الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 157 ] فصل

                  قال الرافضي [1] : " البرهان السابع عشر : قوله تعالى : ( الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله )  الآيات [ سورة التوبة : 20 ] . روى رزين بن معاوية [2] في " الجمع بين الصحاح الستة " أنها نزلت في علي لما افتخر طلحة بن شيبة والعباس . وهذه لم تثبت [3] لغيره من الصحابة ، فيكون أفضل [4] ، فيكون هو الإمام " .

                  والجواب من وجوه : أحدها : المطالبة بصحة النقل . ورزين [5] قد ذكر في كتابه أشياء ليست في الصحاح .

                  الثاني : أن الذي في الصحيح ليس كما ذكره عن رزين ، بل الذي في الصحيح ما رواه [6] النعمان بن بشير ، قال : كنت عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رجل : لا أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج . وقال آخر لا أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن [ ص: 158 ] أعمر المسجد الحرام . وقال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم . فزجرهم عمر ، وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو يوم الجمعة ، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه . فأنزل الله تعالى : ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله ) الآية إلى آخرها [7] [ سورة التوبة : 19 ] أخرجه مسلم [8] .

                  وهذا الحديث يقتضي أن قول علي الذي فضل به الجهاد على السدانة والسقاية - أصح من قول من فضل السدانة والسقاية ، وأن عليا كان أعلم بالحق في هذه المسألة ممن نازعه فيها . وهذا صحيح .

                  وعمر قد وافق ربه في عدة أمور ، يقول شيئا وينزل القرآن بموافقته . قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ، فنزلت : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) [ سورة البقرة : 125 ] ، وقال : إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر ، فلو أمرتهن بالحجاب ، فنزلت آية الحجاب . وقال : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات ، فنزلت كذلك [9] . وأمثال ذلك . وهذا كله ثابت في الصحيح . وهذا أعظم من تصويب علي في مسألة واحدة .

                  وأما التفضيل بالإيمان والهجرة والجهاد  ، فهذا ثابت لجميع الصحابة الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ، فليس هاهنا فضيلة اختص بها علي ، حتى يقال : إن هذا لم يثبت لغيره .

                  [ ص: 159 ] الثالث : أنه لو قدر أنه اختص بمزية فهذه ليست من خصائص الإمامة ، ولا موجبة لأن يكون أفضل مطلقا . فإن الخضر لما علم ثلاث مسائل لم يعلمها موسى لم يكن أفضل من موسى مطلقا ، والهدهد لما قال لسليمان : ( أحطت بما لم تحط به ) [ سورة النمل : 22 ] لم يكن أعلم من سليمان مطلقا .

                  الرابع : أن عليا كان يعلم هذه المسألة ، فمن أين يعلم أن غيره من الصحابة لم يعلمها ؟ فدعوى اختصاصه بعلمها باطل ، فبطل الاختصاص على التقديرين . بل من المعلوم بالتواتر أن جهاد أبي بكر بماله أعظم من جهاد علي ،  فإن أبا بكر كان موسرا ، قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما نفعني مال كمال أبي بكر " [10] وعلي كان فقيرا ، وأبو بكر أعظم جهادا بنفسه ، كما سنذكره - إن شاء الله تعالى [11] - .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية