[ ص: 360 ] قالوا : وقال أشعيا  النبي : قل لصهيون هنا تفرح وتتهلل ، فإن الله يأتي ويخلص الشعوب ، ويخلص من آمن به وبشعبه  ويخلص مدينة بيت المقدس ،  ويظهر الله ذراعه الطاهر فيها لجميع الأمم المبددين ويجعلهم أمة واحدة ، ويبصرون جميع أهل الأرض من خلاص الله ، لأنه يمشي معهم وبين يديهم ، ويجمعهم إله إسرائيل . 
فيقال : هذا محتاج أولا أن يعلم من هذه النبوة أن هذا الكلام نقل بلا تحريف للفظه ، ولا غلط في الترجمة ، ولم يثبت ذلك ،  [ ص: 361 ] وإذا ثبت ذلك فحينئذ هو نظير ما في التوراة من قوله : ( جاء الله من طور سينا ،  وأشرف من ساعير  ، واستعلن من جبال فاران   ) . 
ومعلوم أنه ليس في هذا ما يدل على أن الله حال في موسى بن عمران ،  ومتحد به ، ولا أنه حال في جبل فاران ،  ولا أنه متحد بشيء من طور سينا  ، ولا ساعير   . 
وكذلك هذا اللفظ لا يدل على أنه حال في المسيح  ومتحد به ، إذ كلاهما سواء ، وإذا قيل : المراد بذلك قربه ودنوه كتكليم موسى ،  وظهور نوره وهداه وكتابه ودينه ، ونحو ذلك من الأمور التي وقعت ، قيل : وهكذا في المسيح  عليه السلام . 
وقوله : ويظهر الله ذراعه الطاهر لجميع الأمم المبددين ، قد قال في التوراة مثل هذا في غير موضع ، ولم يدل ذلك على اتحاده بموسى  عليه السلام . 
وأما قوله عن الأمم المبددين : فيجعلهم أمة واحدة ، فهم الذين اتبعوا المسيح ،  فإنهم كانوا متفرقين مبددين فجعلهم أمة واحدة . 
وأما قوله : ويبصرون جميع أهل الأرض خلاص الله ، لأنه يمشي معهم وبين يديهم ، ويجمعهم إله إسرائيل ، فمثل هذا في التوراة في غير موضع ، ولم يدل ذلك على اتحاده بموسى  ولا حلوله فيه ، كقوله في السفر الخامس من التوراة : يقول موسى  لبني إسرائيل   : لا تهابوهم  [ ص: 362 ] ولا تخافوهم ، لأن الله ربكم السائر بين أيديكم هو يحارب عنكم . 
وفي موضع قال موسى   : إن الشعب هو شعبك ، فقال : أنا أمضي أمامك فارتحل ، فقال : إن لم تمض أنت أمامنا وإلا فلا تصعدنا من هاهنا ، وكيف أعلم أنا وهذا الشعب أني وجدت أمامك نعمة كذا إلا بسيرك معنا . 
وفي السفر الرابع من الفصل الثالث عشر : إن أصعدت هؤلاء من بينهم بقدرتك ، فيقولون لأهل هذه الأرض الذين سمعوا أنك الله فيما بين هؤلاء القوم ، يرونه عينا بعين ، وغمامك يقيم عليهم ، وبعمود غمام يسير بين أيديهم نهارا ، وبعمود نار ليلا . 
 [ ص: 363 ] وفي التوراة أيضا : يقول الله لموسى   : ( إني آت إليك في غلظ الغمام لكي يسمع القوم مخاطبتي لك ) . 
ثم قوله : اجمع سبعين رجلا من شيوخ بني إسرائيل  وخذهم إلى خباء العرب يقفون معك حتى أخاطبهم . 
				
						
						
