وقوله : إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون وروي أنها نزلت في قوم من بني تميم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فنادوه من خارج الحجرة وقالوا : اخرج إلينا يا محمد فذمهم الله - تعالى - بذلك وهذه الآيات ، وإن كانت نازلة في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وإيجاب الفرق بينه وبين الأمة فيه ، فإنه تأديب لنا فيمن يلزمنا تعظيمه من والد وعالم وناسك وقائم بأمر الدين وذي سن وصلاح ونحو ذلك ؛ إذ تعظيمه بهذا الضرب من التعظيم في ترك رفع الصوت عليه وترك الجهر عليه والتمييز بينه وبين غيره ممن ليس في مثل حاله .
وفي ؛ لأن الله قد ذم هؤلاء القوم بندائهم إياه من وراء الحجرة وبمخاطبته بلفظ الأمر في قولهم اخرج إلينا . حدثنا النهي عن ندائه من وراء الباب والمخاطبة له بلفظ الأمر عبد الله بن محمد [ ص: 278 ] قال : حدثنا الحسن الجرجاني قال : أخبرنا عن عبد الرزاق عن معمر ، أن الزهري قال : ثابت بن قيس لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي نهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك ، وأنا امرؤ جهير الصوت ، ونهى الله المرء أن يحب أن يحمد بما لم يفعل وأجدني أحب الحمد ونهانا الله عن الخيلاء وأجدني أحب الجمال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا ثابت أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة ؟ فعاش حميدا وقتل شهيدا يوم يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت ، لما نزلت هذه الآية : مسيلمة الكذاب .