باب قال الله تعالى : فرض الصيام يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون فالله تعالى أوجب علينا فرض الصيام بهذه الآية ؛ لأن قوله كتب عليكم معناه فرض عليكم ، كقوله : كتب عليكم القتال وهو كره لكم وقوله : إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا يعني فرضا مؤقتا . الصيام في اللغة هو الإمساك ، قال الله تعالى : إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا يعني صمتا ، فسمى الإمساك عن الكلام صوما . ويقال : " خيل صيام " إذا كانت ممسكة عن العلف ، و " صامت الشمس نصف النهار " لأنها ممسكة عن السير والحركة ، فهذا حكم هذا اللفظ في اللغة . وهو في الشرع : اسم للكف عن الأكل والشرب وما في معناه ، وعن الجماع في نهار الصوم مع نية القربة أو الفرض . وهو لفظ مجمل مفتقر إلى البيان عند وروده ؛ لأنه اسم شرعي موضوع لمعان لم تكن معقولة في اللغة ، إلا أنه بعد ثبوت الفرض واستقرار أمر الشريعة قد عقل معناه الموضوع له فيها بتوقيف النبي صلى الله عليه وسلم الأمة عليها .
وقوله تعالى : كما كتب على الذين من قبلكم يعتوره معان ثلاثة كل واحد منها مروي عن السلف ؛ قال الحسن والشعبي : " إنه كتب على [ ص: 215 ] الذين من قبلنا وهم وقتادة النصارى شهر رمضان أو مقداره من عدد الأيام ، وإنما حولوه وزادوا فيه " .
وقال ابن عباس والربيع بن أنس : " كان الصوم من العتمة إلى العتمة ولا يحل بعد النوم مأكل ولا مشرب ولا منكح ، ثم نسخ " . وقال آخرون : " معناه أنه كتب علينا صيام أيام كما كتب عليهم صيام أيام ، ولا دلالة فيه على مساواته في المقدار بل جائز فيه الزيادة والنقصان " . وروي عن والسدي مجاهد : " الذين من قبلكم " وقتادة أهل الكتاب " .
وروى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : معاذ بن جبل المدينة فجعل الصوم كل شهر ثلاثة أيام ويوم عاشوراء ، ثم إن الله تعالى فرض الصيام بقوله : أحيل الصيام ثلاثة أحوال ، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب عليكم الصيام وذكر نحو قول الذي قدمنا . ابن عباس
قال : لما لم يكن في قوله : أبو بكر كما كتب على الذين من قبلكم دلالة على المراد في العدد أو في صفة الصيام أو في الوقت كان اللفظ مجملا ، ولو علمنا وقت صيام من قبلنا وعدده كان جائزا أن يكون مراده صفة الصيام وما حظر على الصائم فيه بعد النوم ، فلم يكن لنا سبيل إلى استعمال ظاهر اللفظ في احتذاء صوم من قبلنا ، وقد عقبه تعالى بقوله : أياما معدودات وذلك جائز وقوعه على قليل الأيام وكثيرها ، فلما قال تعالى : في نسق التلاوة : شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه بين بذلك عدد الأيام المعدودات ووقتها وأمر بصومها .
وقد روي هذا المعنى عن . وروي عن ابن أبي ليلى ابن عباس أن المراد بقوله تعالى : وعطاء أياما معدودات صوم ثلاثة أيام من كل شهر قبل أن ينزل رمضان ، ثم نسخ برمضان .