فصل .
قال الرافضي [1] : " البرهان الحادي والثلاثون : ومن عنده علم الكتاب ) [ سورة الرعد : 43 ] . من طريق قوله تعالى : [ ص: 251 ] ( أبي نعيم [2] عن قال : هو ابن الحنفية . وفي تفسير علي بن أبي طالب عن الثعلبي قال عبد الله بن سلام [3] : قلت : من هذا الذي عنده علم الكتاب ؟ قال : ذلك علي بن أبي طالب [4] . وهذا يدل على أنه أفضل ، فيكون هو الإمام " .
والجواب من وجوه : أحدها : المطالبة بصحة النقل عن ابن سلام . وابن الحنفية
الثاني : أنه بتقدير ثبوته ليس بحجة مع مخالفة الجمهور لها .
الثالث : أن هذا كذب عليهما .
الرابع : أن هذا باطل قطعا . وذلك أن الله تعالى قال : ( قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ) [ سورة الرعد : 43 ] ، ولو أريد به لكان المراد أن علي محمدا يستشهد [5] على ما قاله بابن عمه . ومعلوم أن علي لو شهد له بالنبوة وبكل ما قال ، لم ينتفع عليا محمد بشهادته له ، ولا يكون ذلك حجة له على الناس ، ولا يحصل بذلك دليل المستدل [6] ، ولا ينقاد بذلك أحد ; لأنهم يقولون : من أين ذلك ؟ وإنما هو استفاد ذلك من لعلي محمد ، فيكون محمد هو الشاهد لنفسه .
ومنها أن يقال : [ إن ] [7] هذا ابن عمه ومن أول من آمن به ، فيظن به [ ص: 252 ] المحاباة والمداهنة . والشاهد إن لم يكن عالما بما يشهد به ، بريئا من التهمة ، لم يحكم بشهادته ، ولم يكن حجة على المشهود عليه ، فكيف إذا لم يكن له علم بها إلا من المشهود له ؟
ومعلوم أنه لو شهد له بتصديقه [8] فيما قاله أبو بكر وغيرهما ، كان أنفع له ; لأن هؤلاء أبعد عن التهمة ، ولأن هؤلاء قد يقال : إنهم كانوا رجالا وقد سمعوا من أهل الكتاب ومن الكهان أشياء علموها من غير جهة وعمر محمد ، بخلاف فإنه كان صغيرا ، فكان الخصوم يقولون : لا يعلم ما شهد به إلا من جهة المشهود له . علي
وأما أهل الكتاب فإذا شهدوا بما تواتر عندهم عن الأنبياء وبما علم صدقه [9] كانت تلك [10] شهادة نافعة ، كما لو كان الأنبياء موجودين وشهدوا له ; لأن ما ثبت نقله عنهم بالتواتر وغيره كان بمنزلة شهادتهم أنفسهم .
ولهذا وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) [ سورة البقرة : 143 ] . نحن نشهد على الأمم بما علمناه من جهة نبينا ، كما قال تعالى : (
فهذا الجاهل الذي جعل هذا فضيلة قدح بها فيه وفي النبي لعلي [11] الذي صار به من المؤمنين ، وفي الأدلة علي [12] الدالة على الإسلام . ولا يقول هذا إلا زنديق أو جاهل مفرط في الجهل .
[ ص: 253 ] فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم .
الخامس : أن ، كقوله تعالى : ( الله - سبحانه وتعالى - قد ذكر الاستشهاد بأهل الكتاب في غير آية قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به ) [ سورة فصلت : 52 ] ، ( وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) [ سورة الأحقاف : 10 ] أفترى عليا هو من بني إسرائيل ؟
وقال تعالى : ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ) [ سورة يونس : 94 ] ، فهل كان علي من الذين يقرءون الكتاب من قبله ؟
وقال : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ) [ سورة يوسف : 109 ] ، ( فاسألوا أهل الذكر ) [ سورة النحل : 43 ] فهل أهل الذكر [13] الذين [14] يسألونهم هل أرسل الله إليهم [15] رجالا هم ؟ ! علي بن أبي طالب
السادس : أنه لو قدر أن هو الشاهد ، لم يلزم أن يكون أفضل من غيره ، كما أن أهل الكتاب الذين يشهدون بذلك ، مثل عليا * عبد الله بن سلام وسلمان وغيرهم ، ليسوا أفضل من السابقين الأولين من وكعب الأحبار المهاجرين والأنصار * [16] ، كأبي بكر وعثمان وعمر وعلي وجعفر وغيرهم [17] .