فصل
قال الرافضي [1] : " وفيه نزل قوله تعالى : ( وتعيها أذن واعية ) ( سورة الحاقة : 12 ) .
والجواب : أنه حديث موضوع باتفاق أهل العلم [2] ، ومعلوم بالاضطرار أن الله تعالى لم يرد بذلك أن لا تعيها إلا أذن واعية واحدة من الآذان ، ولا أذن شخص معين ، لكن المقصود النوع فيدخل في ذلك كل أذن واعية [3] .
[ ص: 523 ] فصل
قال الرافضي [4] : " وكان في غاية الذكاء [5] ، شديد الحرص على التعلم ، ولازم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أكمل الناس ملازمة ليلا [6] ونهارا من صغره إلى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والجواب : أن يقال : من أين علم أنه أذكى من ومن عمر ؟ أو أنه كان أرغب في العلم منهما ؟ أو أن استفادته من النبي صلى الله عليه وسلم أكثر منهما ؟ أبي بكر
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنه كان في الأمم قبلكم محدثون ، فإن يكن في أمتي أحد فعمر " [7] ، والمحدث : الملهم يلهمه الله ، وهذا قدر زائد على تعليم البشر .
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " عمر " قالوا : فما أولته ؟ قال : " العلم " رأيت كأني أتيت بلبن فشربت منه حتى رأيت الري يخرج من أظفاري ثم ناولت فضلي [8] ، ولم يرو مثل هذا لعلي .
[ ص: 524 ] وفي الصحيحين عن ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أبي سعيد [9] ، وعليه - قميص يجره ، قالوا : فما أولته يا رسول الله ؟ قال : " الدين عمر " وعرض علي رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص ، منها ما يبلغ الثدي ، ومنها ( ما ) دون ذلك [10] .
فهذان حديثان صحيحان يشهدان له بالعلم والدين ، ولم يرو مثل هذا . لعلي
لما مات ابن مسعود : " إني لأحسب هذا قد ذهب بتسعة أعشار العلم عمر ، وشارك الناس في العشر الباقي " وقال [11] .
ولا ريب أن كان ملازما للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أبا بكر ومن كل أحد ، وكان علي أبو بكر رضي الله عنهما أكثر اجتماعا بالنبي صلى الله عليه وسلم من وعمر بكثير . علي
كما في الصحيحين عن رضي الله عنهما ، قال : " وضع ابن عباس رضي الله عنه على سريره ، فتكنفه الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه قبل أن يرفع ، فلم يرعني إلا رجل قد أخذ بمنكبي من ورائي ، فالتفت إليه ، فإذا هو عمر ، وترحم ( علي ) علي [12] على ، وقال : ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله عز وجل بمثل عمله منك ، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك ، وذلك أني كثيرا ما كنت أسمع النبي عمر [13] صلى [ ص: 525 ] الله عليه وسلم يقول : " : وأبو بكر ، ودخلت أنا وعمر وأبو بكر ، وخرجت أنا وعمر وأبو بكر وعمر " ، فإن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك جئت أنا [14] .
يسمران في أمر المسلمين بالليل وأبو بكر . وكان النبي صلى الله عليه وسلم
عمر في الغالب يكون فيها قول وعلي أرجح عمر ، كمسألة الحامل المتوفى عنها زوجها ، ومسألة الحرام ، كما تقدم . والمسائل التي تنازع فيها
ولا ريب أن مذهب أهل المدينة أرجح من مذهب أهل العراق ، وهؤلاء يتبعون عمر وزيدا في الغالب ، وأولئك يتبعون عليا . وابن مسعود
وكان ما يقوله يشاور فيه عمر عثمان وغيرهما ، وعليا مع هؤلاء أقوى من وعلي وحده . علي
، كما قال له قاضيه : " رأيك مع عبيدة السلماني في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك في الفرقة " . عمر
وقال : " كان ابن مسعود إذا فتح لنا بابا دخلناه فوجدناه سهلا ، أتي في زوج وأبوين وامرأة وأبوين ، فقال : للأم ثلث الباقي ، ثم إن عمر عثمان وعليا وابن مسعود وزيدا اتبعوه " .
كان من أعلم التابعين باتفاق المسلمين وسعيد بن المسيب ، وكان عمدة فقهه قضايا ، وكان عمر يسأله عنها ، وفي ابن عمر عن [ ص: 526 ] النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الترمذي عمر لو كان بعدي نبي لكان " . قال : " حديث حسن " الترمذي [15] .
واعلم أن أهل الكوفة وأصحاب ، ابن مسعود كعلقمة ، والأسود ، وشريح ، والحارث بن قيس ، ، وعبيدة السلماني ومسروق ، ، وزر بن حبيش وأبي وائل ، وغيرهم هؤلاء [16] كانوا يفضلون علم وعلم عمر على علم ابن مسعود ، ويقصدون في الغالب قول علي عمر دون قول وابن مسعود علي [17] .