باب استئذان المماليك والصبيان قال الله تعالى : استئذان المماليك والصبيان يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم الآية .
روى عن ليث بن أبي سليم عن نافع ابن عمر وسفيان عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن : ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم قالا : ( هو في النساء خاصة والرجال يستأذنون على كل حال بالليل والنهار ) .
قال : أنكر بعضهم هذا التأويل ، قال : لأن النساء لا يطلق فيهن ( الذين ) إذا انفردن ، وإنما يقال : ( اللائي ) كما قال تعالى : أبو بكر واللائي يئسن من المحيض
قال : هذا يجوز إذا عبر بلفظ المماليك ، كما أن النساء إذا عبر عنهن بالأشخاص ؛ وكذلك جائز أن تذكر الإناث إذا عبر عنهن بلفظ المماليك دون النساء ودون الإماء ؛ لأن التذكير والتأنيث يتبعان اللفظ كما تقول : ( ثلاث ملاحف ) فإذا عبرت بالأزر ذكرت فقلت : ( ثلاثة أزر ) فالظاهر أن المراد الذكور والإناث من المماليك وليس العبيد ؛ لأن العبيد مأمورون بالاستئذان في كل وقت ما يوجب الاقتصار بالأمر في العورات الثلاث على الإماء دونهم ؛ إذ كانوا مأمورين في سائر الأوقات ، ففي هذه الأوقات الثلاثة أولى أن يكونوا مأمورين به . أبو بكر
حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا قال : حدثنا أبو داود ابن السرح والصباح بن سفيان وابن عبدة وهذا حديثه قال : أخبرنا عن سفيان عبيد الله بن أبي يزيد عن قال : سمعته يقول : ( لم يؤمر بها أكثر الناس آية الإذن ، وإني لآمر جاريتي هذه تستأذن علي ) . ابن عباس
وحدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا القعنبي عبد العزيز بن محمد عن عن عمرو بن أبي عمرو أن نفرا من أهل عكرمة العراق قالوا : يا كيف ترى هذه الآية التي أمرنا فيها بما أمرنا ولا يعمل بها أحد ، قول الله تعالى : ابن عباس يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات الآية ، إلى قوله : عليم حكيم ؟ قال : ( إن الله حليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر ، وكان الناس ليس لبيوتهم ستر ولا حجاب فربما دخل الخادم أو الولد أو يتيمة الرجل والرجل على أهله ، فأمرهم الله بالاستئذان في تلك العورات ، فجاءهم [ ص: 192 ] الله بالستور والخير فلم أر أحدا يعمل بذلك بعد ) . ابن عباس
قال : وفي بعض ألفاظ حديث أبو بكر عباس هذا ، وهو حديث عن سليمان بن بلال : " فلما أتى الله بالخير واتخذوا الستور والحجاب رأى الناس أن ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي أمروا به " فأخبر عمرو بن أبي عمرو أن الأمر بالاستئذان في هذه الآية كان متعلقا بسبب ، فلما زال السبب زال الحكم . وهذا يدل على أنه لم ير الآية منسوخة ، وأن مثل ذلك السبب لو عاد لعاد الحكم وقال ابن عباس أيضا إنها ليست بمنسوخة . الشعبي
وهذا نحو ما فرض الله تعالى من الميراث بالموالاة بقوله تعالى : والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم فكانوا يتوارثون بذلك ، فلما أوجب ، ومتى فقد النسب عاد ميراث المعاقدة والولاء . التوارث بالنسب جعل ذوي الأنساب أولى من مولى الموالاة
وقال في قوله : جابر بن زيد ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ( أبناؤهم الذين عقلوا ولم يبلغوا الحلم من الغلمان والجواري يستأذنون على آبائهم قبل صلاة الفجر وحين يقيلون ويخلون وبعد صلاة العشاء وهي العتمة فإذا بلغوا الحلم استأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم ، إخوانهم إذا كانوا رجالا ونساء لا يدخلون على آبائهم إلا بإذن ساعة يدخلون أي ساعة كانت ) .
وروى عن ابن جريج : مجاهد ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم قال : ( عبيدكم ) والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات قال : ( من أحراركم ) ؛ وروي عن مثله . عطاء
وأنكر بعضهم هذا التأويل ؛ لأن العبد البالغ بمنزلة الحر البالغ في تحريم النظر إلى مولاته ، فكيف يجمع إلى الصبيان الذين هم غير مكلفين قال : فالأظهر أن يكون المراد العبيد الصغار والإماء وصغارنا الذين لم يبلغوا الحلم . وقد روي عن أنه كان يقرأ : ( ليستأذنكم الذين لم يبلغوا الحلم مما ملكت أيمانكم ) . وقال ابن عباس سعيد بن جبير : ( هذا مما تهاون به الناس وما نسخت ) . وقال والشعبي : " ليس بواجب وهو كقوله تعالى : أبو قلابة وأشهدوا إذا تبايعتم " . وقال : ( يستأذن عند كل عورة ، ثم هو طواف بعدها ) ؛ يعني أنه يستأذن عند أوقات الخلوة والتفضل في الثياب وطرحها وهو طواف بعدها ؛ لأنها أوقات الستر ، ولا يستطيع الخادم والغلام والصبي الامتناع من الدخول كما قال صلى الله عليه وسلم في الهرة : القاسم بن محمد يعني أنه لا يستطاع الامتناع منها . وروي أن رجلا قال إنها من الطوافين عليكم والطوافات : أستأذن على أمي ؟ قال : نعم ؛ وكذلك قال لعمر ابن عباس وابن مسعود
[ ص: 193 ]