الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 254 ] فصل

                  قال الرافضي [1] : " البرهان الثاني والثلاثون : قوله تعالى : ( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ) [ سورة التحريم : 8 ] . روى [2] أبو نعيم مرفوعا إلى ابن عباس قال : أول من يكسى [3] من حلل الجنة : إبراهيم - عليه السلام - بخلته من الله [4] ، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - ; لأنه صفوة الله ، ثم علي يزف بينهما إلى الجنان ، ثم قرأ ابن عباس : ( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ) قال : علي وأصحابه . وهذا يدل على أنه أفضل من غيره ، فيكون هو الإمام " .

                  والجواب من وجوه : أحدها : المطالبة بصحة النقل [5] ، لا سيما في مثل هذا الذي لا أصل له .

                  [ ص: 255 ] الثاني : أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث [6] .

                  الثالث : أن هذا باطل قطعا ; لأن هذا يقتضي [7] أن يكون علي أفضل من إبراهيم ومحمد ; لأنه وسط وهما طرفان . وأفضل الخلق إبراهيم ومحمد ، فمن فضل عليهما عليا كان أكفر من اليهود والنصارى .

                  الرابع : أنه قد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم " [8] . وليس فيه ذكر محمد ولا علي . وتقديم إبراهيم بالكسوة لا يقتضي أنه أفضل من محمد مطلقا [9] ، كما أن قوله : " إن الناس يصعقون يوم القيامة ، فأكون أول من يفيق ، فأجد [10] موسى باطشا [11] بالعرش ، فلا أدري هل استفاق قبلي أم كان من الذين استثنى الله " [12] ، [ ص: 256 ] فتجويز [13] أن يكون سبقه في الإفاقة أو لم يصعق [14] بحال - لا يمنعنا [15] أن نعلم أن محمدا أفضل من موسى .

                  ولكن إذا كان التفضيل على وجه الغض من المفضول في النقص له نهي عن ذلك ، كما نهى في هذا الحديث عن تفضيله على موسى ، وكما قال لمن قال : يا خير البرية . قال : " ذاك إبراهيم " [16] وصح قوله : " أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، آدم فمن دونه تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر " [17] .

                  [ ص: 257 ] وكذلك الكلام في تفضيل الصحابة يتقى فيه نقص أحد عن رتبته أو الغض من [18] درجته ، أو دخول الهوى والفرية في ذلك ، كما فعلت الرافضة والنواصب الذين يبخسون بعض الصحابة حقوقهم .

                  الخامس : أن قوله تعالى : ( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير ) [ سورة التحريم : 8 ] وقوله : ( يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم ) [ سورة الحديد : 12 ] نص عام في المؤمنين الذين مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وسياق الكلام يدل على عمومه ، والآثار المروية في ذلك تدل على عمومه .

                  قال ابن عباس : ليس أحد من المسلمين إلا يعطى نورا يوم القيامة ; فأما المنافق فيطفأ [ نوره ] يوم القيامة [19] ، والمؤمن يشفق مما يرى [20] من إطفاء نور المنافق [21] ، فهو يقول : ربنا أتمم لنا نورنا [22] ، فإن العموم [23] في ذلك [ ص: 258 ] يعلم قطعا ويقينا ، وأنه لم يرد به شخص واحد ، فكيف يجوز أن يقال : إنه على وحده ، ولو أن قائلا قال في كل ما جعلوه عليا أنه أبو بكر أو عمر أو عثمان [24] أي فرق كان بين هؤلاء وهؤلاء إلا محض الدعوى والافتراء [25] ؟ بل يمكن ذكر شبه لمن يدعي اختصاص ذلك بأبي بكر وعمر أعظم من شبه الرافضة التي تدعي اختصاص ذلك بعلي . وحينئذ فدخول علي في هذه الآية كدخول الثلاثة ، بل هم أحق بالدخول فيها ، فلم يثبت بها أفضليته ولا إمامته [26] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية