الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كم لبثت  وقد جرى الكلام بالإدغام للثاء، لقيت التاء وهي مجزومة وفي قراءة عبد الله (اتختم العجل) (وإني عت بربي وربكم) فأدغمت الذال أيضا عند التاء؛ وذلك أنهما متناسبتان في قرب المخرج، والثاء والذال مخرجهما ثقيل، فأنزل الإدغام بهما لثقلهما، ألا ترى أن مخرجهما من طرف اللسان. وكذلك الظاء تشاركهن في الثقل. فما أتاك من هذه الثلاثة الأحرف فأدغم، وليس تركك الإدغام بخطأ، إنما هو استثقال. والطاء والدال يدغمان عند التاء أيضا إذا أسكنتا كقوله: أحطت بما لم تحط به تخرج الطاء في اللفظ تاء، وهو أقرب إلى التاء من الأحرف الأول، تجد ذلك إذا امتحنت مخرجيهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لم يتسنه جاء التفسير: لم يتغير [بمرور السنين عليه، مأخوذ من السنة] ، وتكون الهاء من أصله [من قولك: بعته مسانهة، تثبت وصلا ووقفا. ومن وصله بغير هاء جعله من المساناة؛ لأن لام سنة تعتقب عليها الهاء والواو] ، وتكون زائدة صلة بمنزلة قوله فبهداهم اقتده فمن جعل الهاء زائدة جعل فعلت منه تسنيت، ألا ترى أنك تجمع السنة سنوات فيكون تفعلت على صحة، ومن قال في [تصغير] السنة سنينة وإن كان ذلك قليلا جاز أن يكون تسنيت تفعلت أبدلت النون بالياء لما كثرت النونات، كما قالوا تظنيت وأصله الظن. وقد قالوا هو مأخوذ من قوله من حمإ مسنون يريد: متغير. فإن يكن كذلك فهو أيضا مما أبدلت نونه ياء. ونرى أن معناه مأخوذ من السنة أي: لم تغيره السنون. والله أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                      حدثنا محمد بن الجهم ، قال حدثنا الفراء ، قال حدثني سفيان بن عيينة رفعه إلى زيد [ ص: 173 ] ابن ثابت قال: كتب في حجر ننشزها ولم يتسنه وانظر إلى زيد بن ثابت فنقط على الشين والزاي أربعا وكتب (يتسنه) بالهاء. وإن شئت قرأتها في الوصل على وجهين: تثبت الهاء وتجزمها، وإن شئت حذفتها أنشدني بعضهم:


                                                                                                                                                                                                                                      فليست بسنهاء ولا رجبية ولكن عرايا في السنين الجوائح



                                                                                                                                                                                                                                      والرجبية: التي تكاد تسقط فيعمد حولها بالحجارة. والسنهاء النخلة القديمة. فهذه قوة لمن أظهر الهاء إذا وصل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله ولنجعلك آية للناس إنما أدخلت فيه الواو لنية فعل بعدها مضمر كأنه قال: ولنجعلك آية فعلنا ذلك. وهو كثير في القرآن. وقوله آية للناس حين بعث أسود اللحية والرأس وبنو بنيه شيب، فكان آية لذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله ننشزها قرأها زيد بن ثابت كذلك، والإنشاز نقلها إلى موضعها. وقرأها ابن عباس "ننشرها". إنشارها: إحياؤها. واحتج بقوله: ثم إذا شاء أنشره وقرأها الحسن - فيما بلغنا- (ننشرها) ذهب إلى النشر والطي. والوجه أن تقول: أنشر الله الموتى فنشروا إذا حيوا، كما قال الأعشى :

                                                                                                                                                                                                                                      يا عجبا للميت الناشر



                                                                                                                                                                                                                                      وسمعت بعض بني الحارث يقول: كان به جرب فنشر، أي: عاد وحيي. وقوله: فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير جزمها ابن عباس ، وهي في قراءة [ ص: 174 ] أبي وعبد الله جميعا: (قيل له اعلم) ، واحتج ابن عباس فقال: أهو خير من إبراهيم وأفقه؟ فقد قيل له: واعلم أن الله عزيز حكيم والعامة تقرأ: أعلم أن الله وهو وجه حسن؛ لأن المعنى كقول الرجل عند القدرة تتبين له من أمر الله: (أشهد أن لا إله إلا الله) والوجه الآخر أيضا بين.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية