الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل .

                  قال الرافضي [1] : " البرهان الحادي والثلاثون : قوله تعالى : [ ص: 251 ] ( ومن عنده علم الكتاب ) [ سورة الرعد : 43 ] . من طريق أبي نعيم [2] عن ابن الحنفية قال : هو علي بن أبي طالب . وفي تفسير الثعلبي عن عبد الله بن سلام قال [3] : قلت : من هذا الذي عنده علم الكتاب ؟ قال : ذلك علي بن أبي طالب [4] . وهذا يدل على أنه أفضل ، فيكون هو الإمام " .

                  والجواب من وجوه : أحدها : المطالبة بصحة النقل عن ابن سلام وابن الحنفية .

                  الثاني : أنه بتقدير ثبوته ليس بحجة مع مخالفة الجمهور لها .

                  الثالث : أن هذا كذب عليهما .

                  الرابع : أن هذا باطل قطعا . وذلك أن الله تعالى قال : ( قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ) [ سورة الرعد : 43 ] ، ولو أريد به علي لكان المراد أن محمدا يستشهد [5] على ما قاله بابن عمه علي . ومعلوم أن عليا لو شهد له بالنبوة وبكل ما قال ، لم ينتفع محمد بشهادته له ، ولا يكون ذلك حجة له على الناس ، ولا يحصل بذلك دليل المستدل [6] ، ولا ينقاد بذلك أحد ; لأنهم يقولون : من أين لعلي ذلك ؟ وإنما هو استفاد ذلك من محمد ، فيكون محمد هو الشاهد لنفسه .

                  ومنها أن يقال : [ إن ] [7] هذا ابن عمه ومن أول من آمن به ، فيظن به [ ص: 252 ] المحاباة والمداهنة . والشاهد إن لم يكن عالما بما يشهد به ، بريئا من التهمة ، لم يحكم بشهادته ، ولم يكن حجة على المشهود عليه ، فكيف إذا لم يكن له علم بها إلا من المشهود له ؟

                  ومعلوم أنه لو شهد له بتصديقه [8] فيما قاله أبو بكر وعمر وغيرهما ، كان أنفع له ; لأن هؤلاء أبعد عن التهمة ، ولأن هؤلاء قد يقال : إنهم كانوا رجالا وقد سمعوا من أهل الكتاب ومن الكهان أشياء علموها من غير جهة محمد ، بخلاف علي فإنه كان صغيرا ، فكان الخصوم يقولون : لا يعلم ما شهد به إلا من جهة المشهود له .

                  وأما أهل الكتاب فإذا شهدوا بما تواتر عندهم عن الأنبياء وبما علم صدقه [9] كانت تلك [10] شهادة نافعة ، كما لو كان الأنبياء موجودين وشهدوا له ; لأن ما ثبت نقله عنهم بالتواتر وغيره كان بمنزلة شهادتهم أنفسهم .

                  ولهذا نحن نشهد على الأمم بما علمناه من جهة نبينا ، كما قال تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) [ سورة البقرة : 143 ] .

                  فهذا الجاهل الذي جعل هذا فضيلة لعلي قدح بها فيه وفي النبي [11] الذي صار به علي من المؤمنين ، وفي الأدلة [12] الدالة على الإسلام . ولا يقول هذا إلا زنديق أو جاهل مفرط في الجهل .

                  [ ص: 253 ] فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم .

                  الخامس : أن الله - سبحانه وتعالى - قد ذكر الاستشهاد بأهل الكتاب في غير آية ، كقوله تعالى : ( قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به ) [ سورة فصلت : 52 ] ، ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) [ سورة الأحقاف : 10 ] أفترى عليا هو من بني إسرائيل ؟

                  وقال تعالى : ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ) [ سورة يونس : 94 ] ، فهل كان علي من الذين يقرءون الكتاب من قبله ؟

                  وقال : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ) [ سورة يوسف : 109 ] ، ( فاسألوا أهل الذكر ) [ سورة النحل : 43 ] فهل أهل الذكر [13] الذين [14] يسألونهم هل أرسل الله إليهم [15] رجالا هم علي بن أبي طالب ؟ !

                  السادس : أنه لو قدر أن عليا هو الشاهد ، لم يلزم أن يكون أفضل من غيره ، كما أن أهل الكتاب الذين يشهدون بذلك ، مثل عبد الله بن سلام * وسلمان وكعب الأحبار وغيرهم ، ليسوا أفضل من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار * [16] ، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وجعفر وغيرهم [17] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية