الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ويأبى الله إلا أن يتم نوره  دخلت (إلا) لأن في أبيت طرفا من الجحد ألا ترى أن (أبيت) كقولك:

                                                                                                                                                                                                                                      لم أفعل، ولا أفعل، فكانه بمنزلة قولك: ما ذهب إلا زيد. ولولا الجحد إذا ظهر أو أتى الفعل محتملا لضميره لم تجز دخول إلا كما أنك لا تقول: ضربت إلا أخاك، ولا ذهب إلا أخوك. وكذلك قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      وهل لي أم غيرها إن تركتها أبى الله إلا أن أكون لها ابنما



                                                                                                                                                                                                                                      وقال الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      إيادا وأنمارها الغالبين     إلا صدودا وإلا ازورارا



                                                                                                                                                                                                                                      أراد: غلبوا إلا صدودا وإلا ازورارا، وقال الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      واعتل إلا كل فرع معرق     مثلك لا يعرف بالتلهوق

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 434 ] فأدخل (إلا) لأن الاعتلال في المنع كالإباء. ولو أراد علة صحيحة لم تدخل إلا لأنها ليس فيها معنى جحد. والعرب تقول: أعوذ بالله إلا منك ومن مثلك لأن الاستعاذة كقولك: اللهم لا تفعل ذا بي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ولم يقل: ينفقونهما. فإن شئت وجهت الذهب والفضة إلى الكنوز فكان توحيدها من ذلك. وإن شئت اكتفيت بذكر أحدهما من صاحبه كما قال:

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها فجعله للتجارة، وقوله: ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا

                                                                                                                                                                                                                                      فجعله- والله أعلم- للإثم، وقال الشاعر في مثل ذلك:


                                                                                                                                                                                                                                      نحن بما عندنا وأنت بما عن     دك راض والرأي مختلف



                                                                                                                                                                                                                                      ولم يقل: راضون، وقال الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      إني ضمنت لمن أتاني ما جنى     وأبى وكان وكنت غير غدور



                                                                                                                                                                                                                                      ولم يقل: غدورين، وذلك لاتفاق المعنى يكتفى بذكر الواحد. وقوله: والله ورسوله أحق أن يرضوه إن شئت جعلته من ذلك: مما اكتفي ببعضه من بعض، وإن شئت جعلت الله تبارك وتعالى في هذا الموضع ذكر لتعظيمه، والمعنى للرسول صلى الله عليه وسلم كما قال: وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه ألا ترى أنك قد تقول لعبدك : قد أعتقك الله وأعتقتك، فبدأت بالله تبارك وتعالى تفويضا إليه وتعظيما له، وإنما يقصد قصد نفسه [ ص: 435 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم جاء التفسير: في الاثني عشر. وجاء (فيهن) : في الأشهر الحرم وهو أشبه بالصواب- والله أعلم- ليتبين بالنهي فيها عظم حرمتها كما قال: حافظوا على الصلوات ثم قال: والصلاة الوسطى فعظمت، ولم يرخص في غيرها بترك المحافظة. ويدلك على أنه للأربعة- والله أعلم- قوله: (فيهن) ولم يقل (فيها) . وكذلك كلام العرب لما بين الثلاثة إلى العشرة تقول: لثلاث ليال خلون، وثلاثة أيام خلون إلى العشرة، فإذا جزت العشرة قالوا: خلت، ومضت. ويقولون لما بين الثلاثة إلى العشرة (هن) و (هؤلاء) فإذا جزت العشرة قالوا (هي، وهذه) إرادة أن تعرف سمة القليل من الكثير. ويجوز في كل واحد ما جاز في صاحبه أنشدني أبو القمقام الفقعسي:


                                                                                                                                                                                                                                      أصبحن في قرح وفي داراتها     سبع ليال غير معلوفاتها



                                                                                                                                                                                                                                      ولم يقل: معلوفاتهن وهي سبع، وكل ذلك صواب، إلا أن المؤثر ما فسرت لك.

                                                                                                                                                                                                                                      ومثله: وقال نسوة في المدينة فذكر الفعل لقلة النسوة ووقوع (هؤلاء) عليهن كما يقع على الرجال. ومنه قوله: فإذا انسلخ الأشهر الحرم ولم يقل: انسلخت، وكل صواب. وقال الله تبارك وتعالى: إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك لقلتهن ولم يقل (تلك) ولو قيلت كان صوابا [ ص: 436 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية