الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 247 ] وكان قبل قصة نجران قد آمن به كثير من اليهود والنصارى رؤساؤهم وغير رؤسائهم لما تبين لهم أنه رسول الله إليهم ، كما آمن به النجاشي ملك الحبشة ، وكان نصرانيا هو وقومه ، وكان إيمانه به في أول أمر النبي صلى الله عليه وسلم لما كان أصحابه مستضعفين بمكة ، وكان الكفار يظلمونهم ويؤذونهم ويعاقبونهم على الإيمان بالله ورسوله ، فهاجر منهم طائفة مثل عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود وجعفر بن [ ص: 248 ] أبي طالب ، وغيرهم من الرجال والنساء إليه ، وكان ملكا عادلا ، فأرسل الكفار خلفهم رسلا بهدايا ليردهم إليهم ، فامتنع من عدله أن يسلمهم إليهم حتى يسمع كلامهم ، فلما سمع كلامهم وما أخبروه به من أمر النبي صلى الله عليه وسلم آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وآواهم .

ولما سمع القرآن قال : إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة ، ولما سألهم عن قولهم في المسيح عليه السلام قالوا : نشهد أنه عبد الله ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول التي لم يمسها رجل ، فقال النجاشي لجعفر بن أبي طالب : والله ما زاد عيسى ابن مريم على ما قلت هذا العود ، فنخرت أصحابه ، فقال : وإن نخرتم ، وإن نخرتم ، وبعث ابنه وطائفة من أصحابه إلى النبي [ ص: 249 ] صلى الله عليه وسلم مع جعفر بن أبي طالب ، وقدم جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر ، وقد ذكر قصتهم جماعة من العلماء والحفاظ كأحمد بن حنبل في المسند وابن سعد في الطبقات وأبي نعيم في الحلية وغيرهم ، وذكرها أهل التفسير والحديث والفقه وهي متواترة عند العلماء .

قال أحمد : حدثني يعقوب بن إبراهيم بن سعيد ، عن أبيه ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثني محمد بن مسلم بن عبد [ ص: 250 ] الله بن شهاب الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي ، عن أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها ، قالت : لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار ( النجاشي ) أمنا على ديننا ، وعبدنا الله ، لا نؤذى ، ولا نسمع شيئا نكرهه ، فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين ، وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة ، وكان أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم ، فجمعوا له أدما كثيرا ، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية ، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة [ ص: 251 ] المخزومي ، وعمرو بن العاص بن وائل السهمي ، وأمروهما أمرهم ، وقالوا لهما : ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم ، ثم قدموا إلى النجاشي هداياه ، ثم اسألوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم ، قالت : فخرجا ، فقدما على النجاشي ، ونحن عنده بخير دار عند خير جار ، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي ، ثم قالا لكل بطريق منهم : إنه قد صبأ [ ص: 252 ] إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينكم ، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم ، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردهم إليهم ، فإذا كلمنا الملك فيهم فتشيروا عليه أن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم ، فإن قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم ، فقالوا لهما : نعم ، ثم إنهما قربا هداياهم إلى النجاشي ، فقبلها منهما ، ثم كلماه فقالا له : أيها الملك ، إنه قد صبأ إلى بلدك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم ، فهم أعلا بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه .

قالت : ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامنا .

[ ص: 253 ] فقالت بطارقته حوله : صدقوا أيها الملك ، قومهم أعلا بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم ، فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلادهم وقومهم . قالت : فغضب النجاشي ، ثم قال لا ها الله أيم الله إذا لا أسلمهم إليهما ، ولا أكاد قوما جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هذان في أمرهم ، فإن كانوا كما يقولون أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم ، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني .

قالت : ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم ، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض : ما تقولون للرجل إذا جئتموه ؟ قالوا : نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم ، كائن في ذلك ما هو كائن . فلما جاءوه زاد أبو نعيم وقد دعى النجاشي أساقفته [ ص: 254 ] ومعهم مصاحفهم حوله ، فلما جاءوه فسألهم ، فقال : ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم ؟

قالت : فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب ، فقال : أيها الملك ، كنا قوما أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، نخلع ما كنا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام . قالت : فعدد عليه أمور الإسلام ، قال : فصدقناه ، وآمنا به ، واتبعناه على ما جاء به ، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به [ ص: 255 ] شيئا وحرمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان عن عبادة الله ، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث ، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك .

قالت : فقال له النجاشي : هل معك مما جاء به عن الله من شيء ؟

قالت : فقال له جعفر : نعم . فقال له النجاشي : فاقرأه علي . فقرأ عليه صدرا من سورة مريم :

[ ص: 256 ] كهيعص ذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا يازكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا يايحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا فأتت به قومها تحمله قالوا يامريم لقد جئت شيئا فريا ياأخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون

[ ص: 257 ] قالت أم سلمة رضي الله عنها ، فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم ، ثم قال النجاشي : إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة ، ثم قال لعبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص : انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكما أبدا ولا أكاد .

قالت أم سلمة : فلما خرج من عنده قال : عمرو بن العاص والله لآتينه غدا أعيبهم عنده ، ثم أستأصل به خضراءهم .

قالت : فقال له عبد الله بن أبي ربيعة - وكان أتقى الرجلين فينا - لا تفعل ; فإن لهم أرحاما ، وإن كانوا قد خالفونا ، قال : والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد .

قالت : ثم غدا عليه الغد ، فقال له : أيها الملك ، إنهم يقولون في [ ص: 258 ] عيسى ابن مريم قولا عظيما ، فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه .

قالت : فأرسل إليهم يسألهم عنه .

قالت : ولم ينزل بنا مثلها ، فاجتمع القوم ، فقال بعضهم لبعض : ما تقولون في عيسى إذا سألكم عنه ؟ قالوا : نقول والله فيه ما قاله الله ، وما جاء به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن ، فلما دخلوا عليه قال لهم : ما تقولون في عيسى ابن مريم ، فقال له جعفر بن أبي طالب : نقول فيه الذي جاء به نبينا : هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول .

قالت : فضرب النجاشي يده إلى الأرض فأخذ منها عودا ، ثم قال : ما عدى عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود ، فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال ، فقال : وإن نخرتم والله ، اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي - والسيوم : الآمنون - من سبكم غرم ، ثم من سبكم غرم ، ثم من سبكم غرم ، فما أحب أن لي دبرا ذهبا وأني آذيت رجلا منكم - والدبر بلسان الحبشة : الجبل - ردوا عليهما هداياهما ، فلا حاجة لنا بها ، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه .

[ ص: 259 ] قالت : فخرجا من عنده مقبوحين ، مردود عليهما ما جاءا به ، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار .

قالت : فوالله إنا على ذلك إذ نزل به . يعني : من ينازعه في ملكه .

قالت : فوالله ما علمنا حزنا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك تخوفنا أن يظهر ذلك على النجاشي فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه .

وروى عبد الله بن عامر بن الزبير ، عن أبيه ، قال : لما نزل بالنجاشي عدوه من أرضه جاء المهاجرون ، فقالوا : إنا نحن نخرج إليهم ، فنقاتل معك ، وترى جزاءنا ، ونجزيك بما صنعت بنا ، فقال : ذو ينصره الله خير من الذي ينصره الناس ، يقول : الذي ينصره الله خير من الذي ينصره الناس ، فأبى ذلك عليهم .

( رجعنا إلى ) حديث أم سلمة قالت : وسار النجاشي وبينهما عرض النيل قالت : فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر ؟

[ ص: 260 ] قالت : فقال الزبير بن العوام : أنا .

قالت : وكان من أحدث القوم سنا ، قالت : فنفخنا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم ثم انطلق حتى حضرهم .

قالت : ودعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده .

قالت : فوالله إنا لعلى ذلك متوقعين لما هو كائن إذ طلع الزبير يسعى ويلوح بثوبه ويقول : ألا أبشروا ، قد ظهر النجاشي ، وقد أهلك الله عدوه .

فوالله ما علمت فرحنا فرحة مثلها قط .

قالت : فرجع النجاشي ، وقد أهلك الله عدوه ، ومكن له في بلاده ، واستوثق عليه أمر الحبشة ، فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد روى جمل هذه القصة أبو داود في سننه من حديث أبي موسى .

[ ص: 261 ] وفي الصحيحين من حديث أبي موسى ، قال : بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن ، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهما في اثنين وخمسين رجلا من قومي ، فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة ، فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده ، قال جعفر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا وأمرنا - يعني بالإقامة - فأقيموا معنا . قال : فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا . قال : فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح خيبر فأسهم لنا منها ، وما قسم لأحد غائب عن فتح خيبر غيرنا إلا لمن شهد معنا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم .

قال : فلما رأى ناس من الناس يقولون لنا - يعني أهل السفينة - سبقناكم لهجرة ، قال : ودخلت أسماء بنت عميس - وهي ممن قدم معنا - على حفصة زائرة ، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن [ ص: 262 ] هاجر إليه ، فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها ، فقال عمر حين رأى أسماء : من هذه ؟ قالت : أسماء بنت عميس ، فقال عمر : الحبشية هذه ؟ البحرية هذه ؟ قالت أسماء : نعم ، فقال عمر : سبقناكم بالهجرة ، نحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فغضبت وقالت : يا عمر كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم ، وكنا في أرض البعداء البغضاء بالحبشة ، وذلك في الله تبارك وتعالى وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن كنا نؤذى ونخاف ، وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسأله ، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد على ذلك .

فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت : يا رسول الله إن عمر قال كذا وكذا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فماذا [ ص: 263 ] قلت له ؟ قالت : قلت كذا وكذا ، قال : ليس بأحق بي منكم ، وله ولأصحابه هجرة واحدة ، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان .

قالت : فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالا يسألوني عن هذا الحديث ، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال أبو بردة : قالت أسماء : فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني أخرجاه في الصحيحين البخاري ومسلم .

وأخرجا في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى لهم النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه ، [ ص: 264 ] قال : استغفروا لأخيكم .

وعنه رضي الله عنه ، قال : نعى النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي يوم توفي ، وقال : استغفروا لأخيكم ، ثم خرج بالناس إلى المصلى ، فصفوا وراءه ، وصلى عليه وكبر أربع تكبيرات . أخرجاه .

وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على أصحمة النجاشي فكبر عليه [ ص: 265 ] أربعا . أخرجاه في الصحيحين .

التالي السابق


الخدمات العلمية