الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل

                  قال الرافضي [1] : " البرهان السادس والعشرون : قوله تعالى : ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم )   [ سورة الحديد : 19 ] روى أحمد بن حنبل بإسناده عن [2] أبي ليلى ، عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 223 ] " الصديقون ثلاثة : حبيب بن موسى النجار مؤمن آل ياسين ، الذي قال : يا قوم اتبعوا المرسلين . وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله . وعلي بن أبي طالب الثالث [3] ، وهو أفضلهم . ونحوه روى ابن المغازلي [4] الفقيه الشافعي [5] وصاحب كتاب " الفردوس " . وهذه فضيلة تدل على إمامته " .

                  والجواب من وجوه : أحدها : المطالبة بصحة الحديث ، وهذا ليس في مسند أحمد . ومجرد روايته له في الفضائل ، لو كان رواه ؛ لا يدل على صحته عنده باتفاق أهل العلم ، فإنه يروي ما رواه الناس ، وإن لم تثبت صحته . وكل من عرف العلم يعلم أنه [6] ليس كل حديث رواه أحمد في الفضائل ونحوه يقول : إنه صحيح ، بل ولا كل حديث رواه في مسنده يقول : إنه صحيح ، بل أحاديث مسنده هي التي رواها الناس عمن هو معروف عند الناس بالنقل ولم يظهر كذبه ، وقد يكون في بعضها علة تدل على أنه ضعيف ، بل باطل . لكن غالبها وجمهورها أحاديث جيدة يحتج بها ، وهي أجود من أحاديث سنن أبي داود . وأما ما رواه في الفضائل فليس من هذا الباب عنده .

                  والحديث قد يعرف أن محدثه غلط فيه ، أو كذبه من غير علم [7] بحال المحدث ، بل بدلائل أخر .

                  [ ص: 224 ] والكوفيون كان قد اختلط كذبهم بصدقهم ، فقد يخفى كذب أحدهم أو غلطه على المتأخرين ، ولكن يعرف ذلك بدليل آخر . فكيف وهذا الحديث لم يروه أحمد : لا في المسند ولا في كتاب " الفضائل " ، وإنما هو من زيادات القطيعي

                  [8] رواه [9] عن محمد بن يونس القرشي ، حدثنا الحسن بن محمد الأنصاري [10] حدثنا عمرو [11] بن جميع حدثنا ابن أبي ليلى [12] ( 6 عن أخيه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى [13] 6 ) [ عن أبيه ] [14] قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره [15] .

                  [ ص: 225 ] ورواه القطيعي أيضا من طريق آخر قال [16] : كتب إلينا عبد الله بن غنام الكوفي [17] يذكر أن الحسن بن عبد الرحمن بن أبي ليلى المكفوف حدثهم قال : حدثنا [18] عمرو بن جميع حدثنا محمد بن أبي ليلى عن عيسى [19] ثم ذكر الحديث [20] . وعمرو بن جميع ممن لا يحتج بنقله ، بل قال ابن عدي : يتهم [21] بالوضع . قال يحيى : كذاب خبيث . وقال النسائي والدارقطني : متروك . وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات ، والمناكير عن المشاهير ، لا يحل [22] كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار [23] .

                  الثاني : أن هذا [24] الحديث موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                  الثالث : أن في الصحيح من غير وجه تسمية غير علي صديقا ، كتسمية أبي بكر الصديق ، فكيف يقال : الصديقون الثلاثة ؟

                  وفي الصحيحين عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صعد أحدا ، [ ص: 226 ] وتبعه [25] أبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اثبت أحد ; فما عليك إلا نبي أو صديق وشهيدان " [26] . ورواه الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد عن قتادة عن أنس [27] . وفي رواية " ارتج بهم أحد [28] " .

                  وفي الصحيح [29] عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " عليكم بالصدق ; فإن الصدق يهدي إلى البر ، والبر يهدي إلى الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، وإياكم والكذب ; فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، والفجور يهدي إلى النار ، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا " [30] .

                  الوجه الرابع : أن الله تعالى قد سمى مريم صديقة ، فكيف يقال : الصديقون ثلاثة ؟ !

                  [ ص: 227 ] الوجه الخامس : أن قول القائل : الصديقون ثلاثة ، إن أراد به أنه لا صديق إلا هؤلاء ، فإنه [31] كذب مخالف للكتاب والسنة وإجماع المسلمين . وإن أراد [32] أن الكامل في الصديقية هم الثلاثة ، فهو أيضا خطأ ; لأن أمتنا خير أمة أخرجت للناس ; فكيف يكون المصدق بموسى ورسل عيسى أفضل من المصدقين بمحمد ؟ !

                  والله تعالى لم يسم مؤمن آل فرعون صديقا ، ولا يسمى [33] صاحب آل ياسين صديقا ، ولكنهم صدقوا بالرسل [34] . والمصدقون بمحمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل منهم .

                  وقد سمى الله الأنبياء صديقين في مثل قوله : ( واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا ) [ سورة مريم : 41 ] ، ( واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ) [ سورة مريم : 56 ] وقوله عن يوسف : ( أيها الصديق ) [ سورة يوسف : 46 ] .

                  الوجه السادس [35] : أن الله تعالى قال : ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم ) [ سورة الحديد : 19 ] . وهذا يقتضي أن كل مؤمن آمن [36] بالله ورسله [37] فهو صديق [38] .

                  [ ص: 228 ] السابع : أن يقال : إن كان الصديق هو الذي يستحق الإمامة ، فأحق الناس بكونه صديقا أبو بكر ; فإنه الذي ثبت له هذا الاسم بالدلائل الكثيرة ، وبالتواتر الضروري عند الخاص والعام ، حتى إن أعداء الإسلام يعرفون ذلك ، فيكون هو المستحق للإمامة . وإن لم يكن كونه صديقا يستلزم الإمامة بطلت الحجة   .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية