فصل 
قال الرافضي [1]  : " البرهان السادس والعشرون : قوله تعالى : ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم   )   [ سورة الحديد : 19 ] روى  أحمد بن حنبل  بإسناده عن [2] أبي ليلى ، عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  [ ص: 223 ]  " الصديقون ثلاثة : حبيب بن موسى النجار مؤمن آل ياسين  ، الذي قال : يا قوم اتبعوا المرسلين . وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله .  وعلي بن أبي طالب  الثالث [3] ، وهو أفضلهم  . ونحوه روى ابن المغازلي  [4] الفقيه  الشافعي  [5] وصاحب كتاب " الفردوس " . وهذه فضيلة تدل على إمامته " . 
والجواب من وجوه : أحدها : المطالبة بصحة الحديث ، وهذا ليس في مسند  أحمد   . ومجرد روايته له في الفضائل ، لو كان رواه ؛ لا يدل على صحته عنده باتفاق أهل العلم ، فإنه يروي ما رواه الناس ، وإن لم تثبت صحته . وكل من عرف العلم يعلم أنه [6] ليس كل حديث رواه  أحمد  في الفضائل ونحوه يقول : إنه صحيح ، بل ولا كل حديث رواه في مسنده يقول : إنه صحيح ، بل أحاديث مسنده هي التي رواها الناس عمن هو معروف عند الناس بالنقل ولم يظهر كذبه ، وقد يكون في بعضها علة تدل على أنه ضعيف ، بل باطل . لكن غالبها وجمهورها أحاديث جيدة يحتج بها ، وهي أجود من أحاديث سنن  أبي داود   . وأما ما رواه في الفضائل فليس من هذا الباب عنده . 
والحديث قد يعرف أن محدثه غلط فيه ، أو كذبه من غير علم [7] بحال المحدث ، بل بدلائل أخر . 
 [ ص: 224 ] والكوفيون كان قد اختلط كذبهم بصدقهم ، فقد يخفى كذب أحدهم أو غلطه على المتأخرين ، ولكن يعرف ذلك بدليل آخر . فكيف وهذا الحديث لم يروه  أحمد   : لا في المسند ولا في كتاب " الفضائل " ، وإنما هو من زيادات  القطيعي  
[8] رواه [9] عن محمد بن يونس القرشي  ، حدثنا الحسن بن محمد الأنصاري  [10] حدثنا عمرو [11] بن جميع  حدثنا  ابن أبي ليلى  [12]  ( 6 عن أخيه عن  عبد الرحمن بن أبي ليلى  [13]  6 ) [ عن أبيه ] [14] قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره [15]  . 
 [ ص: 225 ] ورواه  القطيعي  أيضا من طريق آخر قال [16]  : كتب إلينا عبد الله بن غنام الكوفي  [17] يذكر أن الحسن بن عبد الرحمن بن أبي ليلى المكفوف  حدثهم قال : حدثنا [18] عمرو بن جميع  حدثنا محمد بن أبي ليلى  عن عيسى  [19] ثم ذكر الحديث [20]  . وعمرو بن جميع  ممن لا يحتج بنقله ، بل قال  ابن عدي   : يتهم [21] بالوضع . قال يحيى   : كذاب خبيث . وقال  النسائي   والدارقطني   : متروك . وقال  ابن حبان   : يروي الموضوعات عن الأثبات ، والمناكير عن المشاهير ، لا يحل [22] كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار [23]  . 
الثاني : أن هذا [24] الحديث موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . 
الثالث : أن في الصحيح من غير وجه تسمية غير علي صديقا ، كتسمية  أبي بكر الصديق  ، فكيف يقال : الصديقون الثلاثة ؟ 
وفي الصحيحين عن  أنس  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صعد أحدا  ،  [ ص: 226 ] وتبعه [25]  أبو بكر   وعمر   وعثمان  ، فرجف بهم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اثبت أحد   ; فما عليك إلا نبي أو صديق وشهيدان  " [26]  . ورواه الإمام  أحمد  عن يحيى بن سعيد  عن قتادة  عن  أنس  [27]  . وفي رواية " ارتج بهم أحد  [28]  " . 
وفي الصحيح [29] عن  ابن مسعود  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " عليكم بالصدق ; فإن الصدق يهدي إلى البر ، والبر يهدي إلى الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، وإياكم والكذب ; فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، والفجور يهدي إلى النار ، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا  " [30]  . 
الوجه الرابع : أن الله تعالى قد سمى مريم  صديقة ، فكيف يقال : الصديقون ثلاثة ؟ ! 
 [ ص: 227 ] الوجه الخامس : أن قول القائل : الصديقون ثلاثة ، إن أراد به أنه لا صديق إلا هؤلاء ، فإنه [31] كذب مخالف للكتاب والسنة وإجماع المسلمين . وإن أراد [32] أن الكامل في الصديقية هم الثلاثة ، فهو أيضا خطأ ; لأن أمتنا خير أمة أخرجت للناس ; فكيف يكون المصدق بموسى  ورسل عيسى  أفضل من المصدقين بمحمد  ؟ ! 
والله تعالى لم يسم مؤمن آل فرعون صديقا ، ولا يسمى [33] صاحب آل ياسين صديقا ، ولكنهم صدقوا بالرسل [34]  . والمصدقون بمحمد   - صلى الله عليه وسلم - أفضل منهم . 
وقد سمى الله الأنبياء صديقين في مثل قوله : ( واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا   ) [ سورة مريم : 41 ] ، ( واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا   ) [ سورة مريم : 56 ] وقوله عن يوسف   : ( أيها الصديق   ) [ سورة يوسف : 46 ] . 
الوجه السادس [35]  : أن الله تعالى قال : ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم   ) [ سورة الحديد : 19 ] . وهذا يقتضي أن كل مؤمن آمن [36] بالله ورسله [37] فهو صديق [38]  . 
 [ ص: 228 ] السابع : أن يقال : إن كان الصديق هو الذي يستحق الإمامة ، فأحق الناس بكونه صديقا  أبو بكر   ; فإنه الذي ثبت له هذا الاسم بالدلائل الكثيرة ، وبالتواتر الضروري عند الخاص والعام ، حتى إن أعداء الإسلام يعرفون ذلك ، فيكون هو المستحق للإمامة . وإن لم يكن كونه صديقا يستلزم الإمامة بطلت الحجة   . 
				
						
						
