قوله تعالى : يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر قال : روي عن أبو بكر ابن عباس وقتادة ومجاهد أن اليسر الإفطار في السفر والعسر الصوم فيه وفي المرض ، ويحتمل ما ذكر من الإفطار في السفر لمن يجهده الصوم ويضره ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الرجل الذي ظلل عليه في [ ص: 277 ] السفر وهو صائم : والضحاك ، فأفادت الآية أن الله يريد منكم من الصوم ما تيسر لا ما تعسر وشق ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد صام في السفر وأباح الصوم فيه لمن لا يضره . ليس من البر الصيام في السفر
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متبعا لأمر الله عاملا بما يريده منه ، فدل ذلك على أن قوله : يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر غير ناف لجواز بل هو دال على أنه إن كان يضر فالله سبحانه غير مريد منه ذلك وأنه مكروه له . الصوم في السفر
ويدل على أن ؛ لأن في إيجاب القضاء إثبات العسر ؛ ولأن لفظ اليسر يقتضي التخيير كما روي عن من صام في السفر أجزأه ولا قضاء عليه ، وإذا كان مخيرا في فعل الصوم وتركه فلا قضاء عليه ، ويدل أيضا على أن ابن عباس ، فعليه أن يفطر ؛ لأن في احتمال ضرر الصوم ومشقته ضربا من العسر ، وقد نفى الله تعالى عن نفسه إرادة العسر بنا ؛ وهو نظير ما روي أن المريض والحامل والمرضع وكل من خشي ضرر الصوم على نفسه أو على الصبي . النبي صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما
وهذه الآية أصل في أن كل ما يضر بالإنسان ويجهده ويجلب له مرضا أو يزيد في مرضه ، أنه غير مكلف به ؛ لأن ذلك خلاف اليسر ، نحو من يقدر على المشي إلى الحج ولا يجد زادا وراحلة فقد دلت الآية أنه غير مكلف به على هذا الوجه لمخالفته اليسر .
وهو دال أيضا على أن فلا فدية عليه ، لما فيه من إثبات العسر ونفي اليسر ، ويدل على أن سائر الفروض والنوافل إنما أمر بفعلها أو أبيحت له على شريطة نفي العسر والمشقة الشديدة ، ويدل أيضا على أن من فرط في قضاء رمضان إلى القابل ؛ لأنه ذكر ذلك عقيب قوله : له أن يقضي رمضان متفرقا فعدة من أيام أخر ودلالة ذلك عليه من وجهين :
أحدهما : أن قوله : يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر قد اقتضى . تخيير العبد في القضاء
والثاني : أن قضاءه متفرقا أولى بمعنى اليسر وأبعد من العسر ، وهو ينفي أيضا إيجاب التتابع لما فيه من العسر ، ويدل على بطلان قول من أوجب القضاء على الفور ، ومنعه التأخير ؛ لأنه ينفي معنى اليسر ويثبت العسر ، وقد دلت الآية على ؛ لأن تكليف العبد ما لا يطيق وما ليس معه القدرة عليه من أعسر العسر ، وقد نفى الله تعالى عن نفسه إرادة العسر لعباده . بطلان قول أهل الجبر والقائلين بأن الله يكلف عباده ما لا يطيقون
ويدل على بطلان قولهم من وجه آخر : وهو أنه من حمل نفسه على المشقة الشديدة التي يلحقه ضرر عظيم في الصوم فاعل لما لم يرده الله منه بقضية الآية ، وأهل الجبر يزعمون أن كل ما فعله العبد من [ ص: 278 ] معصية أو كفر فإن الله مريده منه ، وقد نفى الله بهذا ما نسبوه إليه من إرادة المعاصي ، ويدل أيضا من وجه آخر على بطلان قولهم ، وهو أن الله تعالى قد أخبر في هذه الآية أنه يريد بهم اليسر ليحمدوه ويشكروه ، وأنه لم يرد منهم أن يكفروا ليستحقوا عقابه ؛ لأن مريد ذلك غير مريد لليسر بل هو مريد للعسر ولما لا يستحق الشكر والحمد عليه ، فهذه الآية دالة من هذه الوجوه على بطلان قول أهل الجبر وأنهم وصفوا الله تعالى بما نفاه عن نفسه ولا يليق به .