[ ص: 214 ] قالوا ثم وجدناه يعظم إنجيلنا ويقدم صوامعنا ويشرف مساجدنا ويشهد بأن اسم الله يذكر فيها كثيرا وذلك مثل قوله - تعالى - : وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع والجواب أن فيها ذكر الصوامع والبيع وأما قوله : يذكر فيها اسم الله كثيرا ، فإنما ذكره عقب ذكره المساجد والمساجد للمسلمين وليس المراد بها كنائس النصارى ، فإنها هي البيع ثم قوله - تعالى - : يذكر فيها اسم الله كثيرا إما أن يكون مختصا بالمساجد فلا يكون في ذلك إخبار بأن اسم الله يذكر كثيرا في البيع والصوامع وإما أن يكون ذكر اسم الله في الجميع فلا ريب أن الصوامع والبيع قبل أن يبعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - كان فيها من يتبع دين المسيح الذي لم يبدل ويذكر فيها اسم الله كثيرا وقد قيل أنها بعد النسخ والتبديل [ ص: 215 ] يذكر فيها اسم الله كثيرا وإن الله يحب أن يذكر اسمه .
قال الضحاك يعني أن المشرك به خير من المعطل الجاحد الذي لا يذكر اسم الله بحال . إن الله يحب أن يذكر اسمه وإن كان يشرك به
وقد ذكرنا أنه لما اقتتل فارس والروم وانتصرت الفرس ساء ذلك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكرهوا انتصار الفرس على وأهل الكتاب خير من المشركين النصارى ; لأن النصارى أقرب إلى دين الله من المجوس وتقليلها وتقديم خير الخيرين على أدناهما حسب الإمكان ودفع شر الشرين بخيرهما فهدم صوامع والرسل بعثوا بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد النصارى وبيعهم فساد إذا هدمها المجوس والمشركون وأما إذا هدمها المسلمون وجعلوا [ ص: 216 ] أماكنها مساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا فهذا خير وصلاح .
وهذه الآية ذكرت في سياق الإذن للمسلمين بالجهاد بقوله - تعالى - : أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير وهذه الآية ولهذا قال أول آية نزلت في الجهاد الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ثم قال : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض فيدفع بالمؤمنين الكفار ويدفع شر الطائفتين بخيرهما كما دفع المجوس بالروم النصارى ثم دفع النصارى بالمؤمنين أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهذا كما قال - تعالى - : في سورة البقرة وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين وأما التقديم في اللفظ ، فإنه يكون للانتقال من الأدنى إلى الأعلى كقوله - تعالى - : قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون [ ص: 217 ] وقوله : يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه وقوله : والذاريات ذروا ( 1 ) فالحاملات وقرا ( 2 ) فالجاريات يسرا ( 3 ) فالمقسمات أمرا ونظائره متعددة .
وكذلك في قوله - تعالى - : لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا فبين سبحانه أنه لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت مواضع العبادات وهدمها فساد إذا هدمها من لا يبدلها بخير منها وأدناها هي الصوامع ، فإن الصومعة تكون لواحد أو لطائفة قليلة فبدأ بأدنى المعابد وختم بأشرفها وهي المساجد التي يذكر فيها اسم الله كثيرا ففي الجملة حكم هذه المعابد حكم أهلها وأهلها قبل النسخ والتبديل مؤمنون مسلمون وهدم معابد المؤمنين المسلمين فساد وبعد النسخ والتبديل إذا غلب أهل الكتاب من هو شر منهم كالمجوس والمشركين وهدموا معابدهم كان ذلك فسادا وإذا هدمها من هو خير منهم كأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأبدلوها مساجد يذكر فيها [ ص: 218 ] اسم الله كثيرا ولا يشرك به ويذكر فيها الإيمان بجميع كتبه ورسله كان ذلك صلاحا لا فسادا .
ولهذا كما كان أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتخذ المساجد مواضع معابد الكفار لثقيف أهل الطائف معبد يعبدون فيه اللات التي قال الله فيها : أفرأيتم اللات والعزى فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يهدم ذلك المعبد ويتخذ مكانه المسجد الذي يعبد الله وحده فيه ، فإن قال - تعالى - : المساجد هي [ ص: 219 ] بيوت الله في الأرض قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون وقال - تعالى - : وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا وقال - تعالى - : ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم الآية إلى قوله : المهتدين وقال - تعالى - : الله نور السماوات والأرض مثل نوره الآية إلى قوله : بغير حساب ثم لما ذكر المؤمنين ذكر الكفار من أهل الكتاب والمشركين فذكر أهل الجهل المركب والبسيط فقال - تعالى - : [ ص: 220 ] والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب ( 39 ) أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور فقد محمد - صلى الله عليه وسلم - بل ما جاء به حجة عليهم من وجوه متعددة . تبين أنه ليس لهم حجة في شيء مما جاء به