الوجه السادس : أن يقال لهؤلاء
النصارى : إما أن تعنوا بلفظ الجسم المعنى اللغوي وهو الجسد ، وإما أن تعنوا به المعنى الاصطلاحي عند أهل الكلام ، كالمشار إليه مثلا .
فإن عنيتم الأول ، لم يلزم من نفي ذلك نفي ما ذكرتموه من الصفات لا سيما وأنتم تقولون : إنه جوهر ، وقسمتم الجوهر إلى لطيف وكثيف .
فإذا كان الكثيف هو الجسم ، واللطيف جوهر ليس بجسم ، لم يمتنع على مثل هذا أن يكون له ما يناسبه من الصفات كالملائكة ،
[ ص: 438 ] فإن الملائكة لا يمتنع وصفها بذلك ، وإن لم تكن أجساما على هذا الاصطلاح ، بل هي جواهر روحانية ، وكذلك روح الإنسان التي تخرج منه ، لا يمتنع وصفها بما يناسبها من ذلك ، وإن كانت ليست بجسم على هذا التقدير .
فتبين أن نفي مسمى الجسم اللغوي عن الشيء ، لا يمتنع اتصافه بما ذكر من الصفات وأمثالها .
وإن عنيتم بالجسم القائم بنفسه أو المشار إليه ، لم يمتنع - عندكم - أن يكون جسما ، فإنكم سميتموه جوهرا ، وعنيتم القائم بنفسه .
فإن قام الدليل على أن كل قائم بنفسه يشار إليه ، كان أيضا مشارا إليه .
وإن قام دليل على أنه قائم بنفسه لا يشار إليه ، كان جوهرا وجسما عند من يفسر الجسم بالقائم بنفسه ، ومن فسره بالمشار إليه لم يسم عنده جسما ، فتبين أنه على - أصلكم - لا يمتنع أن يسمى جسما مع تسميتكم له جوهرا ، إلا إذا ثبت أن من الموجودات ما هو جوهر قائم بنفسه لا يشار إليه ، وهذا لم يقيموا عليه دليلا ، وليس هذا قول أهل الملل من المسلمين واليهود
والنصارى ، وإنما هو قول طائفة من الفلاسفة ، وقليل من أهل الملل وافقوهم .
ثم يقال لكم : أنتم قلتم : إنه حي ناطق ، وله حياة ونطق ، بل زدتم على ذلك حتى جعلتموه أقانيم ثلاثة .
[ ص: 439 ] ومعلوم أن الحياة والنطق لا تعقل إلا صفة قائمة بموصوف ، ولا يعلم موصوف بالحياة والنطق إلا ما هو مشار إليه ، بل ما هو جسم كالإنسان .
فإن جاز لكم أن تثبتوا هذه الأعراض في غير جسم ، جاز لغيركم أن يثبت المجيء واليد ونحو ذلك لغير الجسم .
وإن قلتم : هذا لا يعقل إلا لجسم ، قيل لكم : وذلك لا يعقل إلا لجسم ، فإن رجعتم إلى الشاهد ، كان حجة عليكم ، وإن جاز لكم أن تثبتوا في الغائب حكما على خلاف الشاهد ، جاز لغيركم ، وحينئذ فلا تناقض بين ما نفاه المسلمون وأثبتموه ، لو كان ما ذكرتموه عنهم من النفي والإثبات حقا على وجهه ، فكيف وقد وقع التحريف في الطرفين ؟
الوجه السابع : أن يقال : غاية مقصودكم أن تقولوا : إن المسلمين لما أطلقوا ألفاظا ظاهرها كفر عندهم ، لمجيء النص بها ، وهم لا يعتقدون ظاهر مدلولها ، كذلك نحن أطلقنا هذه الألفاظ التي ظاهرها كفر ، لمجيء النص بها ، ونحن لا نعتقد مدلولها .
فيقال لكم : أولا : إن ما أطلقه المسلمون من نصوص الصفات أطلقتموه أنتم ، كما وردت به التوراة ، فهذا مشترك بينكم وبينهم ، وما اختصصتم به من التثليث ، والاتحاد لم يشركوكم فيه .
ثم يقال ثانيا : إن المسلمين أطلقوا ألفاظ النصوص ، وأنتم أطلقتم ألفاظا لم يرد بها نص .
[ ص: 440 ] والمسلمون قرنوا تلك الألفاظ بما جاءت به النصوص من نفي التمثيل .
وأنتم لم تقرنوا بألفاظكم ما ينفي ما أثبتموه من التثليث والاتحاد .
والمسلمون لم يعتقدوا معنى باطلا .
وأنتم اعتقدتم من التثليث في الأقانيم والاتحاد ما هو معنى باطل .
والمسلمون لم يسموا صفات الله بأسماء أحدثوا تسمية الصفات بها وحملوا كلام الرسل عليها .
وأنتم أحدثتم لصفات الله أسماء سميتموه أنتم بها لم تسمعه الرسل ، وحملتم كلام الرسل عليها .
والمسلمون لم يعدلوا عن النصوص الكثيرة المحكمة البينة الواضحة إلى ألفاظ قليلة متشابهة .
وأنتم عدلتم عن هذا إلى هذا .
والمسلمون لم يضعوا لهم شريعة اعتقاد غير ما جاءت به الرسل .
وأنتم وضعتم شريعة اعتقاد غير ما جاءت به الرسل .
والمسلمون لم يقولوا قولا لا يعقل .
وأنتم قلتم قولا لا يعقل .
والمسلمون لم يتناقضوا ، فيجعلوا الإله واحدا ويجعلونه
[ ص: 441 ] اثنين ، بل ثلاثة ، وأنتم تناقضتم .
فهذه الفروق وغيرها مما يبين فساد تشبيهكم أنفسكم بالمسلمين .
الوجه الثامن : قولكم : وكذلك - نحن
النصارى - العلة في قولنا : ( إن الله ثلاثة أقانيم ، أب ، وابن ، وروح قدس ، أن الإنجيل نطق به .
فيقال لكم : هذا باطل ، فإنه
nindex.php?page=treesubj&link=29434لم ينطق لا الإنجيل ولا شيء من النبوات بأن الله ثلاثة أقانيم ، ولا خص أحد من الأنبياء الرب بثلاث صفات دون غيرها ، ولا قال
المسيح ولا غيره : إن الله هو الأب والابن وروح القدس ، ولا إن له أقنوما هو الابن ، وأقنوما هو روح القدس ، ولا قال : إن الابن كلمته أو علمه أو حكمته أو نطقه ، وإن روح القدس حياته ، ولا سمى شيئا من صفاته ابنا ولا ولدا ، ولا قال عن شيء من صفات الرب إنه مولود ، ولا جعل القديم الأزلي مولودا ، ولا قال لا عن قديم ولا مخلوق ، إنه إله حق من إله حق ، ولا قال عن صفات الله إنها آلهة ، وإن الكلمة إله والروح إله ، ولا قال إن الله اتحد لا بذاته ولا بصفاته بشيء من البشر ، بل هذا كله مما ابتدعتموه وخرجتم به عن الشرع والعقل ، فخالفتم الكتب المنزلة والعقول الصريحة ، وكنتم ممن قيل فيهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=10وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير [ ص: 442 ] فإنكم أنتم الذين سميتم نطق الله ابنا ، وقلتم : سميناه ابنا ; لأنه تولد منه كما يتولد الكلام من العقل ، فكان ينبغي أيضا أن تسموا حياته ابنا ; لأنها منبثقة منه ومتولدة عنه أيضا ، إذ لا فرق بين علم الرب وحياته .
فعلمه لازم له وحياته لازمة له ، فلماذا جعلتم هذا ابنا دون هذا .
وقلتم : إنه مولود من الله ، وإنه قديم أزلي ، وأنتم تعترفون بأن أحدا من الأنبياء لم يسم علم الله ولا كلامه ولا حكمته مولودا منه .
والذي يعقله الخلق في المولود الذي يولد من غيره ، كما يتولد العلم والكلام من نفس الإنسان ، أنه حادث فيه أو منفصل عنه ، لا يعقل أنه قائم به ، وأنه متولد منه قديم أزلي .
ثم قلتم في أمانتكم ، إنه تجسم من روح القدس ، أو منه ومن مريم .
وهو إنما تجسم عندكم من الكلمة التي سميتموها الابن دون روح القدس .
وإن كان تجسم من روح القدس ، فيكون هو روح القدس لا يكون هو الكلمة التي هي الابن .
ثم تقولون : هو كلمة الله وروحه ، فيكون حينئذ أقنومين ، أقنوم الكلمة وأقنوم الروح ، وإنما هو عندكم أقنوم واحد .
[ ص: 443 ] فهذا تناقض وحيرة ، تجعلونه الابن الذي هو الكلمة ، وهو أقنوم الكلمة فقط
وتقولون : تجسم من روح القدس ، ولا تقولون : إنه تجسم من الكلمة .
وتقولون : هو كلمة الله وروحه ، والكلمة والروح أقنومان .
ولا تقولون : إنه أقنومان ، بل أقنوم واحد .
وتقولون : إنه خالق العالم ، والخالق هو الأب وتقولون : ليس هو الأب ، وتقولون : إله حق من إله حق ، وتقولون : إله واحد ساوى الأب في الجوهر .
وتقولون : ليس له مثل ، وليس شيء من هذا في كلام أحد من الأنبياء ، فكيف تشبهون أنفسكم بمن اتبع نصوص الأنبياء ، ولم يحرفها ؟
وغاية ما عندكم ما وجد في إنجيل " متى " دون سائر الأناجيل من أن
المسيح - عليه السلام - قال : ( عمدوا الناس باسم الأب والابن والروح القدس ) .
وأنتم
nindex.php?page=treesubj&link=29434قد عرفتم في كلام المسيح وغيره من الأنبياء أنهم يريدون بالابن صفة الله ، لا كلامه ولا علمه ولا حكمته .
ولا يريدون بالابن : إله حق من إله حق ، ولا مولود قديم أزلي ،
[ ص: 444 ] بل يريدون به وليه ، وهو ناسوت لا لاهوت ، كيعقوب والحواريين .
ولا يريدون بروح القدس نفس حياة الله ، ولا يريدون به أنه رب حي ، وإنما يريدون بها الملك أو ما ينزله الله على قلوب أنبيائه وأصفيائه من الهدى والتأييد ونحو ذلك .
فروح القدس يكون عندكم وعند المسلمين في الأنبياء وغيرهم ، كما كانت في داود وغيره وكانت في الحواريين .
فلو قدر أن لفظ الابن وجد في كلام
المسيح مستعملا تارة في كلمة الله ، وتارة في وليه الناسوت ، وروح القدس مستعملا تارة في حياته ، وتارة فيما ينزله على قلوب أنبيائه - كان جزمكم بأنه أراد بذلك هنا صفات الله جزما باطلا .
فما وصف به
المسيح من أنه ابن الله ، ومن أن روح القدس فيه - قد وصف به غيره من الأنبياء والصالحين .
فإن كان الابن وروح القدس صفتين لله ، وجب أن يكون غير
المسيح لاهوتا وناسوتا
كالمسيح ، إذ الذي حل في
المسيح حل في غيره .
ثم جزمكم بأن هذه الصفات أقانيم ، وأنه ليس لله صفات ذاتية أو جوهرية أو نحو ذلك إلا هذه الثلاثة ، ثم تفرقتم في الثلاثة ، هل المراد بالأقانيم الوجود والعلم والحياة ، أو الحكمة والكلام ، أو النطق
[ ص: 445 ] بدل لفظ العلم ، أو المراد الوجود والعلم والقدرة ، بدل الحياة ، أو المراد الوجود والحياة والقدرة ، أو المراد الوجود مع الحياة والعلم والقدرة ؟ إلى أقوال أخرى يطول أمرها .
فيا ليت شعري ، ما الذي أراد
المسيح بلفظ الأب والابن وروح القدس من هذه الأمور التي اختلفتم فيها ، لو كان مراده ما ادعيتموه من الأقانيم ؟
والأقانيم - لفظا ومعنى - لا يوجد في كلام أحد من الأنبياء ، بل قيل فيها : إنها لفظة رومية ، يفسرونها تارة بالأصل ، وتارة بالشخص ، وتارة بالذات مع الصفة ، ويفسرونها تارة بالخاصة ، وتارة بالصفة .
فهلا تركتم كلام
المسيح على حاله ، ولم تحرفوه هذه التحريفات .
ولقد أحسن بعض الفضلاء إذ قال : لو سألت نصرانيا وابنه وابن ابنه عما يعتقدونه ، لأخبرك كل واحد بعقيدة تخالف عقيدة الآخر ، إذ كان أصل اعتقادهم جهلا وضلالا ، ليس معهم علم لا نقل ولا عقل ، فهم كما قال الله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=8ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير
وليس معهم بما اعتقدوه من التثليث والاتحاد علم ، بوجه من الوجوه فضلا عما هو أخص من ذلك ، وهو علم يهتدون به ، فليسوا
[ ص: 446 ] بمهتدين فضلا عما هو أخص من الهدى وهو " كتاب منير " فليس معهم به كتاب منير .
ولو تكلمتم بهذا الكلام ، وقلتم : لا نفهم معناه أو ظاهره باطل ، وله تأويل مقبول ، كما حكيتموه عمن تشبهتم به من المسلمين من أنه يقوله في الصفات - لكان هذا أقرب إلى القياس .
فكيف والأمر بعكس ما ذكرتم ؟
وذلك يتبين بالوجه التاسع : وهو أنكم إنما ضللتم بعدولكم عن صريح كلام الأنبياء وظاهره ، إلى ما تأولتموه عليه من التأويلات التي لا يدل عليها لفظه ، لا نصا ولا ظاهرا ، فعدلتم عن المحكم واتبعتم المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله .
فلو تمسكتم بظاهر هذا الكلام ، لم تضلوا ، فإن الابن ظاهره في كلام الأنبياء ، لا يراد به شيء من صفات الله ، بل يراد به وليه وحبيبه ونحو ذلك ، وروح القدس يراد به صفته ، بل يراد به وحيه وملكه ونحو ذلك ، فعدلتم عن ظاهر اللفظ ومفهومه إلى معنى لا يدل عليه اللفظ البتة ، فكيف تدعون أنكم اتبعتم نصوص الأنبياء ؟
الوجه العاشر : أنكم بالغتم في ذم
المسيح وإنجيله ، كما بالغتم في سب الله وشتمه ، وإن كنتم لا تعلمون أن ذلك ذم ، فلم ترضوا أن تجعلوا ظاهر كلام
المسيح ما أنتم عليه من الكفر حتى جعلتم ظاهره كفرا لا ترضونه ، مثل ثلاثة آلهة متفقة أو متفرقة ، أو ثلاثة أجسام مؤلفة ، أو ثلاثة أجزاء مفرقة ، أو ثلاثة أشخاص مركبة .
فهذا ونحوه هو الذي ادعيتم أنه ظاهر كلام
المسيح - عليه السلام - .
[ ص: 447 ] وأنتم لا تقولون بهذا الظاهر ، بل تكفرون قائله ، كما يكفر المسلمون من يقول بالظاهر الذي هو التجسيم والتمثيل .
وهذا ما يتضمن أن كلام
المسيح ظاهر في إثبات ثلاثة آلهة ، وثلاثة أشخاص مؤلفة ، وثلاثة أجزاء متفرقة ، وثلاثة أشخاص مركبة .
كما زعمتم أن ظاهر القرآن التجسيم ، وأنكم عدلتم عن هذا الظاهر إلى إثبات الأقانيم الثلاثة التي جعلتم فيها كلمة الله هي ابنه ، وهو جوهر خالق يساويه في الجوهر ، وأن
المسيح هو هذا الابن المساوي للأب في الجوهر خالق العالمين ، وديان يوم الدين والجالس فوق العرش عن يمين الرب ، وأنه إله حق من إله حق ، والروح أيضا إله ثالث ، والآلهة الثلاثة إله واحد .
وهذا الذي ذكرتموه فيه من عيب
المسيح وذمه ما ينتصر الله به للمسيح ، وممن افترى عليه منكم ومن غيركم .
فإن
المسيح - عليه السلام - على قولكم - لم يفصح لكم بأمانة تعتقدونها ، ولا بتوحيد تعرفون به ربكم - عز وجل - ، بل تكلم بما ظاهره إثبات ثلاثة آلهة ، وثلاثة أجسام مركبة ، وثلاثة أجزاء متفرقة ، وأنكم أنتم أصلحتم ذلك حتى جعلتموه ثلاثة أقانيم ، ووضعتم تلك الأمانة المخالفة لعقول ذوي العقول ، ولكل كتاب جاء به رسول ، مع أن
المسيح لم ينطق بتثليث قط ، ولا باتحاد ، ولا بما يدل على ذلك .
وعمدتم على ما نقله "
متى " عنه دون الثلاثة أنه قال : ( عمدوا الناس باسم الأب والابن وروح القدس ) .
[ ص: 448 ] وهذا الكلام ظاهر ، بل نصه حجة على خلاف قولكم ، وأنه أراد بالابن نفسه ، وهو الناسوت ، ولم يرد به صفة الله ، وأراد بروح القدس ما أيده الله به ، أو روح القدس الذي نفخ في أمه حتى حبلت به ، لم يرد به صفة الله - تعالى - .
فتأولتم كلامه على خلاف ظاهره ، تأويلا يخالف صريح المعقول وصحيح المنقول ، فكيف تدعون أنكم تمسكتم بظاهر كلامه ؟
ولما كان قول
النصارى في التثليث متناقضا في نفسه لا حقيقة له ، صار مجرد تصوره التام كافيا في العلم بفساده من غير احتياج إلى دليل ، وإن كانت الأدلة تظهر بفساده .
ولهذا سلك طائفة من العلماء في الكلام معهم هذا المسلك ، وهو أن مجرد تصور مذهبهم كاف في العلم بفساده ، فإنه غير معقول .
وقالوا : إن
النصارى ناقضت في اللفظ وأحالت في المعنى ، فلا يجوز أن يعتقد ما يدعون انتحاله لتناقضه .
وذلك أنهم يزعمون أن الثلاثة واحد ، والواحد ثلاثة ، وهذا لا يصح اعتقاده ; لأنه لا يجوز أن يعتقد المعتقد في شيء أنه ثلاثة ، مع اعتقاده فيه أنه واحد ; لأن ذلك متضاد .
وإذا كان ذلك كذلك ، فليس يخلو من أن يعتقد أنه ثلاثة ، أو أنه واحد .
وليس يحتاج أن يعرف بدليل بطلان قول من ادعى أن الواحد ثلاثة ، وأن الثلاثة واحد ; لأن ذلك لا يعقل .
[ ص: 449 ] وهو كمن ادعى في الشيء أنه موجود معدوم ، أو قديم محدث ، أو في الجسم أنه قائم قاعد ، متحرك ساكن .
وإذا كان كذلك ، فتناقضه أظهر من أن يحتاج فيه إلى دلالة .
وإذا قال
النصارى : إنه أحدي الذات ثلاثي الصفات .
قيل : لو اقتصرتم على قولكم : إنه واحد له صفات متعددة ، لم ينكر ذلك عليكم جمهور المسلمين ، بل ينكرون تخصيص الصفات بثلاث ، فإن هذا باطل من وجوه متعددة :
منها : أن الأب عندكم هو الجوهر ليس هو صفة ، فلا يكون له صفة إلا الحياة والعلم ، فيكون جوهرا واحدا له أقنومان ، وأنتم جعلتم ثلاثة أقانيم .
ومنها : أن صفات الرب لا تنحصر في العلم والحياة ، بل هو موصوف بالقدرة وغيرها .
ومنها : أنكم تارة تفسرون روح القدس بالحياة ، وتارة بالقدرة ، وتارة بالوجود .
وتفسرون الكلمة تارة بالعلم ، وتارة بالحكمة ، وتارة بالكلام .
فبطلان قولكم في إثبات ثلاث صفات ، كثير وأنتم مع هذا تجعلون كل واحدة منها إلها . فتجعلون الحياة إلها ، والعلم إلها ، وهذا باطل .
وأما من لم يثبت الصفات من المسلمين وغيرهم ، فيردون عليكم من وجوه أخرى كقول بعضهم : إذا قيل : ألستم تقولون : إن الأبعاض
[ ص: 450 ] الكثيرة تكون إنسانا واحدا ، والآحاد الكثيرة عشرة واحدة ، والأجسام الكثيرة دارا واحدة ومدينة واحدة ، وما جرى هذا المجرى مما هو أكثر من أن يحصى ، وأظهر من أن يخفى .
فكيف عبتم ذلك من
النصارى ؟ ولم أنكرتم أن يكون ثلاثة أقانيم جوهرا واحدا ؟
قيل : إن قولنا : إنسان واحد ، ودار واحدة ، وعشرة واحدة ، وما يجري هذا المجرى ، أسماء تنبئ عن الجمل لا عن آحاد .
وإذا قلنا : إنسان واحد ، فكأنا قلنا : جملة واحدة ، وكذلك إذا قلنا : عشرة واحدة ، لا أنا نثبته واحدا في الحقيقة .
كيف ونحن نقول : إن أبعاض الإنسان متغايرة ، فكل بعض منها غير سائرها ، وكذلك كل واحد من العشرة غير سائرها ؟
فنحن وإن قلنا : إنسان واحد ، فلسنا نثبته شيئا واحدا في نفسه ، ولو أثبتنا ذلك ، لتناقضنا مناقضة
النصارى ، وإنما قلنا : هي جملة واحدة ، ولو قالت
النصارى مثل ذلك ، لم تتناقض ، حتى يزعموا أنها ثلاثة أشياء جملة واحدة .
فيكون مرادهم في ذلك بوصفهم الأقانيم الثلاثة ، بأنها جوهر واحد مما نريد بقولنا : الأبعاض الكثيرة - أنه إنسان واحد .
فيكون وصفهم لها بأنها جوهر ، إنما ينبئ أنها جملة ، وليس هذا مما يذهبون إليه ، ولا يعتقدونه ولا يجعلون له معنى ; لأنهم لا يعطون
[ ص: 451 ] حقيقة التثليث ، فيثبتون الأقانيم الثلاثة متغايرة ، ولا حقيقة التوحيد ، فيثبتون القديم واحدا ليس باثنين ولا أكثر من ذلك .
وإذا كان ذلك كذلك ، فما قالوه هو شيء لا يعقل ، ولا يصلح اعتقاده ، ويمكن أن يعارضوا على قولهم بكل حال .
فيقال لهم : إذا جاز عندكم أن تكون ثلاثة أقانيم جوهرا واحدا ، فلم لا يجوز أن تكون ثلاثة آلهة جوهرا واحدا ، وثلاثة فاعلين جوهرا واحدا ، وثلاثة أغيار جوهرا واحدا ، وثلاثة أشياء جوهرا واحدا ، وثلاثة قادرين جوهرا واحدا ، وكل ثلاثة أشياء جوهرا واحدا ، وكل ما يجري هذا المجرى من المعارضة ؟ فلا يجدون فصلا .
الْوَجْهُ السَّادِسُ : أَنْ يُقَالَ لِهَؤُلَاءِ
النَّصَارَى : إِمَّا أَن تَعْنُوا بِلَفْظِ الْجِسْمِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الْجَسَدُ ، وَإِمَّا أَنْ تَعْنُوا بِهِ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيَّ عِنْدَ أَهْلِ الْكَلَامِ ، كَالْمُشَارِ إِلَيْهِ مَثَلًا .
فَإِنْ عَنَيْتُمُ الْأَوَّلَ ، لَمْ يَلْزَمْ مِنْ نَفْيِ ذَلِكَ نَفْيُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ الصِّفَاتِ لَا سِيَّمَا وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ : إِنَّهُ جَوْهَرٌ ، وَقَسَّمْتُمُ الْجَوْهَرَ إِلَى لَطِيفٍ وَكَثِيفٍ .
فَإِذَا كَانَ الْكَثِيفُ هُوَ الْجِسْمُ ، وَاللَّطِيفُ جَوْهَرٌ لَيْسَ بِجِسْمٍ ، لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَى مِثْلِ هَذَا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا يُنَاسِبُهُ مِنَ الصِّفَاتِ كَالْمَلَائِكَةِ ،
[ ص: 438 ] فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا يَمْتَنِعُ وَصْفُهَا بِذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَجْسَامًا عَلَى هَذَا الِاصْطِلَاحِ ، بَلْ هِيَ جَوَاهِرُ رُوحَانِيَّةٌ ، وَكَذَلِكَ رُوحُ الْإِنْسَانِ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهُ ، لَا يَمْتَنِعُ وَصْفُهَا بِمَا يُنَاسِبُهَا مِنْ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ بِجِسْمٍ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ .
فَتَبَيَّنَ أَنَّ نَفْيَ مُسَمَّى الْجِسْمِ اللُّغَوِيِّ عَنِ الشَّيْءِ ، لَا يَمْتَنِعُ اتِّصَافُهُ بِمَا ذُكِرَ مِنَ الصِّفَاتِ وَأَمْثَالِهَا .
وَإِنْ عَنَيْتُمْ بِالْجِسْمِ الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ أَوِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ ، لَمْ يَمْتَنِعْ - عِنْدَكُمْ - أَنْ يَكُونَ جِسْمًا ، فَإِنَّكُمْ سَمَّيْتُمُوهُ جَوْهَرًا ، وَعَنَيْتُمُ الْقَائِمَ بِنَفْسِهِ .
فَإِنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ كُلَّ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ يُشَارُ إِلَيْهِ ، كَانَ أَيْضًا مُشَارًا إِلَيْهِ .
وَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ ، كَانَ جَوْهَرًا وَجِسْمًا عِنْدَ مَنْ يُفَسِّرُ الْجِسْمَ بِالْقَائِمِ بِنَفْسِهِ ، وَمَنْ فَسَّرَهُ بِالْمُشَارِ إِلَيْهِ لَمْ يُسَمَّ عِنْدَهُ جِسْمًا ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ عَلَى - أَصْلِكُمْ - لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُسَمَّى جِسْمًا مَعَ تَسْمِيَتِكُمْ لَهُ جَوْهَرًا ، إِلَّا إِذَا ثَبَتَ أَنَّ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ مَا هُوَ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ ، وَهَذَا لَمْ يُقِيمُوا عَلَيْهِ دَلِيلًا ، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ أَهْلِ الْمِلَلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ
وَالنَّصَارَى ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ ، وَقَلِيلٌ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ وَافَقُوهُمْ .
ثُمَّ يُقَالُ لَكُمْ : أَنْتُمْ قُلْتُمْ : إِنَّهُ حَيٌّ نَاطِقٌ ، وَلَهُ حَيَاةٌ وَنُطْقٌ ، بَلْ زِدْتُمْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جَعَلْتُمُوهُ أَقَانِيمَ ثَلَاثَةً .
[ ص: 439 ] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَيَاةَ وَالنُّطْقَ لَا تُعْقَلُ إِلَّا صِفَةً قَائِمَةً بِمَوْصُوفٍ ، وَلَا يُعْلَمُ مَوْصُوفٌ بِالْحَيَاةِ وَالنُّطْقِ إِلَّا مَا هُوَ مُشَارٌ إِلَيْهِ ، بَلْ مَا هُوَ جِسْمٌ كَالْإِنْسَانِ .
فَإِنْ جَازَ لَكُمْ أَنْ تُثْبِتُوا هَذِهِ الْأَعْرَاضَ فِي غَيْرِ جِسْمٍ ، جَازَ لِغَيْرِكُمْ أَنْ يُثْبِتَ الْمَجِيءَ وَالْيَدَ وَنَحْوَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْجِسْمِ .
وَإِنْ قُلْتُمْ : هَذَا لَا يُعْقَلُ إِلَّا لِجِسْمٍ ، قِيلَ لَكُمْ : وَذَلِكَ لَا يُعْقَلُ إِلَّا لِجِسْمٍ ، فَإِنْ رَجَعْتُمْ إِلَى الشَّاهِدِ ، كَانَ حُجَّةً عَلَيْكُمْ ، وَإِنْ جَازَ لَكُمْ أَنْ تُثْبِتُوا فِي الْغَائِبِ حُكْمًا عَلَى خِلَافِ الشَّاهِدِ ، جَازَ لِغَيْرِكُمْ ، وَحِينَئِذٍ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ مَا نَفَاهُ الْمُسْلِمُونَ وَأَثْبَتُّمُوهُ ، لَوْ كَانَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ عَنْهُمْ مِنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ حَقًّا عَلَى وَجْهِهِ ، فَكَيْفَ وَقَدْ وَقَعَ التَّحْرِيفُ فِي الطَّرَفَيْنِ ؟
الْوَجْهُ السَّابِعُ : أَنْ يُقَالَ : غَايَةُ مَقْصُودِكُمْ أَنْ تَقُولُوا : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا أَطْلَقُوا أَلْفَاظًا ظَاهِرُهَا كُفْرٌ عِنْدَهُمْ ، لِمَجِيءِ النَّصِّ بِهَا ، وَهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ ظَاهِرَ مَدْلُولِهَا ، كَذَلِكَ نَحْنُ أَطْلَقْنَا هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الَّتِي ظَاهِرُهَا كُفْرٌ ، لِمَجِيءِ النَّصِّ بِهَا ، وَنَحْنُ لَا نَعْتَقِدُ مَدْلُولَهَا .
فَيُقَالُ لَكُمْ : أَوَّلًا : إِنَّ مَا أَطْلَقَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ نُصُوصِ الصِّفَاتِ أَطْلَقْتُمُوهُ أَنْتُمْ ، كَمَا وَرَدَتْ بِهِ التَّوْرَاةُ ، فَهَذَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ ، وَمَا اخْتَصَصْتُمْ بِهِ مِنَ التَّثْلِيثِ ، وَالِاتِّحَادِ لَمْ يَشْرَكُوكُمْ فِيهِ .
ثُمَّ يُقَالُ ثَانِيًا : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَطْلَقُوا أَلْفَاظَ النُّصُوصِ ، وَأَنْتُمْ أَطْلَقْتُمْ أَلْفَاظًا لَمْ يَرِدْ بِهَا نَصٌّ .
[ ص: 440 ] وَالْمُسْلِمُونَ قَرَنُوا تِلْكَ الْأَلْفَاظَ بِمَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ مِنْ نَفْيِ التَّمْثِيلِ .
وَأَنْتُمْ لَمْ تَقْرِنُوا بِأَلْفَاظِكُمْ مَا يَنْفِي مَا أَثْبَتُّمُوهُ مِنَ التَّثْلِيثِ وَالِاتِّحَادِ .
وَالْمُسْلِمُونَ لَمْ يَعْتَقِدُوا مَعْنًى بَاطِلًا .
وَأَنْتُمُ اعْتَقَدْتُمْ مِنَ التَّثْلِيثِ فِي الْأَقَانِيمِ وَالِاتِّحَادِ مَا هُوَ مَعْنًى بَاطِلٌ .
وَالْمُسْلِمُونَ لَمْ يُسَمُّوا صِفَاتِ اللَّهِ بِأَسْمَاءٍ أَحْدَثُوا تَسْمِيَةَ الصِّفَاتِ بِهَا وَحَمَلُوا كَلَامَ الرُّسُلِ عَلَيْهَا .
وَأَنْتُمْ أَحْدَثْتُمْ لِصِفَاتِ اللَّهِ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهُ أَنْتُمْ بِهَا لَمْ تَسْمَعْهُ الرُّسُلُ ، وَحَمَلْتُمْ كَلَامَ الرُّسُلِ عَلَيْهَا .
وَالْمُسْلِمُونَ لَمْ يَعْدِلُوا عَنِ النُّصُوصِ الْكَثِيرَةِ الْمُحْكَمَةِ الْبَيِّنَةِ الْوَاضِحَةِ إِلَى أَلْفَاظٍ قَلِيلَةٍ مُتَشَابِهَةٍ .
وَأَنْتُمْ عَدَلْتُمْ عَنْ هَذَا إِلَى هَذَا .
وَالْمُسْلِمُونَ لَمْ يَضَعُوا لَهُمْ شَرِيعَةَ اعْتِقَادٍ غَيْرِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ .
وَأَنْتُمْ وَضَعْتُمْ شَرِيعَةَ اعْتِقَادٍ غَيْرِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ .
وَالْمُسْلِمُونَ لَمْ يَقُولُوا قَوْلًا لَا يُعْقَلُ .
وَأَنْتُمْ قُلْتُمْ قَوْلًا لَا يُعْقَلُ .
وَالْمُسْلِمُونَ لَمْ يَتَنَاقَضُوا ، فَيَجْعَلُوا الْإِلَهَ وَاحِدًا وَيَجْعَلُونَهُ
[ ص: 441 ] اثْنَيْنِ ، بَلْ ثَلَاثَةً ، وَأَنْتُمْ تَنَاقَضْتُمْ .
فَهَذِهِ الْفُرُوقُ وَغَيْرُهَا مِمَّا يُبَيِّنُ فَسَادَ تَشْبِيهِكُمْ أَنْفُسَكُمْ بِالْمُسْلِمِينَ .
الْوَجْهُ الثَّامِنُ : قَوْلُكُمْ : وَكَذَلِكَ - نَحْنُ
النَّصَارَى - الْعِلَّةُ فِي قَوْلِنَا : ( إِنَّ اللَّهَ ثَلَاثَةُ أَقَانِيمَ ، أَبٍ ، وَابْنٍ ، وَرُوحِ قُدُسٍ ، أَنَّ الْإِنْجِيلَ نَطَقَ بِهِ .
فَيُقَالُ لَكُمْ : هَذَا بَاطِلٌ ، فَإِنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=29434لَمْ يَنْطِقْ لَا الْإِنْجِيلُ وَلَا شَيْءٌ مِنَ النُّبُوَّاتِ بِأَنَّ اللَّهَ ثَلَاثَةُ أَقَانِيمَ ، وَلَا خَصَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الرَّبَّ بِثَلَاثِ صِفَاتٍ دُونَ غَيْرِهَا ، وَلَا قَالَ
الْمَسِيحُ وَلَا غَيْرُهُ : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْأَبُ وَالِابْنُ وَرُوحُ الْقُدُسِ ، وَلَا إِنَّ لَهُ أُقْنُومًا هُوَ الِابْنُ ، وَأُقْنُومًا هُوَ رُوحُ الْقُدُسِ ، وَلَا قَالَ : إِنَّ الِابْنَ كَلِمَتُهُ أَوْ عِلْمُهُ أَوْ حِكْمَتُهُ أَوْ نُطْقُهُ ، وَإِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ حَيَاتُهُ ، وَلَا سَمَّى شَيْئًا مِنْ صِفَاتِهِ ابْنًا وَلَا وَلَدًا ، وَلَا قَالَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ إِنَّهُ مَوْلُودٌ ، وَلَا جَعَلَ الْقَدِيمَ الْأَزَلِيَّ مَوْلُودًا ، وَلَا قَالَ لَا عَنْ قَدِيمٍ وَلَا مَخْلُوقٍ ، إِنَّهُ إِلَهٌ حَقٌّ مِنْ إِلَهٍ حَقٍّ ، وَلَا قَالَ عَنْ صِفَاتِ اللَّهِ إِنَّهَا آلِهَةٌ ، وَإِنَّ الْكَلِمَةَ إِلَهٌ وَالرُّوحَ إِلَهٌ ، وَلَا قَالَ إِنَّ اللَّهَ اتَّحَدَ لَا بِذَاتِهِ وَلَا بِصِفَاتِهِ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَشَرِ ، بَلْ هَذَا كُلُّهُ مِمَّا ابْتَدَعْتُمُوهُ وَخَرَجْتُمْ بِهِ عَنِ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ ، فَخَالَفْتُمُ الْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ وَالْعُقُولَ الصَّرِيحَةَ ، وَكُنْتُمْ مِمَّنْ قِيلَ فِيهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=10وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [ ص: 442 ] فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ الَّذِينَ سَمَّيْتُمْ نُطْقَ اللَّهِ ابْنًا ، وَقُلْتُمْ : سَمَّيْنَاهُ ابْنًا ; لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْهُ كَمَا يَتَوَلَّدُ الْكَلَامُ مِنَ الْعَقْلِ ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ تُسَمُّوا حَيَاتَهُ ابْنًا ; لِأَنَّهَا مُنْبَثِقَةٌ مِنْهُ وَمُتَوَلِّدَةٌ عَنْهُ أَيْضًا ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ عِلْمِ الرَّبِّ وَحَيَاتِهِ .
فَعِلْمُهُ لَازِمٌ لَهُ وَحَيَاتُهُ لَازِمَةٌ لَهُ ، فَلِمَاذَا جَعَلْتُمْ هَذَا ابْنًا دُونَ هَذَا .
وَقُلْتُمْ : إِنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللَّهِ ، وَإِنَّهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ ، وَأَنْتُمْ تَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لَمْ يُسَمِّ عِلْمَ اللَّهِ وَلَا كَلَامَهُ وَلَا حِكْمَتَهُ مَوْلُودًا مِنْهُ .
وَالَّذِي يَعْقِلُهُ الْخَلْقُ فِي الْمَوْلُودِ الَّذِي يُولَدُ مِنْ غَيْرِهِ ، كَمَا يَتَوَلَّدُ الْعِلْمُ وَالْكَلَامُ مِنْ نَفْسِ الْإِنْسَانِ ، أَنَّهُ حَادِثٌ فِيهِ أَوْ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ ، لَا يُعْقَلُ أَنَّهُ قَائِمٌ بِهِ ، وَأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ .
ثُمَّ قُلْتُمْ فِي أَمَانَتِكُمْ ، إِنَّهُ تَجَسَّمَ مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ ، أَوْ مِنْهُ وَمِنْ مَرْيَمَ .
وَهُوَ إِنَّمَا تَجَسَّمَ عِنْدَكُمْ مِنَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سَمَّيْتُمُوهَا الِابْنَ دُونَ رُوحِ الْقُدُسِ .
وَإِنْ كَانَ تَجَسَّمَ مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ ، فَيَكُونُ هُوَ رُوحُ الْقُدُسِ لَا يَكُونُ هُوَ الْكَلِمَةُ الَّتِي هِيَ الِابْنُ .
ثُمَّ تَقُولُونَ : هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحُهُ ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ أُقْنُومَيْنِ ، أُقْنُومَ الْكَلِمَةِ وَأُقْنُومَ الرُّوحِ ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكُمْ أُقْنُومٌ وَاحِدٌ .
[ ص: 443 ] فَهَذَا تَنَاقُضٌ وَحَيْرَةٌ ، تَجْعَلُونَهُ الِابْنَ الَّذِي هُوَ الْكَلِمَةُ ، وَهُوَ أُقْنُومُ الْكَلِمَةِ فَقَطْ
وَتَقُولُونَ : تَجَسَّمَ مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ ، وَلَا تَقُولُونَ : إِنَّهُ تَجَسَّمَ مِنَ الْكَلِمَةِ .
وَتَقُولُونَ : هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحُهُ ، وَالْكَلِمَةُ وَالرُّوحُ أُقْنُومَانِ .
وَلَا تَقُولُونَ : إِنَّهُ أُقْنُومَانِ ، بَلْ أُقْنُومٌ وَاحِدٌ .
وَتَقُولُونَ : إِنَّهُ خَالِقُ الْعَالَمِ ، وَالْخَالِقُ هُوَ الْأَبُ وَتَقُولُونَ : لَيْسَ هُوَ الْأَبُ ، وَتَقُولُونَ : إِلَهٌ حَقٌّ مِنْ إِلَهٍ حَقٍّ ، وَتَقُولُونَ : إِلَهٌ وَاحِدٌ سَاوَى الْأَبَ فِي الْجَوْهَرِ .
وَتَقُولُونَ : لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، فَكَيْفَ تُشَبِّهُونَ أَنْفُسَكُمْ بِمَنِ اتَّبَعَ نُصُوصَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَلَمْ يُحَرِّفْهَا ؟
وَغَايَةُ مَا عِنْدَكُمْ مَا وُجِدَ فِي إِنْجِيلِ " مَتَّى " دُونَ سَائِرِ الْأَنَاجِيلِ مِنْ أَنَّ
الْمَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ : ( عَمِّدُوا النَّاسَ بِاسْمِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ ) .
وَأَنْتُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=29434قَدْ عَرَفْتُمْ فِي كَلَامِ الْمَسِيحِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِالِابْنِ صِفَةَ اللَّهِ ، لَا كَلَامَهُ وَلَا عِلْمَهُ وَلَا حِكْمَتَهُ .
وَلَا يُرِيدُونَ بِالِابْنِ : إِلَهٌ حَقٌّ مِنْ إِلَهٍ حَقٍّ ، وَلَا مَوْلُودٌ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ ،
[ ص: 444 ] بَلْ يُرِيدُونَ بِهِ وَلِيَّهُ ، وَهُوَ نَاسُوتٌ لَا لَاهُوتٌ ، كَيَعْقُوبَ وَالْحَوَارِيِّينَ .
وَلَا يُرِيدُونَ بِرُوحِ الْقُدُسِ نَفْسَ حَيَاةِ اللَّهِ ، وَلَا يُرِيدُونَ بِهِ أَنَّهُ رَبٌّ حَيٌّ ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهَا الْمَلَكَ أَوْ مَا يُنَزِّلُهُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ أَنْبِيَائِهِ وَأَصْفِيَائِهِ مِنَ الْهُدَى وَالتَّأْيِيدِ وَنَحْوَ ذَلِكَ .
فَرُوحُ الْقُدُسِ يَكُونُ عِنْدَكُمْ وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ ، كَمَا كَانَتْ فِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ وَكَانَتْ فِي الْحَوَارِيِّينَ .
فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ لَفْظَ الِابْنِ وُجِدَ فِي كَلَامِ
الْمَسِيحِ مُسْتَعْمَلًا تَارَةً فِي كَلِمَةِ اللَّهِ ، وَتَارَةً فِي وَلِيِّهِ النَّاسُوتِ ، وَرُوحَ الْقُدُسِ مُسْتَعْمَلًا تَارَةً فِي حَيَاتِهِ ، وَتَارَةً فِيمَا يُنْزِلُهُ عَلَى قُلُوبِ أَنْبِيَائِهِ - كَانَ جَزْمُكُمْ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ هُنَا صِفَاتِ اللَّهِ جَزْمًا بَاطِلًا .
فَمَا وُصِفَ بِهِ
الْمَسِيحُ مِنْ أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ ، وَمِنْ أَنَّ رُوحَ الْقُدُسِ فِيهِ - قَدْ وُصِفَ بِهِ غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ .
فَإِنْ كَانَ الِابْنُ وَرُوحُ الْقُدُسِ صِفَتَيْنِ لِلَّهِ ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ غَيْرُ
الْمَسِيحِ لَاهُوتًا وَنَاسُوتًا
كَالْمَسِيحِ ، إِذِ الَّذِي حَلَّ فِي
الْمَسِيحِ حَلَّ فِي غَيْرِهِ .
ثُمَّ جَزْمُكُمْ بِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ أَقَانِيمُ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ صِفَاتٌ ذَاتِيَّةٌ أَوْ جَوْهَرِيَّةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ إِلَّا هَذِهِ الثَّلَاثَةَ ، ثُمَّ تَفَرَّقْتُمْ فِي الثَّلَاثَةِ ، هَلِ الْمُرَادُ بِالْأَقَانِيمِ الْوُجُودُ وَالْعِلْمُ وَالْحَيَاةُ ، أَوِ الْحِكْمَةُ وَالْكَلَامُ ، أَوِ النُّطْقُ
[ ص: 445 ] بَدَلَ لَفْظِ الْعِلْمِ ، أَوِ الْمُرَادُ الْوُجُودُ وَالْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ ، بَدَلَ الْحَيَاةِ ، أَوِ الْمُرَادُ الْوُجُودُ وَالْحَيَاةُ وَالْقُدْرَةُ ، أَوِ الْمُرَادُ الْوُجُودُ مَعَ الْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ ؟ إِلَى أَقْوَالٍ أُخْرَى يَطُولُ أَمْرُهَا .
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي ، مَا الَّذِي أَرَادَ
الْمَسِيحُ بِلَفْظِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَرُوحِ الْقُدُسِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي اخْتَلَفْتُمْ فِيهَا ، لَوْ كَانَ مُرَادُهُ مَا ادَّعَيْتُمُوهُ مِنَ الْأَقَانِيمِ ؟
وَالْأَقَانِيمُ - لَفْظًا وَمَعْنًى - لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، بَلْ قِيلَ فِيهَا : إِنَّهَا لَفْظَةٌ رُومِيَّةٌ ، يُفَسِّرُونَهَا تَارَةً بِالْأَصْلِ ، وَتَارَةً بِالشَّخْصِ ، وَتَارَةً بِالذَّاتِ مَعَ الصِّفَةِ ، وَيُفَسِّرُونَهَا تَارَةً بِالْخَاصَّةِ ، وَتَارَةً بِالصِّفَةِ .
فَهَلَّا تَرَكْتُمْ كَلَامَ
الْمَسِيحِ عَلَى حَالِهِ ، وَلَمْ تُحَرِّفُوهُ هَذِهِ التَّحْرِيفَاتِ .
وَلَقَدْ أَحْسَنَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ إِذْ قَالَ : لَوْ سَأَلْتَ نَصْرَانِيًّا وَابْنَهُ وَابْنَ ابْنِهِ عَمَّا يَعْتَقِدُونَهُ ، لِأَخْبَرَكَ كُلُّ وَاحِدٍ بِعَقِيدَةٍ تُخَالِفُ عَقِيدَةَ الْآخَرِ ، إِذْ كَانَ أَصْلُ اعْتِقَادِهِمْ جَهْلًا وَضَلَالًا ، لَيْسَ مَعَهُمْ عِلْمٌ لَا نَقْلٌ وَلَا عَقْلٌ ، فَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=8وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ
وَلَيْسَ مَعَهُمْ بِمَا اعْتَقَدُوهُ مِنَ التَّثْلِيثِ وَالِاتِّحَادِ عِلْمٌ ، بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فَضْلًا عَمَّا هُوَ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ عِلْمٌ يَهْتَدُونَ بِهِ ، فَلَيْسُوا
[ ص: 446 ] بِمُهْتَدِينَ فَضْلًا عَمَّا هُوَ أَخَصُّ مِنَ الْهُدَى وَهُوَ " كِتَابٌ مُنِيرٌ " فَلَيْسَ مَعَهُمْ بِهِ كِتَابٌ مُنِيرٌ .
وَلَوْ تَكَلَّمْتُمْ بِهَذَا الْكَلَامِ ، وَقُلْتُمْ : لَا نَفْهَمُ مَعْنَاهُ أَوْ ظَاهِرُهُ بَاطِلٌ ، وَلَهُ تَأْوِيلٌ مَقْبُولٌ ، كَمَا حَكَيْتُمُوهُ عَمَّنْ تَشَبَّهْتُمْ بِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنَّهُ يَقُولُهُ فِي الصِّفَاتِ - لَكَانَ هَذَا أَقْرَبَ إِلَى الْقِيَاسِ .
فَكَيْفَ وَالْأَمْرُ بِعَكْسِ مَا ذَكَرْتُمْ ؟
وَذَلِكَ يَتَبَيَّنُ بِالْوَجْهِ التَّاسِعِ : وَهُوَ أَنَّكُمْ إِنَّمَا ضَلَلْتُمْ بِعُدُولِكُمْ عَنْ صَرِيحِ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ وَظَاهِرِهِ ، إِلَى مَا تَأَوَّلْتُمُوهُ عَلَيْهِ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا لَفْظُهُ ، لَا نَصًّا وَلَا ظَاهِرًا ، فَعَدَلْتُمْ عَنِ الْمُحْكَمِ وَاتَّبَعْتُمُ الْمُتَشَابِهَ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ .
فَلَوْ تَمَسَّكْتُمْ بِظَاهِرِ هَذَا الْكَلَامِ ، لَمْ تَضِلُّوا ، فَإِنَّ الِابْنَ ظَاهِرُهُ فِي كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ ، لَا يُرَادُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ ، بَلْ يُرَادُ بِهِ وَلِيُّهُ وَحَبِيبُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ ، وَرُوحُ الْقُدُسِ يُرَادُ بِهِ صِفَتُهُ ، بَلْ يُرَادُ بِهِ وَحْيُهُ وَمَلَكُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ ، فَعَدَلْتُمْ عَنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَمَفْهُومِهِ إِلَى مَعْنًى لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الْبَتَّةَ ، فَكَيْفَ تَدَّعُونَ أَنَّكُمُ اتَّبَعْتُمْ نُصُوصَ الْأَنْبِيَاءِ ؟
الْوَجْهُ الْعَاشِرُ : أَنَّكُمْ بَالَغْتُمْ فِي ذَمِّ
الْمَسِيحِ وَإِنْجِيلِهِ ، كَمَا بَالَغْتُمْ فِي سَبِّ اللَّهِ وَشَتْمِهِ ، وَإِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ ذَمٌّ ، فَلَمْ تَرْضَوْا أَنْ تَجْعَلُوا ظَاهِرَ كَلَامِ
الْمَسِيحِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ حَتَّى جَعَلْتُمْ ظَاهِرَهُ كُفْرًا لَا تَرْضَوْنَهُ ، مِثْلَ ثَلَاثَةِ آلِهَةٍ مُتَّفِقَةٍ أَوْ مُتَفَرِّقَةٍ ، أَوْ ثَلَاثَةِ أَجْسَامٍ مُؤَلَّفَةٍ ، أَوْ ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ مُفَرَّقَةٍ ، أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْخَاصٍ مُرَكَّبَةٍ .
فَهَذَا وَنَحْوُهُ هُوَ الَّذِي ادَّعَيْتُمْ أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ
الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - .
[ ص: 447 ] وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهَذَا الظَّاهِرِ ، بَلْ تُكَفِّرُونَ قَائِلَهُ ، كَمَا يُكَفِّرُ الْمُسْلِمُونَ مَنْ يَقُولُ بِالظَّاهِرِ الَّذِي هُوَ التَّجْسِيمُ وَالتَّمْثِيلُ .
وَهَذَا مَا يَتَضَمَّنُ أَنَّ كَلَامَ
الْمَسِيحِ ظَاهِرٌ فِي إِثْبَاتِ ثَلَاثَةِ آلِهَةٍ ، وَثَلَاثَةِ أَشْخَاصٍ مُؤَلَّفَةٍ ، وَثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ ، وَثَلَاثَةِ أَشْخَاصٍ مُرَكَّبَةٍ .
كَمَا زَعَمْتُمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ التَّجْسِيمُ ، وَأَنَّكُمْ عَدَلْتُمْ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ إِلَى إِثْبَاتِ الْأَقَانِيمِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي جَعَلْتُمْ فِيهَا كَلِمَةَ اللَّهِ هِيَ ابْنُهُ ، وَهُوَ جَوْهَرٌ خَالِقٌ يُسَاوِيهِ فِي الْجَوْهَرِ ، وَأَنَّ
الْمَسِيحَ هُوَ هَذَا الِابْنُ الْمُسَاوِي لِلْأَبِ فِي الْجَوْهَرِ خَالِقُ الْعَالَمِينَ ، وَدَيَّانُ يَوْمِ الدِّينِ وَالْجَالِسُ فَوْقَ الْعَرْشِ عَنْ يَمِينِ الرَّبِّ ، وَأَنَّهُ إِلَهٌ حَقٌّ مِنْ إِلَهٍ حَقٍّ ، وَالرُّوحُ أَيْضًا إِلَهٌ ثَالِثٌ ، وَالْآلِهَةُ الثَّلَاثَةُ إِلَهٌ وَاحِدٌ .
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ فِيهِ مِنْ عَيْبِ
الْمَسِيحِ وَذَمِّهِ مَا يَنْتَصِرُ اللَّهُ بِهِ لِلْمَسِيحِ ، وَمِمَّنِ افْتَرَى عَلَيْهِ مِنْكُمْ وَمِنْ غَيْرِكُمْ .
فَإِنَّ
الْمَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى قَوْلِكُمْ - لَمْ يُفْصِحْ لَكُمْ بِأَمَانَةٍ تَعْتَقِدُونَهَا ، وَلَا بِتَوْحِيدٍ تَعْرِفُونَ بِهِ رَبَّكُمْ - عَزَّ وَجَلَّ - ، بَلْ تَكَلَّمَ بِمَا ظَاهِرُهُ إِثْبَاتُ ثَلَاثَةِ آلِهَةٍ ، وَثَلَاثَةِ أَجْسَامٍ مُرَكَّبَةٍ ، وَثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ ، وَأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَصْلَحْتُمْ ذَلِكَ حَتَّى جَعَلْتُمُوهُ ثَلَاثَةَ أَقَانِيمَ ، وَوَضَعْتُمْ تِلْكَ الْأَمَانَةَ الْمُخَالِفَةَ لِعُقُولِ ذَوِي الْعُقُولِ ، وَلِكُلِّ كِتَابٍ جَاءَ بِهِ رَسُولٌ ، مَعَ أَنَّ
الْمَسِيحَ لَمْ يَنْطِقْ بِتَثْلِيثٍ قَطُّ ، وَلَا بِاتِّحَادٍ ، وَلَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ .
وَعَمَّدْتُمْ عَلَى مَا نَقَلَهُ "
مَتَّى " عَنْهُ دُونَ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ قَالَ : ( عَمِّدُوا النَّاسَ بِاسْمِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَرُوحِ الْقُدُسِ ) .
[ ص: 448 ] وَهَذَا الْكَلَامُ ظَاهِرٌ ، بَلْ نَصُّهُ حُجَّةٌ عَلَى خِلَافِ قَوْلِكُمْ ، وَأَنَّهُ أَرَادَ بِالِابْنِ نَفْسَهُ ، وَهُوَ النَّاسُوتُ ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ صِفَةَ اللَّهِ ، وَأَرَادَ بِرُوحِ الْقُدُسِ مَا أَيَّدَهُ اللَّهُ بِهِ ، أَوْ رُوحَ الْقُدُسِ الَّذِي نَفَخَ فِي أُمِّهِ حَتَّى حَبِلَتْ بِهِ ، لَمْ يُرِدْ بِهِ صِفَةَ اللَّهِ - تَعَالَى - .
فَتَأَوَّلْتُمْ كَلَامَهُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ ، تَأْوِيلًا يُخَالِفُ صَرِيحَ الْمَعْقُولِ وَصَحِيحَ الْمَنْقُولِ ، فَكَيْفَ تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ تَمَسَّكْتُمْ بِظَاهِرِ كَلَامِهِ ؟
وَلَمَّا كَانَ قَوْلُ
النَّصَارَى فِي التَّثْلِيثِ مُتَنَاقِضًا فِي نَفْسِهِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ ، صَارَ مُجَرَّدُ تَصَوُّرِهِ التَّامِّ كَافِيًا فِي الْعِلْمِ بِفَسَادِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى دَلِيلٍ ، وَإِنْ كَانَتِ الْأَدِلَّةُ تَظْهَرُ بِفَسَادِهِ .
وَلِهَذَا سَلَكَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْكَلَامِ مَعَهُمْ هَذَا الْمَسْلَكَ ، وَهُوَ أَنَّ مُجَرَّدَ تَصَوُّرِ مَذْهَبِهِمْ كَافٍ فِي الْعِلْمِ بِفَسَادِهِ ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ .
وَقَالُوا : إِنَّ
النَّصَارَى نَاقَضَتْ فِي اللَّفْظِ وَأَحَالَتْ فِي الْمَعْنَى ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَدَ مَا يَدَّعُونَ انْتِحَالَهُ لِتَنَاقُضِهِ .
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الثَّلَاثَةَ وَاحِدٌ ، وَالْوَاحِدَ ثَلَاثَةٌ ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ اعْتِقَادُهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَقِدَ الْمُعْتَقِدُ فِي شَيْءٍ أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ ، مَعَ اعْتِقَادِهِ فِيهِ أَنَّهُ وَاحِدٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَضَادٌّ .
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، فَلَيْسَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ ، أَوْ أَنَّهُ وَاحِدٌ .
وَلَيْسَ يَحْتَاجُ أَنْ يُعْرَفَ بِدَلِيلٍ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنِ ادَّعَى أَنَّ الْوَاحِدَ ثَلَاثَةٌ ، وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ وَاحِدٌ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْقَلُ .
[ ص: 449 ] وَهُوَ كَمَنِ ادَّعَى فِي الشَّيْءِ أَنَّهُ مَوْجُودٌ مَعْدُومٌ ، أَوْ قَدِيمٌ مُحْدَثٌ ، أَوْ فِي الْجِسْمِ أَنَّهُ قَائِمٌ قَاعِدٌ ، مُتَحَرِّكٌ سَاكِنٌ .
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، فَتَنَاقُضُهُ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ فِيهِ إِلَى دَلَالَةٍ .
وَإِذَا قَالَ
النَّصَارَى : إِنَّهُ أَحَدِيُّ الذَّاتِ ثُلَاثِيُّ الصِّفَاتِ .
قِيلَ : لَوِ اقْتَصَرْتُمْ عَلَى قَوْلِكُمْ : إِنَّهُ وَاحِدٌ لَهُ صِفَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ ، لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ ، بَلْ يُنْكِرُونَ تَخْصِيصَ الصِّفَاتِ بِثَلَاثٍ ، فَإِنَّ هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ :
مِنْهَا : أَنَّ الْأَبَ عِنْدَكُمْ هُوَ الْجَوْهَرُ لَيْسَ هُوَ صِفَةٌ ، فَلَا يَكُونُ لَهُ صِفَةٌ إِلَّا الْحَيَاةَ وَالْعِلْمَ ، فَيَكُونُ جَوْهَرًا وَاحِدًا لَهُ أُقْنُومَانِ ، وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمْ ثَلَاثَةَ أَقَانِيمَ .
وَمِنْهَا : أَنَّ صِفَاتِ الرَّبِّ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ ، بَلْ هُوَ مَوْصُوفٌ بِالْقُدْرَةِ وَغَيْرِهَا .
وَمِنْهَا : أَنَّكُمْ تَارَةً تُفَسِّرُونِ رُوحَ الْقُدُسِ بِالْحَيَاةِ ، وَتَارَةً بِالْقُدْرَةِ ، وَتَارَةً بِالْوُجُودِ .
وَتُفَسِّرُونَ الْكَلِمَةَ تَارَةً بِالْعِلْمِ ، وَتَارَةً بِالْحِكْمَةِ ، وَتَارَةً بِالْكَلَامِ .
فَبُطْلَانُ قَوْلِكُمْ فِي إِثْبَاتِ ثَلَاثِ صِفَاتٍ ، كَثِيرٌ وَأَنْتُمْ مَعَ هَذَا تَجْعَلُونَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا إِلَهًا . فَتَجْعَلُونَ الْحَيَاةَ إِلَهًا ، وَالْعِلْمَ إِلَهًا ، وَهَذَا بَاطِلٌ .
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُثْبِتِ الصِّفَاتِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْكُمْ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ : إِذَا قِيلَ : أَلَسْتُمْ تَقُولُونَ : إِنَّ الْأَبْعَاضَ
[ ص: 450 ] الْكَثِيرَةَ تَكُونُ إِنْسَانًا وَاحِدًا ، وَالْآحَادَ الْكَثِيرَةَ عَشَرَةً وَاحِدَةً ، وَالْأَجْسَامَ الْكَثِيرَةَ دَارًا وَاحِدَةً وَمَدِينَةً وَاحِدَةً ، وَمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى مِمَّا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى ، وَأَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى .
فَكَيْفَ عِبْتُمْ ذَلِكَ مِنَ
النَّصَارَى ؟ وَلِمَ أَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةُ أَقَانِيمَ جَوْهَرًا وَاحِدًا ؟
قِيلَ : إِنَّ قَوْلَنَا : إِنْسَانٌ وَاحِدٌ ، وَدَارٌ وَاحِدَةٌ ، وَعَشَرَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى ، أَسْمَاءٌ تُنْبِئُ عَنِ الْجُمَلِ لَا عَنْ آحَادٍ .
وَإِذَا قُلْنَا : إِنْسَانٌ وَاحِدٌ ، فَكَأَنَّا قُلْنَا : جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَكَذَلِكَ إِذَا قُلْنَا : عَشَرَةٌ وَاحِدَةٌ ، لَا أَنَّا نُثْبِتُهُ وَاحِدًا فِي الْحَقِيقَةِ .
كَيْفَ وَنَحْنُ نَقُولُ : إِنَّ أَبْعَاضَ الْإِنْسَانِ مُتَغَايِرَةٌ ، فَكُلُّ بَعْضٍ مِنْهَا غَيْرُ سَائِرِهَا ، وَكَذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَشَرَةِ غَيْرُ سَائِرِهَا ؟
فَنَحْنُ وَإِنْ قُلْنَا : إِنْسَانٌ وَاحِدٌ ، فَلَسْنَا نُثْبِتُهُ شَيْئًا وَاحِدًا فِي نَفْسِهِ ، وَلَوْ أَثْبَتْنَا ذَلِكَ ، لَتَنَاقَضْنَا مُنَاقَضَةَ
النَّصَارَى ، وَإِنَّمَا قُلْنَا : هِيَ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَلَوْ قَالَتِ
النَّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ ، لَمْ تَتَنَاقَضْ ، حَتَّى يَزْعُمُوا أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ جُمْلَةً وَاحِدَةً .
فَيَكُونُ مُرَادُهُمْ فِي ذَلِكَ بِوَصْفِهِمُ الْأَقَانِيمَ الثَّلَاثَةَ ، بِأَنَّهَا جَوْهَرٌ وَاحِدٌ مِمَّا نُرِيدُ بِقَوْلِنَا : الْأَبْعَاضُ الْكَثِيرَةُ - أَنَّهُ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ .
فَيَكُونُ وَصْفُهُمْ لَهَا بِأَنَّهَا جَوْهَرٌ ، إِنَّمَا يُنْبِئُ أَنَّهَا جُمْلَةً ، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ ، وَلَا يَعْتَقِدُونَهُ وَلَا يَجْعَلُونَ لَهُ مَعْنًى ; لِأَنَّهُمْ لَا يُعْطُونَ
[ ص: 451 ] حَقِيقَةَ التَّثْلِيثِ ، فَيُثْبِتُونَ الْأَقَانِيمَ الثَّلَاثَةَ مُتَغَايِرَةً ، وَلَا حَقِيقَةَ التَّوْحِيدِ ، فَيُثْبِتُونَ الْقَدِيمَ وَاحِدًا لَيْسَ بِاثْنَيْنِ وَلَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ .
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، فَمَا قَالُوهُ هُوَ شَيْءٌ لَا يُعْقَلُ ، وَلَا يَصْلُحُ اعْتِقَادُهُ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُعَارَضُوا عَلَى قَوْلِهِمْ بِكُلِّ حَالٍ .
فَيُقَالُ لَهُمْ : إِذَا جَازَ عِنْدَكُمْ أَنْ تَكُونَ ثَلَاثَةُ أَقَانِيمَ جَوْهَرًا وَاحِدًا ، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ ثَلَاثَةُ آلِهَةٍ جَوْهَرًا وَاحِدًا ، وَثَلَاثَةُ فَاعِلِينَ جَوْهَرًا وَاحِدًا ، وَثَلَاثَةُ أَغْيَارٍ جَوْهَرًا وَاحِدًا ، وَثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ جَوْهَرًا وَاحِدًا ، وَثَلَاثَةُ قَادِرِينَ جَوْهَرًا وَاحِدًا ، وَكُلُّ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ جَوْهَرًا وَاحِدًا ، وَكُلُّ مَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى مِنَ الْمُعَارَضَةِ ؟ فَلَا يَجِدُونَ فَصْلًا .