[ ص: 245 ] قالوا : وأيضا داود النبي - عليه السلام - : بكلمة الله تشددت السماوات والأرض ، وبروح فاه جميع قواتهن . على لسان
فيقال : أما قوله : بكلمة الله تشددت السماوات والأرض ، فهو أيضا حجة عليكم لوجوه :
أحدها : أن الله خلق الأشياء بكلمته التي هي ( كن ) ، كما قال في التوراة ( ليكن كذا ليكن كذا ليكن كذا ) وكذلك في الزبور : ( لأنه قال فكانوا ، وهو أمر فخلقوا ) فجعل كونهم عن قوله .
ومثل قوله في الزبور : ( الكل بحكمة صنعت ) ، وفي القرآن : إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون .
وليس المسيح هو هذه الكلمات .
[ ص: 246 ] الثاني : أن كلمة الله اسم جنس ، فإن كلمات الله لا نهاية لها ، قال - تعالى - :
قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا .
والتوراة تدل على تعدد الكلمات ، وإذا كان كذلك ، فالمسيح ليس هو مجموع الكلمات ، بل خلق بكلمة منها .
الثالث : أن المسيح عندكم هو الخالق ، وأنتم مع قولكم : إنه الابن والكلمة ، تقولون إنه الإله الخالق ، وتقولون إنه إله حق من إله حق ، وتقولون : إله واحد فتجمعون بين النقيضين ، وإذا كان هو الخالق فهو الذي يشدد السماوات والأرض ، لا يقال به تشددت السماوات والأرض ، وإنما يقال به فيما كان صفة للموصوف ، فيقال : خلق الله الأشياء بكن ، وخلق الأشياء بقدرته .
وقوله : ( بكلمته تشددت السماوات والأرض ) يقتضي أن الكلمة صفة فعل بها لأنها هي الخالقة والمسيح عندكم هو الخالق ليس هو صفة خلق .
والرابع : أن كلمة الله يراد بها جنس كلماته ، كما قال - تعالى - :
وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا
[ ص: 247 ] وكقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : وحينئذ فالمراد أن الله أقام السماوات والأرض بكلمته ، كقوله كن وليس في هذا تعرض من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله للمسيح - عليه السلام - .
وأما نقلكم أنه قال : ( وبروح فاه جميع قواتهن ) فهذه الكلمة سواء كانت حقا أو باطلا ، لا حجة لكم فيها لأنه إن أريد بهذه الكلمة حياة الله فإثبات حياة الله حق وهو لم يسم حياة الله روح القدس ، كما زعمتم ، وإن أراد شيئا غير حياة الله لم تنفعكم فأنتم ادعيتم أن حياة الله روح القدس حتى قلتم مراده في الإنجيل بقوله : ( عمدوا الناس باسم الأب والابن والروح القدس ) هو حياة الله ، وادعيتم أن الأنبياء سموه بذلك ولم تذكروا نقلا عن الأنبياء أنهم سموا حياته روح القدس ، بل ذكرتم عنهم ما يوافق ما في القرآن أن روح القدس ليس المراد بها حياة الله ، ولو قدر أن هذا اللفظ استعمل في هذا وهذا لم يتعين أنالمسيح أراد بقوله : ( روح القدس ) حياة الله ، فكيف إذا لم يستعمل في كلام الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - في حياة الله قط .