الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فصل

                  قال الرافضي [1] : " وفيه نزل قوله تعالى : ( وتعيها أذن واعية ) ( سورة الحاقة : 12 ) .

                  والجواب : أنه حديث موضوع باتفاق أهل العلم [2] ، ومعلوم بالاضطرار أن الله تعالى لم يرد بذلك أن لا تعيها إلا أذن واعية واحدة من الآذان ، ولا أذن شخص معين ، لكن المقصود النوع فيدخل في ذلك كل أذن واعية [3] .

                  [ ص: 523 ] فصل

                  قال الرافضي [4] : " وكان في غاية الذكاء [5] ، شديد الحرص على التعلم ، ولازم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أكمل الناس ملازمة ليلا [6] ونهارا من صغره إلى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                  والجواب : أن يقال : من أين علم أنه أذكى من عمر ومن أبي بكر ؟ أو أنه كان أرغب في العلم منهما ؟ أو أن استفادته من النبي صلى الله عليه وسلم أكثر منهما ؟

                  وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنه كان في الأمم قبلكم محدثون ، فإن يكن في أمتي أحد فعمر " [7] ، والمحدث : الملهم يلهمه الله ، وهذا قدر زائد على تعليم البشر .

                  وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " رأيت كأني أتيت بلبن فشربت منه حتى رأيت الري يخرج من أظفاري ثم ناولت فضلي عمر " قالوا : فما أولته ؟ قال : " العلم " [8] ، ولم يرو مثل هذا لعلي .

                  [ ص: 524 ] وفي الصحيحين عن أبي سعيد ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص ، منها ما يبلغ الثدي ، ومنها ( ما ) دون ذلك [9] ، وعرض علي عمر وعليه - قميص يجره ، قالوا : فما أولته يا رسول الله ؟ قال : " الدين " [10] .

                  فهذان حديثان صحيحان يشهدان له بالعلم والدين ، ولم يرو مثل هذا لعلي .

                  وقال ابن مسعود لما مات عمر : " إني لأحسب هذا قد ذهب بتسعة أعشار العلم ، وشارك الناس في العشر الباقي " [11] .

                  ولا ريب أن أبا بكر كان ملازما للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من علي ومن كل أحد ، وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أكثر اجتماعا بالنبي صلى الله عليه وسلم من علي بكثير .

                  كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : " وضع عمر رضي الله عنه على سريره ، فتكنفه الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه قبل أن يرفع ، فلم يرعني إلا رجل قد أخذ بمنكبي من ورائي ، فالتفت إليه ، فإذا هو علي ، وترحم ( علي ) [12] على عمر ، وقال : ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله عز وجل بمثل عمله منك ، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك ، وذلك أني كثيرا ما كنت أسمع النبي [13] صلى [ ص: 525 ] الله عليه وسلم يقول : " : جئت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر " ، فإن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك [14] .

                  وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يسمران في أمر المسلمين بالليل .

                  والمسائل التي تنازع فيها عمر وعلي في الغالب يكون فيها قول عمر أرجح ، كمسألة الحامل المتوفى عنها زوجها ، ومسألة الحرام ، كما تقدم .

                  ولا ريب أن مذهب أهل المدينة أرجح من مذهب أهل العراق ، وهؤلاء يتبعون عمر وزيدا في الغالب ، وأولئك يتبعون عليا وابن مسعود .

                  وكان ما يقوله عمر يشاور فيه عثمان وعليا وغيرهما ، وعلي مع هؤلاء أقوى من علي وحده .

                  ، كما قال له قاضيه عبيدة السلماني : " رأيك مع عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك في الفرقة " .

                  وقال ابن مسعود : " كان عمر إذا فتح لنا بابا دخلناه فوجدناه سهلا ، أتي في زوج وأبوين وامرأة وأبوين ، فقال : للأم ثلث الباقي ، ثم إن عثمان وعليا وابن مسعود وزيدا اتبعوه " .

                  وسعيد بن المسيب كان من أعلم التابعين باتفاق المسلمين ، وكان عمدة فقهه قضايا عمر ، وكان ابن عمر يسأله عنها ، وفي الترمذي عن [ ص: 526 ] النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لو كان بعدي نبي لكان عمر " . قال الترمذي : " حديث حسن " [15] .

                  واعلم أن أهل الكوفة وأصحاب ابن مسعود ، كعلقمة ، والأسود ، وشريح ، والحارث بن قيس ، وعبيدة السلماني ، ومسروق ، وزر بن حبيش ، وأبي وائل ، وغيرهم هؤلاء [16] كانوا يفضلون علم عمر وعلم ابن مسعود على علم علي ، ويقصدون في الغالب قول عمر وابن مسعود دون قول علي [17] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية