[ ص: 100 ] باب صفة الضرب في الزنا 
قال الله تعالى : ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله  روي عن  الحسن   وعطاء   ومجاهد  وأبي مجلز  قالوا : " في تعطيل الحدود لا في شدة الضرب "  . 
وروى  ابن أبي مليكة  عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر   : أن جارية  لابن عمر  زنت فضرب رجليها ، وأحسبه قال : وظهرها ، قال : فقلت لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله قال : يا بني ورأيتني أخذتني بها رأفة ؟ إن الله تعالى لم يأمرني أن أقتلها ولا أن أجعل جلدها في رأسها وقد أوجعت حيث ضربت . وروي عن  سعيد بن جبير   وإبراهيم   والشعبي  قالوا : " في الضرب "  . واختلف الفقهاء في شدة الضرب في الحدود  ، فقال أصحابنا  وأبو حنيفة   وأبو يوسف   ومحمد   وزفر   : " التعزير أشد الضرب ، وضرب الزنا أشد من ضرب الشارب ، ويضرب الشارب أشد من ضرب القاذف " . وقال  مالك   والليث   : " الضرب في الحدود كلها سواء غير مبرح بين الضربين "  . وقال  الثوري  ضرب الزنا أشد من ضرب القذف ، وضرب القذف أشد من ضرب الشرب "  . وقال  الحسن بن صالح  ضرب الزنا أشد من ضرب الشرب والقذف "  . وروي عن  عطاء  قال : " حد الزنية أشد من حد الفرية وحد الفرية والخمر واحد "  . وعن  الحسن  قال ضرب الزنا أشد من القذف والقذف أشد من الشرب وضرب الشرب أشد من ضرب التعزير "  . وروي عن  علي  أنه ضرب رجلا قاعدا وعليه كساء قسطلاني قال  أبو بكر   : قوله تعالى : ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله  لما كان محتملا لما تأوله السلف  عليه من تعطيل الحد ومن تخفيف الضرب ، اقتضى ظاهره أن يكون عليهما جميعا في أن لا يعطل الحد وفي تشديد الضرب ، وذلك يقتضي أن يكون أشد من ضرب القاذف والشارب ، وإنما قالوا إن التعزير أشد الضرب وأرادوا بذلك أنه جائز للإمام أن يزيد في شدة الضرب للإيلام على جهة الزجر والردع ؛ إذ لا يمكنه فيه بلوغ الحد ، ولم يعنوا بذلك أنه لا محالة أشد الضرب ؛ لأنه موكول إلى رأي الإمام واجتهاده ، ولو رأى أن يقتصر من الضرب في التعزير على الحبس إذا كان ذا مروءة وكان ذلك الفعل منه زلة جاز له أن يتجافى عنه ولا يعزره ، فعلمت أن مرادهم بقولهم : " التعزير أشد الضرب " إنما هو إذا رأى الإمام ذلك للزجر والردع فعل ، وقد روى  شريك  عن جامع بن أبي راشد  عن أبي وائل  قال :  " كان لرجل على ابن أخ  لأم سلمة  رضي الله عنها دين فمات فقضت عنه ، فكتب إليها يحرج عليها فيه ، فرفعت ذلك إلى  عمر  فكتب  عمر  إلى عامله : اضربه ثلاثين  [ ص: 101 ] ضربة كلها تبضع اللحم وتحدر الدم "  . فهذا من ضرب التعزير . 
وروى  شعبة  عن واصل  عن  المعرور بن سويد  قال : " أتي  عمر بن الخطاب  بامرأة زنت فقال : أفسدت حسبها ، اضربوها ولا تحرقوا عليها جلدها " فهذا يدل على أنه كان يرى ضرب الزاني أخف من التعزير . قال  أبو بكر   : قد دل قوله : ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله  على شدة ضرب الزاني على ما بينا وأنه أشد من ضرب الشارب والقاذف ، لدلالة الآية على شدة الضرب فيه ؛ ولأن ضرب الشارب كان من النبي صلى الله عليه وسلم بالجريد والنعال ، وضرب الزاني إنما يكون بالسوط ، وهذا يوجب أن يكون ضرب الزاني أشد من ضرب الشارب ، وإنما جعلوا ضرب القاذف أخف الضرب ؛ لأن القاذف جائز أن يكون صادقا في قذفه ، وأن له شهودا على ذلك والشهود مندوبون إلى الستر على الزاني ، فإنما وجب عليه الحد لقعود الشهود عن الشهادة ، وذلك يوجب تخفيف الضرب . ومن جهة أخرى أن القاذف قد غلظت عليه العقوبة في إبطال شهادته ، فغير جائز التغليظ عليه من جهة شدة الضرب . 
فإن قيل : روى  سفيان بن عيينة  قال : سمعت  سعد بن إبراهيم  يقول  للزهري   : إن أهل العراق  يقولون إن القاذف لا يضرب ضربا شديدا ، ولقد حدثني أبي أن أمه أم كلثوم  أمرت بشاة فسلخت حين جلد  أبو بكرة  فألبسته مسكها ، فهل كان ذلك إلا من ضرب شديد  . قيل له : هذا لا يدل على شدة الضرب ؛ لأنه جائز أن يؤثر في البدن الضرب الخفيف على حسب ما يصادف من رقة البشرة ففعلت ذلك إشفاقا عليه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					