ومن سورة الطلاق 
بسم الله الرحمن الرحيم 
قال الله تعالى : يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن  قال  أبو بكر   : يحتمل تخصيص النبي بالخطاب وجوها : أحدها : اكتفاء بعلم المخاطبين بأن ما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم خطاب لهم ، إذ كانوا مأمورين بالاقتداء به إلا ما خص به دونهم ، فخصه بالذكر ثم عدل بالخطاب إلى الجماعة ؛ إذ كان خطابه خطابا للجماعة . 
والثاني : أن تقديره : يا أيها النبي قل لأمتك إذا طلقتم النساء . 
والثالث : على العادة في خطاب الرئيس الذي يدخل فيه الأتباع ، كقوله تعالى : إلى فرعون وملئه  
و قوله تعالى : فطلقوهن لعدتهن  ؛ قال  أبو بكر   : روي عن  ابن عمر  رضي الله عنه أنه طلق امرأته في الحيض ، فذكر ذلك  عمر  للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : مره فليراجعها وليمسكها حتى تطهر من حيضتها ثم تحيض حيضة أخرى فإذا طهرت فليفارقها قبل أن يجامعها أو يمسكها ، فإنها العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء رواه  نافع  عن  ابن عمر  وروى  ابن جريج  عن  أبي الزبير  أنه سمع  ابن عمر  يقول : قرأ النبي صلى الله عليه وسلم : فطلقوهن في قبل عدتهن قال : طاهرا من غير جماع وروى  وكيع  عن  سفيان  عن محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة  عن  سالم  عن  ابن عمر   : أنه طلق امرأته في الحيض ، فذكر ذلك  عمر  لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : مره فليراجعها ثم يطلقها وهي حامل أو غير حامل وفي لفظ آخر : فليطلقها طاهرا من غير جماع أو حاملا قد استبان حملها  . 
قال  أبو بكر   : بين النبي صلى الله عليه وسلم مراد الله في قوله  [ ص: 347 ] تعالى : فطلقوهن لعدتهن  وأن وقت الطلاق المأمور به أن يطلقها طاهرا من غير جماع أو حاملا قد استبان حملها  ، وبين أيضا أن السنة في الإيقاع من وجه آخر وهو أن يفصل بين التطليقتين بحيضة بقوله : " يراجعها ثم يدعها حتى تطهر ثم تحيض حيضة أخرى ثم تطهر ثم يطلقها إن شاء " فدل ذلك على أن الجمع بين التطليقتين في طهر واحد  ليس من السنة ، وما نعلم أحدا أباح طلاقها في الطهر بعد الجماع إلا شيئا رواه  وكيع  عن  الحسن بن صالح  عن  بيان  عن  الشعبي  قال : " إذا طلقها وهي طاهر فقد طلقها للسنة وإن كان قد جامعها " ، وهذا القول خلاف السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلاف إجماع الأمة ؛ إلا أنه قد روي عنه ما يدل على أنه أراد الحامل ، وهو ما رواه  يحيى بن آدم  عن  الحسن بن صالح  عن  بيان  عن  الشعبي  قال : " إذا طلقها حاملا  فقد طلقها للسنة وإن كان قد جامعها " ، فيشبه أن يكون هذا أصل الحديث وأغفل بعض الرواة ذكر الحامل و قوله تعالى : فطلقوهن لعدتهن  منتظم للواحدة وللثلاث مفرقة في الأطهار ؛ لأن إدخال " اللام " يقتضي ذلك ، كقوله تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل  قد انتظم فعلها مكررا عند الدلوك ، فدل ذلك على معنيين : 
أحدهما إباحة الثلاث مفرقة في الأطهار ، وإبطال قول من قال : " إيقاع الثلاث في الأطهار المتفرقة ليس من السنة " وهو مذهب  مالك   والأوزاعي   والحسن بن صالح   والليث  والثاني : تفريقها في الأطهار وحظر جمعها في طهر واحد ؛ لأن قوله : لعدتهن  يقتضي ذلك لا فعل الجميع في طهر واحد ، كقوله تعالى : لدلوك الشمس  لم يقتض فعل صلاتين في وقت واحد وإنما اقتضى فعل الصلاة مكررة في الأوقات وقول أصحابنا : إن طلاق السنة من وجهين : 
أحدهما : في الوقت ، وهو أن يطلقها طاهرا من غير جماع أو حاملا قد استبان حملها . 
والآخر : من جهة العدد ، وهو أن لا يزيد في الطهر الواحد على تطليقة واحدة والوقت مشروط لمن يطلق في العدة ؛ لأن من لا عدة عليها بأن كان طلقها قبل الدخول فطلاقها مباح في الحيض لقوله تعالى : لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة  فأباح طلاقها في كل حال من طهر أو حيض ، وقد بينا بطلان قول من قال : إن جمع الثلاث في طهر واحد من السنة ومن منع إيقاع الثلاث في الأطهار المتفرقة في سورة البقرة 
فإن قيل : لما جاز طلاق الحامل بعد الجماع كذلك الحائل يجوز طلاقها في الطهر بعد الجماع ، قيل له : لا حظ للنظر مع الأثر واتفاق السلف  ، ومع ذلك فإن الفرق بينهما واضح وهو أنه إذا طهرت  [ ص: 348 ] من حيضتها ثم جامعها لا ندري لعلها قد حملت من الوطء وعسى أن لا يريد طلاقها إن كانت حاملا فيلحقه الندم ، وإذا لم يجامعها بعد الطهر فإن وجود الحيض علم براءة الرحم فيطلقها وهو على بصيرة من طلاقها .
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					