قوله تعالى : الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص روي عن الحسن أن مشركي العرب قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أنهيت عن قتالنا في الشهر الحرام ؟ قال : نعم وأراد المشركون أن يغيروه في الشهر الحرام فيقاتلوه ، فأنزل الله تعالى : الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص يعني إن استحلوا منكم في الشهر الحرام شيئا فاستحلوا منهم مثله .
وروى ابن عباس والربيع بن أنس وقتادة : والضحاك أن قريشا لما ردت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية محرما في ذي القعدة عن البلد الحرام في الشهر الحرام ، فأدخله الله مكة في العام المقبل في ذي القعدة ، فقضى عمرته وأقصه بما حيل بينه وبينه في يوم الحديبية . ويمتنع أن يكون المراد الأمرين ، فيكون إخبارا بما أقصه الله من الشهر الحرام الذي صده المشركون عن البيت بشهر مثله في العام القابل . وقد تضمن مع ذلك إباحة إذا قاتلهم المشركون ؛ لأن لفظا واحدا لا يكون خبرا وأمرا ، ومتى حصل على أحد المعنيين انتفى الآخر . إلا أنه جائز أن يكون إخبارا بما عوض الله نبيه من فوات العمرة في الشهر الحرام الذي صده المشركون عن القتال في الشهر الحرام البيت شهرا مثله في العام القابل ، وكانت حرمة الشهر الذي أبدل كحرمة الشهر الذي فات ؛ فلذلك قال : والحرمات قصاص ثم عقب تعالى ذلك بقوله : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم فأفاد أنهم إذا قاتلوهم في الشهر الحرام فعليهم أن يقاتلوهم فيه وإن لم يجز لهم أن يبتدئوهم بالقتال . وسمى الجزاء اعتداء لأنه مثله في الجنس وقدر الاستحقاق على ما يوجبه فسمي باسمه على وجه المجاز ؛ لأن المعتدي في الحقيقة هو الظالم .