الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  ثم [1] نقول : ثانيا : الجواب عن هذه الآية حق من وجوه : الأول : أنا نطالبه بصحة هذا النقل ، أو لا يذكر [2] هذا الحديث على وجه تقوم به الحجة ; فإن مجرد عزوه إلى تفسير الثعلبي ، أو [3] نقل الإجماع على ذلك من غير العالمين بالمنقولات ، الصادقين في نقلها ، ليس بحجة باتفاق أهل العلم ، إن [4] لم نعرف ثبوت إسناده ، وكذلك إذا روى فضيلة لأبي بكر وعمر ، لم يجز اعتقاد ثبوت ذلك بمجرد ثبوت روايته باتفاق أهل العلم .

                  [ ص: 11 ] فالجمهور - أهل السنة - لا يثبتون بمثل هذا شيئا يريدون إثباته : لا حكما ، ولا فضيلة ، ولا غير ذلك . وكذلك الشيعة .

                  وإذا كان هذا بمجرده ليس بحجة باتفاق [ الطوائف ] كلها [5] ، بطل الاحتجاج به . وهكذا القول في كل ما نقله وعزاه إلى أبي نعيم أو الثعلبي أو النقاش أو ابن المغازلي [6] ونحوهم .

                  الثاني : قوله : " قد أجمعوا أنها نزلت في علي " من أعظم الدعاوى الكاذبة ، بل أجمع أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في علي بخصوصه ، وأن عليا لم يتصدق بخاتمه في الصلاة ، وأجمع أهل العلم بالحديث على أن القصة [7] المروية في ذلك من الكذب الموضوع . [8]

                  [ ص: 12 ] وأما ما نقله [9] من تفسير الثعلبي ، فقد أجمع أهل العلم بالحديث أن الثعلبي يروي [10] طائفة من الأحاديث الموضوعات ، كالحديث الذي يرويه في أول كل سورة عن أبي أمامة في فضل تلك السورة ، وكأمثال ذلك . ولهذا يقولون : " هو كحاطب ليل " .

                  وهكذا الواحدي تلميذه ، وأمثالهما من المفسرين : ينقلون الصحيح والضعيف .

                  ولهذا لما كان البغوي عالما بالحديث ، أعلم به من الثعلبي والواحدي ، وكان تفسيره مختصر تفسير الثعلبي ، لم يذكر في تفسيره شيئا من الأحاديث الموضوعة التي يرويها الثعلبي ، ولا ذكر تفاسير أهل البدع التي ذكرها [11] الثعلبي ، مع أن الثعلبي فيه خير ودين ، لكنه لا خبرة له بالصحيح من الأحاديث ، [12] ولا يميز بين السنة والبدعة في كثير من الأقوال [13] .

                  [ ص: 13 ] وأما أهل العلم الكبار : أهل التفسير ، مثل تفسير محمد بن جرير الطبري ، وبقي بن مخلد ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم ، وأمثالهم - فلم يذكروا فيها [14] مثل هذه الموضوعات .

                  دع من هو أعلم منهم ، مثل تفسير أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه . بل [15] ولا يذكر مثل هذا [16] عند ابن حميد ولا عبد الرزاق [17] ، مع أن عبد الرزاق كان يميل إلى التشيع ، ويروي كثيرا من فضائل علي ، وإن كانت ضعيفة ; لكنه أجل قدرا من أن يروي مثل هذا الكذب الظاهر .

                  وقد أجمع أهل العلم بالحديث إلى أنه لا يجوز الاستدلال بمجرد خبر يرويه الواحد ، من جنس الثعلبي والنقاش والواحدي ، وأمثال هؤلاء المفسرين ; لكثرة ما يروونه [18] من الحديث ويكون ضعيفا ، بل موضوعا . فنحن لو لم نعلم كذب هؤلاء من وجوه أخرى ، لم يجز أن نعتمد عليه ; لكون الثعلبي وأمثاله رووه ، فكيف إذا كنا عالمين بأنه كذب ؟ ! .

                  وسنذكر - إن شاء الله تعالى - ما يبين كذبه عقلا ونقلا ، وإنما المقصود هنا [ ص: 14 ] بيان افتراء هذا المصنف أو كثرة [19] جهله ، حيث قال : " * قد أجمعوا أنها نزلت في علي " فيا ليت شعري من نقل هذا الإجماع من أهل العلم والعالمين بالإجماع في مثل هذه الأمور ؟ * [20] . فإن نقل الإجماع في مثل هذا لا يقبل من غير أهل العلم بالمنقولات ، وما فيها من إجماع واختلاف .

                  فالمتكلم والمفسر والمؤرخ ونحوهم ، لو ادعى أحدهم نقلا مجردا بلا إسناد ثابت لم يعتمد عليه ، فكيف إذا ادعى إجماعا ؟ ! .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية