ومن حماقتهم أيضا أنهم كالسرادب يجعلون للمنتظر عدة مشاهد ينتظرونه فيها [1] الذي بسامرا الذي يزعمون أنه غاب فيه [2] ، ومشاهد أخر ، وقد [ ص: 45 ] يقيمون هناك دابة - إما بغلة ، وإما فرسا ، [ وإما غير ذلك ] [3] - ليركبها إذا خرج ، ويقيمون هناك إما في طرفي النهار ، وإما في أوقات أخر من ينادي عليه بالخروج يا مولانا اخرج [ يا مولانا اخرج ] [4] ، ويشهرون السلاح ، ولا أحد هناك يقاتلهم [5] ، وفيهم من يقول في أوقات الصلاة [6] دائما لا يصلي خشية أن يخرج ، وهو في الصلاة ، فيشتغل بها عن [ خروجه ] ، وخدمته [7] ، وهم في [ ص: 46 ] أماكن بعيدة عن مشهده كمدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - إما في العشر الأواخر من [ شهر ] [8] رمضان ، وإما في غير ذلك [9] يتوجهون إلى المشرق ، وينادونه بأصوات عالية يطلبون خروجه .
ومن المعلوم أنه لو كان موجودا ، وقد أمره الله بالخروج ، فإنه يخرج سواء نادوه ، أو لم ينادوه ، وإن لم يؤذن له ، فهو لا يقبل منهم ، وأنه إذا خرج فإن الله يؤيده ، ويأتيه بما يركبه ، وبمن يعينه ، وينصره لا يحتاج إلى أن يوقف [ له ] [10] دائما من الآدميين من ضل سعيهم في الحياة الدنيا ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .
والله سبحانه قد عاب في كتابه من يدعو من لا يستجيب له دعاءه ، فقال تعالى : ( ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ) [ سورة فاطر : 13 - 14 ] هذا مع أن الأصنام موجودة ، وكان يكون فيها [11] أحيانا شياطين تتراءى لهم ، وتخاطبهم ، ومن خاطب معدوما كانت حالته أسوأ من حال من خاطب موجودا ، وإن كان جمادا ، فمن دعاء المنتظر الذي لم يخلقه الله [12] كان [ ص: 47 ] ضلاله أعظم من ضلال هؤلاء ، وإذا قال : أنا أعتقد وجوده ، كان بمنزلة قول أولئك : نحن نعتقد أن هذه الأصنام لها شفاعة عند الله ، فيعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ، ولا يضرهم [13] ، ويقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله .
والمقصود أن كليهما [14] يدعو من لا ينفع دعاؤه ، وإن كان أولئك اتخذوهم [ شفعاء ] [15] آلهة ، وهؤلاء يقولون : هو إمام معصوم ، فهم يوالون عليه ، ويعادون عليه كموالاة المشركين على آلهتهم ، ويجعلونه ركنا في الإيمان لا يتم الدين [16] إلا به ، كما يجعل بعض المشركين آلهتهم كذلك .
وقد قال [17] تعالى : ( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ) ، [ ص: 48 ] [ سورة آل عمران : 79 - 80 ] [18] فإذا كان من يتخذ الملائكة والنبيين أربابا بهذه الحال ، فكيف بمن يتخذ إماما معدوما لا وجود له ، وقد قال تعالى : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ) [ سورة التوبة : 31 ] .
وقد ثبت في ، وغيره من [ حديث ] الترمذي عدي بن حاتم [ أنه ] قال [19] : يا رسول الله ما عبدوهم ، فقال : ( إنهم أحلوا لهم الحرام ، وحرموا عليهم الحلال ، فأطاعوهم ، فكانت تلك عبادتهم إياهم . ) [20] فهؤلاء اتخذوا أناسا [21] موجودين أربابا ، وهؤلاء يجعلون الحلال والحرام معلقا بالإمام المعدوم الذي لا حقيقة له ، ثم يعملون بكل ما يقول [22] المنتسبون إليه [23] إنه يحلله ، ويحرمه ، وإن خالف الكتاب والسنة ، وإجماع سلف الأمة حتى أن طائفتهم [ ص: 49 ] إذا اختلفت على قولين قالوا : القول [24] الذي لا يعرف قائله هو الحق ؛ لأنه قول هذا الإمام المعصوم ، فيجعلون الحلال ما حلله ، والحرام ما حرمه هذا الذي لا يوجد ، وعند [25] من يقول إنه موجود لا يعرفه أحد ، ولا يمكن أحد أن ينقل عنه كلمة واحدة .
ومن حماقاتهم تمثيلهم لمن يبغضونه ( * بالجماد [26] ، أو حيوان ، ثم يفعلون بذلك الجماد ، والحيوان ما يرونه عقوبة لمن يبغضونه * ) [27] مثل اتخاذهم نعجة - وقد تكون نعجة حمراء لكون تسمى الحميراء عائشة [28] - يجعلونها ، ويعذبونها بنتف شعرها ، وغير ذلك ، ويرون أن ذلك عقوبة عائشة . لعائشة
ومثل اتخاذهم حلسا مملوءا سمنا ، ثم يبعجون [29] بطنه ، فيخرج السمن ، فيشربونه ، ويقولون : هذا مثل ضرب ، وشرب دمه عمر [30] ، ومثل تسمية بعضهم لحمارين من حمر الرحا أحدهما ، والآخر بأبي بكر ، ثم يعاقبون بعمر [31] الحمارين جعلا منهم تلك العقوبة [ عقوبة ] [32] ، لأبي بكر . . [ ص: 50 ] وتارة يكتبون أسماءهم على أسفل أرجلهم [ حتى أن بعض الولاة جعل يضرب رجلي من فعل ذلك ، ويقول : إنما ضربت وعمر ، أبا بكر ، ولا أزال أضربهما حتى أعدمهما ، ومنهم من يسمي كلابه باسم وعمر ، أبي بكر ، ويلعنهما ، ومنهم من إذا سمى كلبه ، فقيل له ( بكير . ) يضارب من يفعل ذلك ، ويقول : تسمي كلبي باسم أصحاب النار ، ومنهم وعمر [33] يعظم أبا لؤلؤة المجوسي الكافر الذي كان غلاما لما قتل للمغيرة بن شعبة ، ويقولون : واثارات عمر أبي لؤلؤة ، فيعظمون [34] كافرا مجوسيا باتفاق المسلمين لكونه قتل - رضي الله عنه - عمر
ومن حماقتهم إظهارهم لما يجعلونه مشهدا ، فكم كذبوا الناس ، وادعوا أن في هذا المكان ميتا من أهل البيت ، وربما جعلوه مقتولا ، فيبنون ذلك مشهدا ، وقد يكون ذلك قبر كافر ، أو قبر بعض الناس ، ويظهر ذلك بعلامات كثيرة .
ومعلوم أن عقوبة الدواب المسماة بذلك [35] ] ، ونحو هذا الفعل لا يكون إلا [36] من فعل أحمق الناس ، وأجهلهم ، فإنه من المعلوم أنا [37] لو أردنا أن نعاقب فرعون ، وأبا لهب ، وأبا جهل ، وغيرهم ممن ثبت بإجماع المسلمين أنهم من أكفر الناس مثل هذه العقوبة لكان هذا من أعظم الجهل ؛ لأن [38] [ ص: 51 ] ذلك لا فائدة فيه ، بل إذا قتل كافر يجوز قتله ، أو مات حتف أنفه لم يجز بعد قتله ، أو موته أن يمثل به ، فلا يشق بطنه ، ولا [39] يجدع أنفه ، وأذنه ، [ ولا تقطع يده ] [40] إلا أن يكون ذلك على سبيل المقابلة .
[ فقد ثبت . ] في صحيح [41] ، وغيره عن مسلم بريدة [42] أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله [ تعالى ] [43] ، وأوصاه بمن معه من المسلمين خيرا ، وقال : ( اغزوا في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله لا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا . ) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا بعث أميرا على جيش ، أو سرية [44] .
وفي السنن أنه كان في خطبته يأمر بالصدقة ، وينهى عن المثلة [45] . مع أن [ ص: 52 ] التمثيل بالكافر بعد موته منه نكاية بالعدو لكن نهي عنه ؛ لأنها زيادة إيذاء [46] بلا حاجة ، فإن المقصود كف شره بقتله ، [ وقد حصل ] [47] .
فهؤلاء الذين يبغضونهم لو كانوا كفارا ، وقد ماتوا لم يكن لهم بعد موتهم أن يمثلوا بأبدانهم لا يضربونهم ، ولا يشقون بطونهم ، ولا ينتفون شعورهم مع أن في ذلك نكاية فيهم ، فأما إذا فعلوا ذلك بغيرهم ظنا أن ذلك يصل إليهم كان غاية الجهل ، فكيف إذا كان بمحرم [48] كالشاة التي يحرم إيذاؤها بغير حق ، فيفعلون ما لا يحصل لهم [ به ] [49] منفعة أصلا ، بل ضرر في الدين . والدنيا ، والآخرة مع تضمنه غاية الحمق ، والجهل .
ومن حماقتهم إقامة المأتم [50] ، والنياحة على من قد [51] قتل من سنين عديدة [52] ، ومن المعلوم أن المقتول ، وغيره من الموتى إذا فعل مثل ذلك بهم عقب موتهم كان ذلك مما حرمه الله ، ورسوله ، فقد ثبت في الصحيح [53] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( . ) ليس منا من لطم الخدود ، وشق [ ص: 53 ] الجيوب ، ودعا بدعوى الجاهلية [54] . وثبت في الصحيح عنه [55] أنه بريء من الحالقة ، والصالقة ، والشاقة [56] ( 4 [ فالحالقة التي تحلق شعرها عند المصيبة ] 4 ) [57] ، والصالقة هي [58] التي ترفع صوتها [ عند المصيبة ] [59] بالمصيبة ، والشاقة التي تشق ثيابها .
وفي الصحيح عنه أنه قال : ( ) إن النائحة إذا لم تتب قبل موتها ، فإنها تلبس [ ص: 54 ] يوم القيامة درعا من جرب ، وسربالا من قطران . [60] ، وفي الصحيح عنه أنه قال : ( . ) من ينح عليه ، فإنه يعذب بما ينح عليه [61] ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .
وهؤلاء يأتون من لطم الخدود ، وشق الجيوب ، ودعوى الجاهلية ، وغير [ ص: 55 ] ذلك من المنكرات بعد موت الميت بسنين كثيرة ما لو فعلوه عقب موته لكان ذلك من أعظم المنكرات التي حرمها الله ورسوله ، فكيف بعد هذه المدة الطويلة .
ومن المعلوم أنه قد قتل من الأنبياء ، وغير الأنبياء [62] ظلما وعدوانا من هو أفضل من قتل أبوه ظلما ، وهو أفضل منه . وقتل الحسين ، وكان قتله أول الفتن العظيمة التي وقعت بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وترتب عليه من الشر ، والفساد أضعاف ما ترتب على قتل عثمان بن عفان . وقتل غير هؤلاء ومات ، وما فعل أحد - لا من المسلمين ، ولا غيرهم - مأتما ولا نياحة على ميت ، ولا قتيل بعد مدة طويلة من قتله إلا هؤلاء الحمقى الذين لو كانوا من الطير لكانوا رخما ، ولو كانوا من البهائم لكانوا حمرا . الحسين
ومن ذلك أن بعضهم لا يوقد خشب الطرفاء [63] ؛ لأنه بلغه أن دم ، وقع على شجرة من الطرفاء ، ومعلوم . أن تلك الشجرة بعينها لا يكره وقودها ، ولو كان عليها من الحسين [64] أي دم كان ، فكيف بسائر الشجر الذي لم يصبه الدم ؟ ! .
وحماقاتهم يطول وصفها لا يحتاج إلى أن تنقل [65] بإسناد ، [ ولكن ينبغي [ ص: 56 ] أن يعلم مع هذا ] [66] أن المقصود [67] أنه من ذلك الزمان القديم يصفهم الناس بمثل هذا من عهد التابعين ، وتابعيهم ، ( 3 [ كما ثبت بعض ذلك إما عن ، وإما أن يكون من كلام الشعبي عبد الرحمن ، وعلى التقديرين ، فالمقصود حاصل ، فإن عبد الرحمن كان في زمن تابعي التابعين ، وإنما ذكرنا هذا ؛ لأن عبد الرحمن ] 3 ) [68] ، وكثيرا من الناس لا يحتج بروايته المفردة إما لسوء حفظه ، وإما لتهمة . [69] في تحسين الحديث ، وإن كان له علم ، ومعرفة بأنواع من العلوم - ولكن يصلحون [70] للاعتضاد ، والمتابعة كمقاتل بن سليمان ، ومحمد بن عمر الواقدي ، وأمثالهما ، فإن كثرة الشهادات ، والأخبار قد توجب العلم ، وإن لم يكن كل من المخبرين ثقة حافظا [71] حتى يحصل العلم بمخبر الأخبار المتواترة ، وإن كان المخبرون من أهل الفسوق إذا لم يحصل بينهم تشاعر [72] ، وتواطؤ ، والقول الحق الذي يقوم عليه الدليل يقبل من كل من قاله ، وإن لم يقبل بمجرد إخبار المخبر به .
فلهذا ذكرنا ما ذكره عبد الرحمن بن مالك بن مغول ، فإن غاية ما فيه أنه قاله ذاكرا لا آثرا [73] ، وعبد الرحمن هذا يروي عن أبيه ، وعن ، وعن [ ص: 57 ] الأعمش عبيد [74] الله بن عمر ، ولا يحتج بمجرد [75] مفرداته ، فإنه ضعيف .
ومما ينبغي أن يعرف أن ما يوجد في جنس الشيعة من الأقوال ، والأفعال المذمومة ، وإن كان أضعاف ما ذكر لكن قد لا يكون هذا كله في الإمامية [ الاثني عشرية ] [76] ، ولا في الزيدية ، ولكن يكون كثير منه في الغالية ، وفي كثير من عوامهم مثل ما يذكر عنهم من تحريم لحم الجمل ، وأن الطلاق يشترط فيه رضا المرأة ، ونحو ذلك مما يقوله بعض عوامهم [77] ، وإن كان علماؤهم لا يقولون ذلك لكن لما كان أصل مذهبهم [78] مستندا إلى جهل كانوا أكثر الطوائف كذبا . وجهلا [79] .