الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 255 ] وأما النوع الخامس : تأثيره في الأحجار ، وتصرفه فيها ، وتسخيرها له  ففي صحيح البخاري ، عن أنس قال : صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، فرجف بهم الجبل ، فقال : اسكن - وضربه برجله - فليس عليك إلا نبي ، وصديق ، وشهيدان   . وفي الصحيحين عن جابر بن سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث  ، إني لأعرفه الآن . وفي الترمذي ، عن علي ، قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها ، فما استقبله شجر ، ولا جبل إلا وهو يقول : السلام عليك يا رسول الله . ورواه الحاكم في صحيحه . [ ص: 256 ] وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع قال : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا ، فلما واجهنا العدو تقدمته ، فأعلو ثنية ، فاستقبلني رجل من العدو فأرميه بسهم فتوارى عني ، فما دريت ما صنع ، ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى ، فالتقوا هم وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فولى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأرجع منهزما ، وعلي بردتان متزرا بإحداهما مرتديا بالأخرى ، فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعا ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما وهو على بغلته الشهباء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد رأى [ ص: 257 ] ابن الأكوع فزعا . فلما غشوا النبي صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ، ثم قبض قبضة من الأرض ، واستقبل به وجوههم ، فقال : شاهت الوجوه . فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة ، فولوا مدبرين ، فهزمهم الله . وفي صحيح مسلم ، عن العباس بن عبد المطلب قال : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم نفارقه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي فلما التقى المسلمون ، والكفار [ ص: 258 ] ولى المسلمون مدبرين ، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار ، قال العباس : وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها ، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إرادة أن لا تسرع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي عباس ، ناد أصحاب الشجرة . فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها . يا لبيك يا لبيك . قال : فاقتتلوا والكفار ، والدعوة في الأنصار يقولون : يا معشر الأنصار ، ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا : يا بني الحارث بن الخزرج . فنظر رسول الله [ ص: 259 ] صلى الله عليه وسلم ، وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا حين حمي الوطيس . ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى وجوه الكفار ، ثم قال : انهزموا ورب الكعبة . قال : فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى ، فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلا ، وأمرهم مدبرا حتى هزمهم الله ، وقد قال الله تعالى : عن يوم بدر : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [ ص: 260 ] وروى ابن إسحاق ، عن جماعة منهم عروة ، والزهري ، وعاصم بن عمر ، وغيرهم قالوا : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش هو ، وأبو بكر ما معهما غيرهما ، وقد تدانى القوم بعضهم من بعض ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده من نصره ويقول : اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد . وأبو بكر يقول : بعد مناشدتك ربك يا رسول الله فإن الله سينجز لك ما وعدك من نصره . وخفق رسول الله [ ص: 261 ] صلى الله عليه وسلم خفقة ، ثم هب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبشر يا أبا بكر ، أتاك نصر الله عز وجل ، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده ، على ثناياه النقع - يقول : الغبار - ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فعبأ أصحابه وهيأهم ، وقال : لا يعجلن رجل منكم بقتال حتى نؤذنه ، فإذا أكثبكم القوم - يقول : قربوا منكم - فانضحوهم عنكم بالنبل ، ثم تزاحم الناس فلما تدانى بعضهم من بعض خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ حفنة من حصباء ثم استقبل بها قريشا ، فنفخ بها وجوههم ، وقال : شاهت الوجوه ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احملوا عليهم يا معشر المسلمين . فحمل المسلمون [ ص: 262 ] وهزم الله قريشا ، وقتل من قتل من أشرافهم ، وأسر من أسر منهم . وفي حديث ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، فقال له جبريل : خذ قبضة من تراب . فأخذ قبضة من تراب ، ورمى بها وجوههم ، فما في المشركين من أحد إلا وأصاب عينيه ، ومنخريه ، وفمه تراب من تلك القبضة ، فولوا مدبرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية