وقد أنكر أهل العلم هذا التأويل ، قالوا : لو صح هذا الحديث كان معناه أن الرجل وصف امرأته بالخرق وضعف الرأي وتضييع ماله فهي لا تمنعه من طالب ولا تحفظه من سارق ، قالوا : وهذا أولى ؛ لأنه حقيقة اللفظ ، وحمله على الوطء كناية ومجاز ، وحمله على ما ذكرنا أولى وأشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم كما قال علي وعبد الله : إذا جاءكم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فظنوا به الذي هو أهدى والذي هو أهنأ والذي هو أتقى .
فإن قيل : قال الله تعالى : أو لامستم النساء فجعل الجماع لمسا . قيل له : إن الرجل لم يقل للنبي صلى الله عليه وسلم إنها لا تمنع لامسا ، وإنما قال يد لامس ، ولم يقل فرج لامس ، وقال الله تعالى : ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم ومعلوم أن المراد حقيقة اللمس باليد ، وقال جرير الخطفي يعاتب قوما :
ألستم لئاما إذ ترومون جارهم ولولا همو لم تمنعوا كف لامس
ومعلوم أنه لم يرد به الوطء وإنما أراد أنكم لا تدفعون عن أنفسكم الضيم ومنع أموالكم هؤلاء القوم ، فكيف ترومون جارهم بالظلم . ومن الناس من يقول إن تزويج الزانية وإمساكها على النكاح محظور منهي عنه ما دامت مقيمة على الزنا وإن لم يؤثر ذلك في إفساد النكاح ؛ لأن الله تعالى إنما أباح نكاح المحصنات من المؤمنات ومن أهل الكتاب بقوله : والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم يعني العفائف منهن ؛ ولأنها إذا كانت كذلك لا يؤمن أن تأتي بولد من الزنا فتلحقه به وتورثه ماله ، وإنما يحمل قول من رخص في ذلك على أنها تائبة غير مقيمة على الزنا ، ومن الدليل على أن زناها لا يوجب الفرقة أن الله تعالى حكم في القاذف لزوجته باللعان ثم بالتفريق بينهما ، فلو كان وجود الزنا منها يوجب الفرقة لوجب إيقاع الفرقة بقذفه إياها لاعترافه بما يوجب الفرقة ، ألا ترى أنه لو أقر أنها أخته من الرضاعة أو أن أباه قد كان وطئها لوقعت الفرقة بهذا القول ؟فإن قيل : لما حكم الله تعالى بإيقاع الفرقة بعد اللعان دل ذلك على أن الزنا يوجب التحريم ، لولا ذلك لما وجبت الفرقة باللعان . قيل له : لو كان كما ذكرت لوجبت الفرقة بنفس القذف دون اللعان ، فلما لم تقع بالقذف دل على فساد ما ذكرت .
فإن قيل : إنما وقعت الفرقة باللعان ؛ لأنه صار بمنزلة الشهادة عليها بالزنا ، فلما حكم عليها بذلك حكم بوقوع الفرقة لأجل [ ص: 110 ] الزنا . قيل له : وهذا غلط أيضا ؛ لأن شهادة الزوج وحده عليها بالزنا لا توجب كونها زانية كما أن شهادتها عليه بالإكذاب لا توجب عليه الحكم بالكذب في قذفه إياها ؛ إذ ليست إحدى الشهادتين بأولى من الأخرى ، ولو كان الزوج محكوما له بقبول شهادته عليها بالزنا لوجب أن تحد حد الزنا ، فلما لم تحد بذلك دل على أنه غير محكوم عليها بالزنا بقول الزوج ، والله أعلم بالصواب .