وأما جوابه [1] عن [2] : والله خلقكم وما تعملون [ سورة الصافات : 59 - 96 ] بأن احتجاجهم بقوله تعالى [3] المراد بذلك الأصنام ، فلا ننازعه [4] في أن المراد بذلك الأصنام ، فإن هذا هو أصح القولين . و " ما " بمعنى الذي ، ومن قال : إنها مصدرية والمراد والله خلقكم وعملكم فهو ضعيف [5] ، فإن سياق الكلام إنما يدل على الأول ; لأنه قال : أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون [ سورة الصافات : 95 - 96 ] فأنكر عليهم عبادة المنحوت ، فالمناسب أن يذكر ما يتعلق بالمنحوت وأنه مخلوق لله .
والتقدير [6] والله خلق العابد والمعبود ، ولأنه لو قال : والله خلقكم وعملكم لم يكن في هذا ما يقتضي ذمهم على الشرك ، بل قد يقال : إنه إقامة عذر لهم .
وذلك لأن الواو في قوله : والله خلقكم وما تعملون واو [ ص: 337 ] الحال . والحال هنا شبه الظرف ، كلاهما قد يتضمن [7] معنى التعليل كما يقال : أتذم فلانا [8] وهو رجل صالح وتسيء إليه وهو محسن [9] إليك ؟ فتقرر بذلك ما يوجب ذمه ونهيه عما أنكرته عليه .
وهو سبحانه ينكر عليهم عبادة ما ينحتون ، فذكر [10] قوله : والله خلقكم وما تعملون متضمنا ما يوجب ذمهم على ذلك ونهيهم عنه ، وذلك كون الله تعالى خلق معمولهم ، ولو أريد والله خلقكم وعملكم الذي هو الكفر وغيره ، لم يكن في ذلك ما يناسب ذمهم ، ولم يكن في بيان خلق الله تعالى لأفعال عباده ما يوجب ذمهم على الشرك ] [11] .
لكن يقال : هذه الآية تدل على أن أعمال العباد مخلوقة ; لأنه قال : والله خلقكم والذي تعملونه من الأصنام ، والأصنام كانوا ينحتونها ، فلا يخلو : إما أن يكون المراد خلقه لها قبل النحت والعمل ، أو قبل ذلك وبعده .
فإن كان المراد ذكر كونها مخلوقة قبل ذلك لم يكن فيها حجة على أن المخلوق هو المعمول المنحوت . لكن المخلوق ما لم يعمل ولم ينحت .
وإن كان المراد خلقها بعد [12] العمل والنحت ، فمن المعلوم أن النحت الذي فيها هو أثرهم وعملهم [13] .
[ ص: 338 ] القدرية أن المتولد عن فعل العبد فعله لا فعل الله ، فيكون هذا النحت والتصوير فعلهم لا فعل الله . فإذا ثبت أن الله خلقها بما فيها من التصوير والنحت ، ثبت أنه خالق ما تولد عن وعند [14] فعلهم [ والمتولد لازم للفعل [15] المباشر وملزوم له ، وخلق أحد المتلازمين يستلزم خلق الآخر ، فدلت [16] الآية أنه خالق أفعالهم القائمة بهم ، وخالق ما تولد عنها ، وخالق الأعيان التي قام بها المتولد [17] ، ولا يمكن أن يكون أحد المتلازمين عن [18] الرب والآخر عن [19] غيره ، فإنه يلزم افتقاره إلى غيره . ] [20] .
وأيضا فنفس حركاتهم تدخل في قوله تعالى [21] : والله خلقكم ، فإن أعراضهم داخلة في مسمى أسمائهم ، فالله تعالى خلق الإنسان بجميع أعراضه ، وحركاته من أعراضه ، فقد تبين أنه خلق أعمالهم بقوله : والله خلقكم وما تولد [22] عنها [ ص: 339 ] من النحت والتصوير بقوله : وما تعملون فثبت أنها دالة على أنه خالق هذا وهذا ، وهو المطلوب . مع أن الآيات الدالة على خلق أعمال العباد كثيرة ، كما تقدم التنبيه عليها [23] [ لكن خلقه للمصنوعات [24] مثل الفلك والأبنية واللباس هو نظير خلق المنحوتات ، كقوله تعالى : وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون [ سورة يس : 41 ، 42 ] وقوله تعالى : والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون [ سورة النحل : 81 ] ] [25] .