الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها  

                                                                                                                                                                                                                                      اللون مرفوع؛ لأنك لم ترد أن تجعل "ما" صلة فتقول: بين لنا ما لونها، ولو قرأ به قارئ كان صوابا، ولكنه أراد -والله أعلم-: ادع لنا ربك يبين لنا أي شيء لونها، ولم يصلح للفعل الوقوع على أي؛ لأن أصل "أي" تفرق جمع من الاستفهام، ويقول القائل: بين لنا أسوداء هي أم صفراء؟ فلما لم يصلح للتبين أن يقع على الاستفهام في تفرقه لم يقع على أي؛ لأنها جمع ذلك المتفرق، وكذلك ما كان في القرآن مثله، فأعمل في "ما" "وأي" الفعل الذي بعدهما، ولا تعمل الذي قبلهما إذا كان مشتقا من العلم كقولك: ما أعلم أيهم قال ذاك، ولا أعلمن أيهم قال ذاك، وما أدري أيهم ضربت، فهو في العلم والإخبار والإنباء وما أشبهها على ما وصفت لك. منه قول الله تبارك وتعالى: وما أدراك ما هيه وما أدراك ما يوم الدين (ما) الثانية رفع، فرفعتها بيوم كقولك: ما أدراك أي شيء يوم الدين، وكذلك قول الله تبارك وتعالى: لنعلم أي الحزبين أحصى رفعته بأحصى، وتقول إذا كان الفعل واقعا على أي : ما أدري أيهم ضربت. وإنما امتنعت من أن توقع على أي [ ص: 47 ] الفعل الذي قبلها من العلم وأشباهه؛ لأنك تجد الفعل غير واقع على أي في المعنى، ألا ترى أنك إذا قلت: اذهب فاعلم أيهما قام أنك تسأل غيرهما عن حالهما فتجد الفعل واقعا على الذي أعلمك، كما أنك تقول: سل أيهم قام، والمعنى: سل الناس أيهم قام. ولو أوقعت الفعل على "أي" فقلت: اسأل أيهم قام لكنت كأنك تضمر أيا مرة أخرى؛ لأنك تقول: سل زيدا أيهم قام، فإذا أوقعت الفعل على زيد فقد جاءت "أي" بعده. فكذلك "أي" إذا أوقعت عليها الفعل خرجت من معنى الاستفهام، وذلك إن أردته، جائز، تقول: لأضربن أيهم يقول ذاك؛ لأن الضرب لا يقع على [اسم ثم يأتي بعد ذلك استفهام؛ وذلك لأن الضرب لا يقع على] اثنين، وأنت تقول في المسألة: سل عبد الله عن كذا، كأنك قلت: سله عن كذا، ولا يجوز ضربت عبد الله كذا وكذا إلا أن تريد صفة الضرب، فأما الأسماء فلا. وقول الله: ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا من نصب أيا أوقع عليها النزع وليس باستفهام، كأنه قال: ثم لنستخرجن العاتي الذي هو أشد. وفيها وجهان من الرفع أحدهما أن تجعل الفعل مكتفيا بمن في الوقوع عليها، كما تقول: قد قتلنا من كل قوم، وأصبنا من كل طعام، ثم تستأنف أيا فترفعها بالذي بعدها، كما قال جل وعز: يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب [ ص: 48 ] أي: ينظرون أيهم أقرب . ومثله يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم . وأما الوجه الآخر فإن في قوله تعالى: ثم لننزعن من كل شيعة لننزعن من الذين تشايعوا على هذا، ينظرون بالتشايع أيهم أشد وأخبث، وأيهم أشد على الرحمن عتيا، والشيعة ويتشايعون سواء في المعنى. وفيه وجه ثالث من الرفع أن تجعل ثم لننزعن من كل شيعة بالنداء أي: لننادين أيهم أشد على الرحمن عتيا وليس هذا الوجه يريدون. ومثله مما تعرفه به قوله: أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا فقال بعض المفسرين أفلم ييأس الذين آمنوا : ألم يعلم، والمعنى -والله أعلم- أفلم ييأسوا علما بأن الله لو شاء لهدى الناس جميعا. وكذلك لننزعن يقول يريد ننزعهم بالنداء.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية