإِنْ جَوَّزْتُمْ ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُكُمْ - لَزِمَ أَنْ يَفْعَلَ الْحَوَادِثَ مَنْ
[127] لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا لَهَا وَلَا لِضِدِّهَا
[128] فَإِذَا جَازَ هَذَا [ فَلِمَ ] لَا يَجُوزُ أَنْ تَقُومَ الْحَوَادِثُ بِمَنْ لَمْ تَكُنْ
[129] قَائِمَةً بِهِ هِيَ وَلَا ضِدَّهَا ؟
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفِعْلَ أَعْظَمُ مِنَ الْقَبُولِ
[130] ، فَإِذَا جَازَ فِعْلُهَا بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ فَكَذَلِكَ قِيَامُهَا بِالْمَحَلِّ
[131] ، فَإِنْ قُلْتُمْ : الْقَابِلُ لِلشَّيْءِ لَا يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ . ( 10 قُلْنَا : هَذَا مَمْنُوعٌ وَلَا دَلِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ 10 )
[132] ، [ ثُمَّ إِذَا سَلَّمَ ذَلِكَ فَهُوَ كَقَوْلِ
[ ص: 383 ] الْقَائِلِ : الْقَدَرُ عَلَى الشَّيْءِ لَا يَخْلُو عَنْ فِعْلِهِ وَفِعْلِ ضِدِّهِ ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ : إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ قَادِرًا ، وَلَمْ يَكُنْ فَاعِلًا وَلَا تَارِكًا ، لِأَنَّ التَّرْكَ عِنْدَكُمْ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ مَقْدُورٌ ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ : لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا لِشَيْءٍ مِنْ مَقْدُورَاتِهِ فِي الْأَزَلِ مَعَ كَوْنِهِ قَادِرًا ، بَلْ تَقُولُونَ : إِنَّهُ يَمْتَنِعُ وُجُودُ مَقْدُورِهِ فِي الْأَزَلِ مَعَ كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَيْهِ .
وَإِذَا كَانَ هَذَا قَوْلَكُمْ فَلِأَنْ لَا يَجِبَ وُجُودُ الْمَقْبُولِ فِي الْأَزَلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى ، فَإِنَّ هَذَا الْمَقْبُولَ مَقْدُورٌ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِقُدْرَتِهِ ، وَأَنْتُمْ تُجَوِّزُونَ وُجُودَ قَادِرٍ مَعَ امْتِنَاعِ مَقْدُورِهِ فِي حَالِ كَوْنِهِ قَادِرًا ]
[133] .
( 2 ثُمَّ نَقُولُ : إِنْ كَانَ الْقَابِلُ لِلشَّيْءِ لَا يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ 2 )
[134] لَزِمَ تَسَلْسُلُ الْحَوَادِثِ ، وَتَسَلْسُلُ الْحَوَادِثِ إِنْ كَانَ مُمْكِنًا كَانَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ قَوْلَ أَهْلِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ يَقُولُونَ : لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ كَمَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابْنُ الْمُبَارَكِ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ . وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا [ أَمْكَنَ أَنْ يَقُومَ بِهِ الْحَادِثُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا بِهِ ، كَمَا يَفْعَلُ الْحَوَادِثَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا لَهَا ]
[135] وَكَانَ
[136] قَوْلُنَا هُوَ الصَّحِيحُ ، فَقَوْلُكُمْ أَنْتُمْ بَاطِلٌ عَلَى [ كِلَا ]
[137] التَّقْدِيرَيْنِ . فَإِنْ قُلْتُمْ لَنَا : أَنْتُمْ تُوَافِقُونَا عَلَى امْتِنَاعِ تَسَلْسُلِ الْحَوَادِثِ ، وَهُوَ حُجَّتُنَا وَحُجَّتُكُمْ عَلَى [ نَفْيِ ]
[138] قِدَمِ الْعَالَمِ .
[ ص: 384 ] قُلْنَا لَكُمْ : مُوَافَقَتُنَا لَكُمْ حُجَّةٌ جَدَلِيَّةٌ ، وَإِذَا كُنَّا قَدْ قُلْنَا بِامْتِنَاعِ تَسَلْسُلِ الْحَوَادِثِ مُوَافَقَةً لَكُمْ ، وَقُلْنَا
[139] بِأَنَّ الْقَابِلَ
[140] لِلشَّيْءِ قَدْ يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ مُخَالَفَةً لَكُمْ . وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ : إِنْ قَبِلَ الْحَوَادِثَ
[141] لَزِمَ تَسَلْسُلُهَا وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِذَلِكَ
[142] .
قُلْنَا : إِنْ صَحَّتْ هَاتَانِ الْمُقَدِّمَتَانِ - وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِمُوجِبِهِمَا
[143] - لَزِمَ خَطَؤُنَا : إِمَّا فِي هَذِهِ وَإِمَّا فِي هَذِهِ . وَلَيْسَ خَطَؤُنَا فِيمَا سَلَّمْنَاهُ لَكُمْ بِأَوْلَى مِنْ خَطَئِنَا فِيمَا خَالَفْنَاكُمْ فِيهِ ، فَقَدْ يَكُونُ خَطَؤُنَا فِي مَنْعِ تَسَلْسُلِ الْحَوَادِثِ لَا فِي قَوْلِنَا : إِنَّ الْقَابِلَ لِلشَّيْءِ يَخْلُو عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ ، فَلَا يَكُونُ خَطَؤُنَا فِي إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ دَلِيلًا عَلَى صَوَابِكُمْ
[144] فِي الْأُخْرَى الَّتِي خَالَفْنَاكُمْ فِيهَا .
أَكْثَرُ مَا فِي هَذَا
[145] الْبَابِ [ أَنَّا نَكُونُ ]
[146] مُتَنَاقِضَيْنِ ، وَالتَّنَاقُضُ
[147] شَامِلٌ لَنَا وَلَكُمْ وَلِأَكْثَرِ مَنْ تَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا . وَإِذَا كُنَّا مُتَنَاقِضَيْنِ ، فَرُجُوعُنَا إِلَى قَوْلٍ نُوَافِقُ [ فِيهِ ] الْعَقْلَ وَالنَّقْلَ
[148] ، أَوْلَى مِنْ رُجُوعِنَا إِلَى قَوْلٍ
[ ص: 385 ] نُخَالِفُ فِيهِ الْعَقْلَ وَالنَّقْلَ . فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يَتَكَلَّمُ
[149] بِكَلَامٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ، أَوْ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ لَا يَقُومُ بِهِ مُخَالِفٌ لِلْعَقْلِ وَالنَّقْلِ ، بِخِلَافِ تَكَلُّمِهِ بِكَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ قَائِمٌ بِهِ فَإِنَّ هَذَا لَا يُخَالِفُ لَا عَقْلًا وَلَا نَقْلًا ، لَكِنْ قَدْ نَكُونُ [ نَحْنُ ]
[150] لَمْ نَقُلْهُ بِلَوَازِمِهِ فَنَكُونُ مُتَنَاقِضِينَ ، وَإِذَا كُنَّا مُتَنَاقِضِينَ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ نَرْجِعَ عَنِ الْقَوْلِ الَّذِي أَخْطَأْنَا فِيهِ لِنُوَافِقَ مَا أَصَبْنَا فِيهِ ، لَا نَرْجِعُ عَنِ الصَّوَابِ لِنَطْرُدَ
[151] الْخَطَأَ ، فَنَحْنُ نَرْجِعُ عَنْ تِلْكَ [ الْمُنَاقَضَاتِ ]
[152] وَنَقُولُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْحَدِيثِ .
فَإِنْ قُلْتُمْ : إِثْبَاتُ حَادِثٍ بَعْدَ حَادِثٍ
[153] لَا إِلَى أَوَّلِ
[154] قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ
الدَّهْرِيَّةِ . ( * قُلْنَا : بَلْ قَوْلُكُمْ : إِنَّ الرَّبَّ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ مُعَطَّلًا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ وَلَا أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا ، ثُمَّ صَارَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَأَنْ يَفْعَلَ
[155] بِلَا حُدُوثِ سَبَبٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ ، قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْعَقْلِ وَلِمَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ قَادِرًا ، وَإِثْبَاتُ الْقُدْرَةِ مَعَ كَوْنِ الْمَقْدُورِ مُمْتَنِعًا غَيْرَ مُمْكِنٍ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ ، فَكَانَ فِيمَا عَلَيْهِ
[ ص: 386 ] الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ قَادِرًا مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ قَادِرًا عَلَى الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ
[156] .
وَالْقَوْلُ
nindex.php?page=treesubj&link=28721_28425_28743بِدَوَامِ كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا وَدَوَامِ كَوْنِهِ فَاعِلًا بِمَشِيئَتِهِ مَنْقُولٌ عَنِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16418كَابْنِ الْمُبَارَكِ [157] nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ nindex.php?page=showalam&ids=12070وَالْبُخَارِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=14274وَعُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15639جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ فِي الْأَفْعَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ - فَضْلًا عَنِ اللَّازِمَةِ - وَهُوَ دَوَامُ إِحْسَانِهِ
[158] ، * )
[159] [ وَذَلِكَ قَوْلُهُ : وَقَوْلُ الْمُسْلِمِينَ : يَا قَدِيمَ الْإِحْسَانِ إِنْ عُنِي بِالْقَدِيمِ قَائِمٌ بِهِ ]
[160] .
وَالْفَلَاسِفَةُ
الدَّهْرِيَّةُ قَالُوا : بِقِدَمِ [ الْأَفْلَاكِ وَغَيْرِهَا مِنْ ]
[161] الْعَالَمِ ، وَأَنَّ الْحَوَادِثَ فِيهِ لَا إِلَى أَوَّلٍ ، وَأَنَّ الْبَارِئَ مُوجِبٌ بِذَاتِهِ لِلْعَالَمِ
[162] لَيْسَ فَاعِلًا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَلَا يَتَصَرَّفُ بِنَفْسِهِ . [ وَمَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الرُّسُلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَا يَكُونُ الْمَخْلُوقُ إِلَّا مُحْدَثًا ، فَمَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ شَيْئًا قَدِيمًا بِقِدَمِهِ فَقَدْ عَلِمَ مُخَالَفَتَهُ لِمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلَ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِصَرِيحِ الْعَقْلِ ]
[163] . وَأَنْتُمْ وَافَقْتُمُوهُمْ
[164] عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَاطِلِهِمْ حَيْثُ قُلْتُمْ : إِنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ
[ ص: 387 ] بِنَفْسِهِ ، وَلَا يَقُومُ بِهِ أَمْرٌ يَخْتَارُهُ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ ، بَلْ جَعَلْتُمُوهُ
[165] كَالْجَمَادِ الَّذِي لَا تَصَرُّفَ
[166] ( * لَهُ وَلَا فِعْلَ ، وَهُمْ جَعَلُوهُ كَالْجَمَادِ الَّذِي لَزِمَهُ وَعَلِقَ بِهِ مَا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ عَنْهُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ * )
[167] فِيهِ ، فَوَافَقْتُمُوهُمْ عَلَى بَعْضِ بَاطِلِهِمْ . وَنَحْنُ قُلْنَا بِمَا يُوَافِقُ الْعَقْلَ وَالنَّقْلَ مِنْ كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ ، وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْفِعْلِ بِنَفْسِهِ [ وَعَلَى التَّكَلُّمِ بِنَفْسِهِ ]
[168] كَيْفَ شَاءَ ، وَقُلْنَا : إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ
[169] ، فَلَا نَقُولُ : إِنَّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ ، فَإِنَّ حَقِيقَةَ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ ، وَلَا نَقُولُ : إِنَّ كَلَامَهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ
[170] : أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَخَبَرٌ ( * وَأَنَّ مَعْنَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَاحِدٌ ، وَأَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ صِفَةٌ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ * )
[171] ، فَإِنَّ هَذَا مُكَابَرَةٌ لِلْعَقْلِ
[172] ، وَلَا نَقُولُ : إِنَّهُ أَصْوَاتٌ مُقَطَّعَةٌ
[173] مُتَضَادَّةٌ أَزَلِيَّةٌ ، فَإِنَّ الْأَصْوَاتَ لَا تَبْقَى زَمَانَيْنِ . وَأَيْضًا ، فَلَوْ قُلْنَا بِهَذَا الْقَوْلِ وَالَّذِي قَبْلَهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ تَكْلِيمُ اللَّهِ
[ ص: 388 ] لِلْمَلَائِكَةِ
وَلِمُوسَى وَلِخَلْقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ إِلَّا مُجَرَّدَ خَلْقِ إِدْرَاكٍ
[174] لَهُمْ لَمَّا كَانَ أَزَلِيًّا لَمْ يَزَلْ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ النُّصُوصَ دَلَّتْ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ ، وَلَا نَقُولُ إِنَّهُ صَارَ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا ، فَإِنَّ هَذَا وَصْفٌ لَهُ
[175] بِالْكَمَالِ بَعْدَ النَّقْصِ ، وَأَنَّهُ صَارَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ الَّتِي كَمُلَ بِهَا بَعْدَ نَقْصِهِ . ثُمَّ حُدُوثُ ذَلِكَ الْكَمَالِ
[176] لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ ، [ وَالْقَوْلُ فِي الثَّانِي كَالْقَوْلِ فِي الْأَوَّلِ فَفِيهِ تَجَدُّدُ ( * كَمَالٍ بِلَا سَبَبٍ ]
[177] ، وَوَصْفٌ لَهُ بِالنَّقْصِ الدَّائِمِ مِنَ الْأَزَلِ إِلَى أَنَّ تَجَدَّدَ لَهُ مَا لَا سَبَبَ لِتَجَدُّدِهِ
[178] ، وَفِي ذَلِكَ تَعْطِيلٌ لَهُ عَنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ .
وَأَمَّا دَوَامُ الْحَوَادِثِ فَمَعْنَاهُ [ هُنَا ]
[179] دَوَامُ كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا
[180] إِذَا شَاءَ ، وَهَذَا دَوَامُ كَمَالِهِ وَنُعُوتُ * )
[181] جَلَالِهِ وَدَوَامُ أَفْعَالِهِ ، وَبِهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْعَالَمُ ، وَكُلُّ مَا فِيهِ مَخْلُوقٌ لَهُ حَادِثٌ
[182] بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ ، لِأَنَّهُ يَكُونُ سَبَبُ الْحُدُوثِ هُوَ مَا قَامَ بِذَاتِهِ مِنْ كَلِمَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ
[183] وَغَيْرِ ذَلِكَ ، فَيُعْقَلُ
[ ص: 389 ] سَبَبُ
[184] حُدُوثِ الْحَوَادِثِ ، وَيَمْتَنِعُ مَعَ هَذَا
[185] أَنْ يُقَالَ : بِقِدَمِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدِيمًا لَكَانَ مُبْدِعُهُ
[186] مُوجِبًا بِذَاتِهِ لِيَلْزَمَهُ
[187] مُوجِبُهُ وَمُقْتَضَاهُ ، وَإِذَا كَانَ الْخَالِقُ فَاعِلًا بِفِعْلٍ يَقُولُ بِنَفْسِهِ بِمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا بِذَاتِهِ لِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ ، فَامْتَنَعَ قِدَمُ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ ، وَإِذَا امْتَنَعَ مِنَ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مُنْفَصِلًا [ عَنْهُ ]
[188] مُقَارِنًا لَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقُومُ بِهِ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ ، فَلِأَنْ يَمْتَنِعَ ذَلِكَ إِذَا قَامَ بِهِ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى ، لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ( * لَا يُوجَدُ الْمَفْعُولُ حَتَّى يُوجَدَ الْفِعْلُ الِاخْتِيَارِيُّ الَّذِي حَصَلَ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ ، وَعَلَى التَّقْدِيرِ * )
[189] الْأَوَّلُ يَكْفِي فِيهِ نَفْسُ الْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ
[190] .
[ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا تَوَقَّفَ عَلَى الْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ ]
[191] وَالْفِعْلُ الِاخْتِيَارِيُّ الْقَائِمُ بِهِ يَكُونُ ، أَوْلَى بِالْحُدُوثِ وَالتَّأَخُّرِ مِمَّا لَمْ يَتَوَقَّفُ
[192] إِلَّا عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ .
وَالْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ
[ ص: 390 ] لَا يَعْلَمُونَ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ; وَلِذَلِكَ كَثُرَ بَيْنَهُمُ الْقِيلُ وَالْقَالُ ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ إِشَارَةٌ إِلَى مَجَامِعِ الْمَذَاهِبِ .
[193] [
nindex.php?page=treesubj&link=28707_28712وَالْأَصْلُ الَّذِي بَايَنَ بِهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِمْ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لِلْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ نُفَاةِ الصِّفَاتِ : أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى إِنَّمَا يُوصَفُ بِمَا يَقُومُ بِهِ ، لَا يُوصَفُ بِمَخْلُوقَاتِهِ ، وَهُوَ أَصْلٌ مُطَّرِدٌ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْجُمْهُورِ . وَلَكِنَّ
الْمُعْتَزِلَةَ اسْتَضْعَفَتِ
الْأَشْعَرِيَّةَ - وَمَنْ وَافَقَهُمْ - بِتَنَاقُضِهِمْ فِي هَذَا الْأَصْلِ حَيْثُ وَصَفُوهُ بِالصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَقُومُ بِهِ عِنْدَهُمْ .
nindex.php?page=showalam&ids=13711وَالْأَشْعَرِيُّ تَبَعٌ فِي ذَلِكَ
لِلْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ نَفَوْا قِيَامَ الْفِعْلِ بِهِ ، لَكِنَّ أُولَئِكَ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ أَيْضًا ، بِخِلَافِ
الْأَشْعَرِيَّةِ .
وَالْمُعْتَزِلَةُ لَهُمْ نِزَاعٌ فِي الْخَلْقِ : هَلْ هُوَ الْمَخْلُوقُ ، أَوْ غَيْرُ الْمَخْلُوقِ ؟ وَإِذَا قَالُوا : هُوَ غَيْرُ الْمَخْلُوقِ ، فَقَدْ يَقُولُونَ : مَعْنَى قَائِمٍ لَا فِي مَحَلٍّ ، كَمَا تَقَوَّلَهُ الْبَصْرِيُّونَ فِي الْإِرَادَةِ . وَقَدْ يَقُولُونَ : مَعَانِي لَا نِهَايَةَ لَهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ . كَمَا يَقُولُهُ مَعْمَرٌ مِنْهُمْ وَأَصْحَابُهُ ، وَيُسَمَّوْنَ أَصْحَابَ الْمَعَانِي ، وَقَدْ يَقُولُونَ : إِنَّهُ قَائِمٌ بِالْمَخْلُوقِ .
وَحُجَّةُ
nindex.php?page=showalam&ids=13711الْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى أَنَّ الْخَلْقَ هُوَ الْمَخْلُوقُ ، أَنَّهُمْ قَالُوا : لَوْ كَانَ غَيْرُهُ لَكَانَ إِمَّا قَدِيمًا وَإِمَّا مُحْدَثًا ، فَإِنْ كَانَ قَدِيمًا لَزِمَ قِدَمُ الْمَخْلُوقِ ، وَهُوَ مُحَالٌ بِالِاضْطِرَارِ فِيمَا عُلِمَ حُدُوثُهُ بِالِاضْطِرَارِ ، وَالدَّلِيلُ فِيمَا عُلِمَ حُدُوثُهُ بِالدَّلِيلِ . وَإِنْ كَانَ مُحْدَثًا كَانَ مَخْلُوقًا ، فَافْتَقَرَ الْخَلْقُ إِلَى
[ ص: 391 ] خَلْقٍ ثَانٍ وَلَزِمَ التَّسَلْسُلُ ، وَأَيْضًا ، فَيَلْزَمُ قِيَامُ الْحَوَادِثِ بِهِ ، وَهَذَا عُمْدَتُهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ .
وَالرَّازِيُّ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِأَقْوَالِ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ ، إِلَّا بِقَوْلِ
الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَبَعْضِ أَقْوَالِ
الْكَرَّامِيَّةِ وَالشِّيعَةِ ، فَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهَا مَعَ فُقَهَاءِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ ، وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ هُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ .
وَالْجُمْهُورُ لَهُمْ فِي الْجَوَابِ عَنْ عُمْدَةِ هَؤُلَاءِ طُرُقٌ : كُلُّ قَوْمٍ بِحَسْبِهِمْ . فَطَائِفَةٌ قَالَتْ : بَلِ الْخَلْقُ الَّذِي هُوَ التَّكْوِينُ وَالْفِعْلُ قَدِيمٌ وَالْمُكَوَّنُ الْمَفْعُولُ مُحْدَثٌ لِأَنَّ ( الْخَلْقَ )
[194] عِنْدَهُمْ لَا تَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ ، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ
وَالْكُلَّابِيَّةِ وَالصُّوفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ . فَإِذَا قَالُوا لِهَؤُلَاءِ : فَيَلْزَمُ قِدَمُ الْمُكَوَّنِ قَالُوا : نَقُولُ فِي ذَلِكَ مِثْلَ مَا قُلْتُمْ فِي الْإِرَادَةِ الْأَزَلِيَّةِ ، قُلْتُمْ : هِيَ قَدِيمَةٌ فَإِنْ
[195] كَانَ الْمُرَادُ مُحْدَثًا ، كَذَلِكَ التَّكْوِينُ قَدِيمٌ ، وَإِنْ كَانَ الْمُكَوَّنُ مُحْدَثًا .
وَطَائِفَةٌ قَالَتْ : بَلِ
nindex.php?page=treesubj&link=29626_30452الْخَلْقُ وَالتَّكْوِينُ حَادِثٌ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ خَلْقَ شَيْءٍ وَتَكْوِينَهُ ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَطَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفِقْهِ وَالتَّصَوُّفِ . قَالُوا : لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ وُجُودَ أَفْعَالِهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) [ سُورَةُ الْأَعْرَافِ : 54 ] وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) [ سُورَةُ فُصِّلَتْ 11 ] ، وَقَوْلِهِ :
[ ص: 392 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=11وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ) [ سُورَةُ الْأَعْرَافِ : 11 ] وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=12وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=13ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) [ سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ : 12 - 14 ] ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ .
وَهُؤُلَاءِ يَلْتَزِمُونَ أَنَّهُ تَقُومُ بِهِ الْأُمُورُ الِاخْتِيَارِيَّةُ ، كَخَلْقِهِ وَرِضَاهُ وَغَضَبِهِ وَكَلَامِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ . وَفِي الْقُرْآنِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ مَوْضِعٍ تُوَافِقُ قَوْلَهُمْ ، وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ فَكَثِيرَةٌ جِدًّا ، وَالْآثَارُ عَنِ السَّلَفِ بِذَلِكَ مُتَوَاتِرَةٌ ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَسَاطِينِ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ . ثُمَّ هَؤُلَاءِ فِي التَّسَلْسُلِ عَلَى قَوْلَيْنِ ، وَهُمْ يَقُولُونَ : الْمَخْلُوقُ يَحْصُلُ بِالْخَلْقِ ، وَالْخَلْقُ يَحْصُلُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ ، لَا يَحْتَاجُ إِلَى خَلْقٍ آخَرَ . 0 وَيَقُولُونَ لِمُنَازِعِيهِمْ : إِذَا جَازَ عِنْدَكُمْ وُجُودُ الْمَخْلُوقَاتِ الْمُنْفَصِلَةِ بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ وَالْمَشِيئَةِ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ قَائِمٍ بِهِ ، فَلِأَنْ يَجُوزَ الْفِعْلُ بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ الْإِرَادَةُ أَوْلَى وَأَحْرَى . وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِالتَّسَلْسُلِ مِنْهُمْ يَقُولُ : نَفْسُ الْقُدْرَةِ الْقَدِيمَةِ وَالْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ أَوْجَبَتْ مَا حَدَثَ مِنَ الْفِعْلِ وَالْإِرَادَةِ وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ الْمَخْلُوقُ فِيمَا لَا يَزَالُ .
وَمَنْ قَالَ بِالتَّسَلْسُلِ مِنْهُمْ قَالَ : التَّسَلْسُلُ الْمُمْتَنِعُ إِنَّمَا هُوَ التَّسَلْسُلُ فِي الْمُؤَثِّرَاتِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِلْفَاعِلِ فَاعِلٌ ، وَهَلُمَّ جَرًّا إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ ، سَوَاءٌ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ لِلْعِلَّةِ عِلَّةً وَلِلْمُؤَثِّرِ مُؤَثِّرًا ، أَوْ عَبَّرَ عَنْهُ بِأَنَّ لِلْفَاعِلِ فَاعِلًا ،
[ ص: 393 ] فَهَذَا هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=29628التَّسَلْسُلُ الْمُمْتَنِعُ فِي صَرِيحِ الْعَقْلِ ، وَلِهَذَا كَانَ هَذَا مُمْتَنِعًا بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ ، كَمَا أَنَّ الدَّوْرَ الْمُمْتَنِعَ هُوَ الدَّوْرُ الْقَبْلِيُّ .
فَأَمَّا التَّسَلْسُلُ فِي الْآثَارِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ الشَّيْءُ حَتَّى يَكُونَ قَبْلَهُ غَيْرُهُ ، أَوْ لَا يَكُونُ إِلَّا وَيَكُونُ بَعْدَ غَيْرِهِ فَهَذَا لِلنَّاسِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : قِيلَ : هُوَ مُمْتَنِعٌ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ . وَقِيلَ : بَلْ هُوَ جَائِزٌ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ . وَقِيلَ مُمْتَنِعٌ فِي الْمَاضِي جَائِزٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ . وَالْقَوْلُ بِجَوَازِهِ مُطْلَقًا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَقَوْلِ جَمَاهِيرِ الْفَلَاسِفَةِ الْقَائِلِينَ بِحُدُوثِ هَذَا الْعَالَمِ وَالْقَائِلِينَ بِقِدَمِهِ . وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى أَدِلَّةِ الطَّائِفَتَيْنِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، فَإِنَّا قَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ أَضْعَافَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ هُوَ وَنَبَّهْنَا عَلَى مَجَامِعِ الْأَقْوَالِ ]
[196]